الاستهتار القاتل
غالب قنديل – رئيس مركز الشرق الجديد
سنبقى نقول، ونعيد، أن فريقا من شعبنا هم المستهترون بتدابيرالوقاية من كورونا، يحملون المسؤولية الأساسية عن تزايد الإصابات، وعن جميع وجوه التردي الصحي وزيادة المخاطر على البلد المهدّد، فوق انهياره الاقتصادي، بكارثة وبائية نتيجة التخلّف واللامبالاة في سلوك شعب، هو الأكثر ادّعاءً للتحضّر في المنطقة، وربما في العالم.
أولا: أجراس الإنذار التي تنطلق من جمع مستويات المسؤولية عن الوضع الصحي حول خطر التفشّي الوبائي القاتل، تشير الى كارثة زاحفة،، وهي خطر واقعي لا تهويل فيه. وذريعة اقتراب اللقاح تدلّ على تفاهة العقول وأميّة أصحاب هذا الرأي، الذين لا يملكون الأهلية العلمية لإبداء وجهة نظر. وحيث ينطق الخبراء والعلماء، يجب أن يخرس أنصاف المتعلّمين والأميّون، الذين يعتبر إفساح المجال لهم في بعض وسائل الإعلام جريمة بحق البلد والناس. فواجب الإعلام بجميع مؤسساته في ظروف الكارثة الوبائية أن يبثّ الوعي، وأن يتصدّى للتفاهات الضّارّة، التي يجترّها الجَهَلَة، ولا يجوز التعامل معها على أنها من روافد الرأي العام.
إن العبثية هي مرض لبناني مقيم، ولا عذر للعابثين إن كان المرض حاضرا في بلدان أخرى ومجتمعات أخرى. فواقع الحال أن ناسا ماتوا، وقد يموت غيرهم، وهذا ما يعني زيادة أعداد الأيتام والمنكوبين في المجتمع. وهو أمر تحمل مسؤوليته طائفة المستهترين والعابثين والجَهَلَة من شعبنا “العظيم”.
ثانيا: الكارثة الوبائية سوف تجري فرملتها، بعد فترة، بفضل اللقاحات الجاري اختبارها، والتي يمثّل الحصول عليها وتوفيرها مجانا للشعب “العظيم” همّاَ للمسؤولين المهجوسين بواجب تعزيز الوقاية الممكنة للناس. وأيا كان التقييم السياسي لأداء الحكومة ولعملها، يوجِب الإنصافُ أن نعترف لها بسرعة المبادرة في الاستجابة للتهديد الوبائي، وفي التعامل مع مظاهر التفشّي بكلّ مسؤولية وبحزم. بينما استعصى أمام جميع محاولات التوعية خرقٌ خطير للمناعة ضد الوباء، تسبّب به العابثون وغير المسؤولين من شعبنا “العظيم”. فأي عظمة في الاستهتار واللامبالاة وإدارة الظهر للإرشادات وللتوجيهات المتعلقة بالسلامة الصحيّة والسلوك المجتمعي في مقاومة وباء خطير؟.
أيا كان الزمن الضروري لتوفّر اللقاح الموثوق، وإتاحته أمام اللبنانيين عمليا، فإن هذا الزمن الفاصل قد تنجم فيه مضاعفات خطيرة بسبب الاستهتار والتفاهة وانعدام المسؤولية، التي تستوطن جانبا من رأينا العام اللبناني. وبكل أسف، فإن نسبة من الشعب تتحمّل مسؤولية جميع الآلام والويلات، التي ذاقها قسم من المواطنين مع العدوى اللئيمة.
ثالثا: المشكلة أن زوال الخطر الوبائي غير معلوم الأجل، والأيام والأشهر الفاصلة عن ذلك، بعد توافر اللقاح وتلقّيه على نطاق شعبي، قد تشهد سقوط المزيد من الضحايا نتيجة الاستهتار، ونحن بلد مستنزف ليست لديه الإمكانات المطلوبة للتعامل مع كارثة وبائية، وقطاعه الصحي محدود في طاقته وقدرته. وهو منهك ومستنزف بعدما نجح في إقامة سدود مانعة أمام خطر التفشّي الواسع للوباء. وهو اليوم بالكاد يلتقط أنفاسه ليستمر في دورة الإسعاف اليومي والمعالجة الضرورية للمصابين، الذين تزداد أعدادهم بصورة كارثية نتيجة اللامبالاة والعبثية.
يحلو للبعض أن يستمر في إلقاء تبِعات الإصابات المسجّلة على الأجهزة الصحية العامة والنظام الطبي، ولكن الحقيقة المريرة، هي أنّ لامسؤولية شعبنا “العظيم” هي التي تقود الى الكارثة. والأنكى أن أصحاب المزاج المدمّر يتصرفون بعنجهية فاجرة، وهم يلعبون لعبة الموت دون أن يرفّ لهم جفن.
قد تنجلي عاصفة كورونا بعد أشهر، بعد أن تكون قد حصدت ما حصدت من أرواح الناس، ولكن ستبقى العقلية المريضة والتحلّل اللامسؤول وغيرها من الأمراض، التي يعكسها سوك اللبناني، بوصفها التهديد الكارثي، الذي يفتح جميع أبواب المخاطر على مصراعيها، ويضع مصير البلد على كفّ عفريت. ومن حقّنا أن نقول: أيها اللبنانيون، أيها الشعب “العظيم” دعكم من التفاهة والفذلكة، ولْنتصرّف بمسؤولية وعقلانية. ولن تكون النجاة من المهلكة الوبائية آخر التحدّيات. فعلينا فحص ضمائرنا والسؤال عن الدرس، الذي اكتسبناه في هذه المحنة. والشعب الذي لا يراكم الدروس، هو فاقد للرشد وللذاكرة، وتلك مصيبة كبيرة.