سترة نصرالله الواقية من الاغتيال…
على بعد أيام من الذكرى السنوية الأولى لتصفية واشنطن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني في العراق، أعلن أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله، أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، طرح مسألة اغتياله خلال زيارته إلى واشنطن، وأنّ السعودية، التي بزعمه تحرض على قتله منذ إنطلاق عاصفة الحزم في اليمن، تعهدت بتحمل تكاليف الحرب التي قد تنتج عن إغتياله.
ووضع نصرالله الاغتيال المزعوم، كما اغتيال بقية قادة الحزب، في سياق أنّه هدف “إسرائيلي أميركي سعودي” مشترك.
قاسٍ ومؤلم أن يتجرّأ نصرالله أمام الرأي العام اللبناني على الإيحاء بعلمه بما يجري من مباحثات سريّة بين قادة دول، وفي أروقة من شبه المستحيل أن يمتلك فيها وشاة ينقلون له ما يعنيه، وهو نفسه الذي يعتصم بحبل الجهل لناحية ما حصل في مرفأ بيروت من انفجار أفقد اللبنانيين ثقتهم بذاتهم، كما ذهب عنوان بديع لوكالة رويترز.
والغريب أن يعلن أنّه عرضة للاغتيال، مستدراً التضامن لمكانته، في لحظة يتمنّى فيها اللبنانيون علناً رحيل كامل الطبقة السياسية، وهو قائدها ومرشدها، لأسباب شديدة المحلية، ولا تمت بصلة لمؤامرات سعودية أو أميركية أو إسرائيلية!
ما مدى مصداقية ما قاله نصرالله؟
أولاً: ليس خافياً أنّ تاريخ الاغتيالات، من حيث المبدأ، بين إسرائيل وفصائل كحزب الله هو تاريخ غني ومليء بعمليات نفّذت بأعلى درجات الدقّة وأرفع مستويات التجرّؤ. والحال، من غير المستبعد أبداً أنّ إسرائيل قد أعدّت في السابق خططاً لاغتيال نصرالله وغيره من قادة الحزب من ضمن خطة أوسع للمواجهة مع حزب الله ومن دون الحاجة لتحريض من أي طرف ثالث.
ثانياً: تحوّل نصرالله، من حيث شخصه وحيثيته، بعد حرب تموز 2006، إلى هدف حقيقي لإسرائيل، كتتمة ضرورية للحرب، تعدل نتيجتها التي لم تسر في إسرائيل بمثل ما يريد الإستابلشمنت العسكري والأمني. ويعدّ اغتياله، إذا ما وقع، زلزالاً معنوياً وسياسياً وتنظيمياً لحزب الله.
ثالثاً: يدخل اغتيال نصرالله في سياق توجيه ضربة كبيرة تتجاوز السياق اللبناني الاسرائيلي، إلى السياق الأعمّ الذي جعل من حزب الله القائد الميداني لكّل الفصائل والميليشيات، المقاتلة تحت الراية الإيرانية في لبنان وسوريا والعراق واليمن. ما يعني أنّ الاغتيال هو ضربة هائلة لمحور إيران وليس لحزب الله وحده. فنصرالله هو الرمز الأخير المتبقّي، المثقل بالمعاني والتراكم القيادي في جيله، بعد اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وعماد مغنية ومصطفى بدر الدين، وحسان اللقيس، وآخرين من مستويات أقلّ، كانت أهلاً للترقّي القيادي، وبعد تعثّر استيلاد قائد ميداني حقيقي في شخص عبد الملك الحوثي، والفشل في صناعة شخصية فلسطينية جهادية بمستوى فتحي الشقاقي أو بالمستوى الواعد ليحيى عياش، دعك عن فوضى العراق الفصائلية ورداءة النوع القيادي المتوفر.
وفق هذه الاسباب ليس من المستغرب أن يكون نصرالله في رأس قائمة الأهداف الاسرائيلية وربما الأميركية. إذاك يصير السؤال: هل تقدم إسرائيل على إغتياله؟
واقع الأمر أنّ الجواب كان ليكون حاسمًا بالايجاب لو أنّنا نتحدث قبل بضع سنوات وللأسباب المذكورة أعلاه. وما تتداوله مراكز الأبحاث وأحاديث الهوامش في المؤتمرات الدولية أنّ إسرائيل نجحت مرة واحدة على الاقل في تحديد مكان تواجده، لكن اغتياله كان يتطلب قنبلة أميركية قادرة على إختراق ما لا يقل عن 9 طبقات تحت الأرض، رفضت واشنطن تسليمها لإسرائيل، وتحريكها من مخازن قاعدة أنجرليك في تركيا.
بيد أنّ الكثير تغيّر في تقدير النتائج المترتبة على إغتيال نصرالله وجدوى تصفيته وفق خمسة عناصر:
1- من غير المستبعد أن يؤدي اغتيال نصرالله الى إشعال جبهة جنوب لبنان، وربما جبهات أخرى، بشكل غير مسبوق في المواجهات الماضية، وفي ظل توفر أسلحة أكثر فتكاً ودقة بيد حزب الله. فلماذا تغامر إسرائيل بخطوة تعطل عليها حال “هدنة الأمر الواقع” القائمة مع حزب الله والتي لا تمنعها في الوقت نفسه من تنفيذ ما شاءت من عمليات عسكرية وأمنية ضد حزب الله وإيران، من دون تبعات الحرب وأكلافها الاقتصادية والبشرية والسياسية. ففي ظل هذه “الهدنة المفيدة” قتلت إسرائيل عماد مغنية، وسرقت جزءاً استراتيجياً من الأرشيف النووي الإيراني، وأعلنت عن قتل الرجل الثاني للقاعدة في قلب طهران، ومؤخراً قتلت رأس المشروع النووي الايراني محسن فخري زاده في ايران.
2- نقلت أميركا الحرب مع حزب الله وإيران إلى نطاق “حرب التجويع” الاقتصادية مقرونة بحرب أمنية ودعائية، مع تجنّب الحرب التقليدية. وقد هُدم بنتيجة هذه الحرب الكثير من الهيبة التي ينهض عليها محور إيران. وبالتالي من غير المنطقي أن يهدى حزب الله حرباً تعيد ترميم صورته كميليشيا عسكرية كفوءة فيما تخاض حرب ناجحة ضده، لا يملك أي من أدواتها وعلى ملعب لا يعرف الكثير من شعابه.
3- يعرف الإسرائيليون والأميركيون حسن نصرالله أكثر بكثير مما يعتقد، وليس في حساباتهم شطب من يعرفون لصالح شخصية جديدة قد تغير واقع الستاتيكو القائم حالياً، أو أن يقدموا على عملية تفتح المجال لجيل جديد من القادة الأكثر تطرّفًا والأقلّ خبرة في خفايا وثوابت العلاقات اللبنانية الإسرائيلية أو محدّدات المعادلات في المنطقة.
4- ما عاد نصرالله يملك الرصيد المعنوي والإسلامي الذي كان يملكه قبل عقد الربيع العربي، ودخول حزبه على خطّ الحروب الأهلية في الاقليم من بوابات العراق واليمن وسوريا. وما عاد محاطاً بهالة المصداقية التي نجح لأسباب موضوعية ودعائية في بنائها على المستويين اللبناني والعربي. هو ليس قائداً صاعداً كما كان قبل عقد أو عقدين، وليس محارباً ميدانياً كقاسم سليماني، بل “متعبة” عن نفسه. ومن صالح إسرائيل أن يقود نصرالله برصيده المتهالك حزب الله لا أحد غيره في هذه المرحلة.
5- حزب الله أسد عجوز في منطقة تتغير مع طلوع كل شمس. حين قتل فخري زاده سارع حزب الله لتحييد نفسه عن مسؤولية الردّ. وحين حلّق الطيران الحربي الإسرائيلي قبل أيّام فوق لبنان على علوّ شديد الانخفاض بدا حزب الله عاجزاً كما الدولة اللبنانية التي لطالما قال إنّ قوته تنوب عن ضعفها. وبينه وبين إسرائيل حساب مفتوح لم يسدّد منه شيء. إسرائيل ستفكر كثيرًا قبل أن تشطب قائداً بهدا الرصيد القليل والمرشح للتراجع أكثر وأكثر، فيما إسرائيل تتوسّع حضوراً في المنطقة سياسياً.
كان نصرالله يشعر بهذا الضعف في مقابلته حين اختار أن يخاطب مشاعر وغرائز جمهوره ويقول لهم: أنا الشهيد الحي الذي يريدون قتلي.. بيد أنّ صدى كلماته لم يغادر قاعة المقابلة أبعد من شوارع قليلة خارجها في جمهورية الخواء والانهيار التي يتربّع حزب الله على سدّة قيادتها نحو الجحيم.
The post سترة نصرالله الواقية من الاغتيال… appeared first on LebanonFiles.
الكاتب : Stephny Ishac
الموقع :www.lebanonfiles.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2020-12-30 07:28:40
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي