كتبت ليندا حمورة | في الجنوب ، السجاد ايضاً يقاوم

ليندا حمورة | كاتبة وباحثة لبنانية
كانت تلك السجادة وعدًا قديمًا من ماما، وعدتني أن تهديني إياها قبل الحرب بيوم، ولكنها نسيتها في منزل الضيعة وجاءت بدونها، وبقيت وحيدة هناك حيث كنا نعيش في عالمٍ مختلف، عالم كانت فيه كل زاوية تحمل ذكرى، وكل ركن يحكي قصة. لكن الحرب جاءت، وغسلت الأيام في دماء الصمت، وتهدم البيت، ومعه اختفت كل الذكريات الجميلة التي كانت تتنفس بين الجدران. ثم توقفت الحرب فجأة، كأنها تنفست راحتها أخيرًا، فقررت أن أذهب إلى بيت أهلي المهدم، لأحاول أن ألتقط ما تبقى من آثارنا.
عندما مرّت عيني على الخراب، كان أول ما رأيت وسط الأنقاض طرف السجادة، وكأنها يَدٌ ممدودةٌ من عالم آخر، تقول لي: “أنا هنا، لا تتركيني وسط هذا الخراب”. كانت السجادة كروحٍ حيةٍ، تحتفظ بمقاومتها، تحمل وعدًا لم تستطع الوفاء به إلا الآن. جذبْتُها بحذر، كما لو كنت أرفع جريحًا من بين ركام معركة. وعندما وجدتها سليمة، نسيت كل شيء، حتى الألم الذي كان تحت الأنقاض. اختفت اللحظات التي سقطت تحت الأحجار، وكأن الزمن توقّف للحظة ليعترف بالصمود الذي شهدته السجادة، كما لو كانت الحياة نفسها تتنفس فيها، تقاوم الظلام، تلتقط الفرح من بين الأطلال.
الحياة ليست للبشر وحدهم، الحياة هي لكل شيء حولنا، لكل كائن أو شيء يحمل أملًا أو مقاومة. السجادة، تلك التي تشبثت بالبقاء رغم كل شيء، هي دليل على أن الحياة تليق بالجميع، بل هي أعمق من مجرد فكرة، هي روح تأبى أن تموت. مثلنا، مثل هذه السجادة التي لم تنكسر، بل صمدت لتعيد الأمل.”