ظافر الخطيب القائد الساحر والمتواضع
غالب قنديل – رئيس مركز الشرق الجديد
تعرّفت إلى الشهيد ظافر الخطيب في إطار التحركات الطلابية، التي شهدها لبنان عشية اندلاع الحرب الأهلية، وفي زمن غليان وطني واجتماعي كبير، قطعته الحرب الأهلية، وجرفت مساره في دوامة التآكل وطواحين الدم والنار على وقع العدوان الصهيوني المفتوح.
وقد لفتني ظافر بهدوئه وطول باله، وابتعاده عن الانفعال، وبحرصه على الاحتفاظ بالقدرة على إمساك دفة النقاش واختصار المسافات إلى القلوب والعقول بالوضوح الهادئ، وبالمنطق الفاعل في تفكيك الآراء المخالفة واستنباط المساحات المشتركة مع الآخرين، وجذب من يحاورهم إلى مساحة من التفاعل والتقارب الفكري، وهو لم يكن مجاملاً في تظهير الاختلاف وبلورة النقاط التي ينبغي الحوار حولها.
فقد تمسّك دائماً بالدعوة الى وحدة العمل الوطني والثوري. منطقه التحليلي، الذي يعرضه بلغة بسيطة مباشرة، يسهل فهمها رغم ثقافته الفكرية والنظرية العميقة والواسعة، التي سرعان ما تتجلى في الردّ على التساؤلات، التي يطرحها حضور الندوات واللقاءات من كوادر وقادة مجموعات حزبية أخرى أو من الشباب المثقف، الذي اندفع كالسيل الجارف يبحث عن خياراته، ويتعرّف إلى المجموعات والقوى الجديدة، التي ظهرت على الساحة السياسية والحزبية آنذاك.
تميّز الرفيق “وسام” بهدوئه وأعصابه الباردة، فكان عصياً على الاستفزاز حريصاً على شرح فكرته وإيصالها إلى الحضور بهدوء ودون أي انفعال، بل بقدرة عالية على احتواء أيّ مماحكة وإبطالها. فنادراً ما أفلح المماحكون في استثارة أعصابه واستدراجه إلى انفعالات مؤذية. وهذا الهدوء الإيجابي مع التهذيب الرفيع في لغة التخاطب، التي كان يعتمدها، وهباه سحراً وقدرة عالية على التأثير وجذب الاهتمام.
كان الرفيق ظافر حريصاً على مدّ جسور الحوار مع كلّ من يدلي برأي سياسي مخالف، وبغضّ النظر عن وجهته أو لغته. فقد كان ظافر يمسك دفة النقاش بسحره الشخصي، وبنبرته الهادئة، وبلغته الحوارية المرنة وابتسامته المحبّبة، التي تختصر المسافة بينه وبين محاوريه. كان ظافر صبوراً هادئاً، يصعب استدراجه إلى الانفعال بسؤال سخيف من خارج السياق أو باستفزاز مثير. وقد شَهِدْتُ في إحدى الندوات كيف أحبط فخّاً لاستدراجه الى الانفعال بسؤال خارج الموضوع طرحة أحد الحضور، الذي علمت لاحقاً، أنه ينتمي الى أحد الأحزاب الوطنية، ثم التقيت بصاحب السؤال في أحد اجتماعاتنا الحزبية الموسّعة في الجنوب. هذا الشاب طرح على الرفيق ظافر سؤالاً خارج سياق ندوته كلياً، وقال له “من أين يأتي الأطفال؟” فتوقع كثيرون من الحضور، وأنا منهم، ردّاً انفعالياً، لكن ظافر ردّ بهدوء وبالمنطق العلمي على السائل، متجاهلاً الطابع الاستفزازي لسؤاله، محبطاً غاية من حمّلوه مثل هذا السؤال. فقد استفاض الرفيق ظافر خلال عشر دقائق في إجابة علمية وبسيطة قابلة للفهم، ومن غير أيّ انفعال. هذا الهدوء ناتج عن وعي عميق وتمسّك بخوض معركة كسب العقول والقلوب.
كان ظافر شخصية قيادية ساحرة، لغته بعيدة عن الشتائم، تفتح أبواباً للنقاش، وتعزّز المساحات الممكنة للتلاقي حول المشتركات الوطنية والاجتماعية، وتتخطّى أدبيات التعصّب، التي نقدها بحزم. وكان يدعو دائماً الى البحث عن الموضوعات والقضايا الرئيسية التي تخصّ الفقراء، بعيداً عن المماحكة والعصبية الحزبية. وهو مدّ الجسور مع الآخرين من غير مساومة على الموقف المبدئي. فالوضوح كان بالنسبة اليه شرطاً موجباً لأيّ لقاء فكري أو سياسي مع الأفراد والجماعات. والتهذيب والاحترام هما قاعدة التعامل، التي تعكسها لغته في مخاطبة الآخرين، فلا يحوّل الإيجابية الى ميوعة تطمس الاختلاف، ولا يتورّط بجدل تناحري بلا جدوى بذريعة الاختلاف. وما كان يبحث عنه، هو التقاط كيفية التأثير في الآخرين فكرياً وسياسياً، وكسبهم على أسس واضحة وراسخة. وهذا ما أعطاه سحراً خاصاً عند جميع محاوريه.
كانت للرفيق ظافر طاقة هائلة عملية، فهو المنظّم الذي تربطه علاقات واسعة في مختلف المناطق اللبنانية، وفي سائر الجامعات والمعامل، بشباب يشتركون في التطلّع الى التغيير، وجمعته بهم لقاءات للحوار والنقاش، وهو كان صاحب الدعوة والمبادر. كذلك فإنّ الرفيق ظافر لم يفوّت فرصة لإثارة الجدل والنقاش حول الأولويات الوطنية والمشتركات، التي ينبغي العمل عليها لتوحيد الجهود في سبيل إنقاذ لبنان وإنهاء الهيمنة الاستعمارية والتهديد الصهيوني.