كتب عمر معربوني | لبنان في مواجهة الإرهـ.ـاب (المخاطر المحتملة للإرهـ.ـاب على لبنان)2/2
عمر معربوني | خبير عسكري خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
يعتقد البعض أنَّ خطر الإرهاب يتمثل فقط بالجانب العسكري والأمني ، في حين أنَّ للإرهاب جوانب عديدة ومختلفة منها الفكري ومنها الاقتصادي ومنها العسكري والأمني .
وكما أنّ للإرهاب جوانب مختلفة فله كذلك أدوات عديدة منها إرهاب الدولة وإرهاب الجماعات التي تحمل في العادة أفكاراً متشددة .
وباختلاف قوى الصراع فلكل جهة من جهات وقوى الصراع تفسير مختلف للإرهاب ، ففي حين نعتبر مواجهة أميركا والغرب الجماعي والصهيوينة والنازية والجماعات الإرهابية المتأسلمة مقاومة ، تصنف هذه القوى حركات المقاومة إرهاباً وتضعها في خانة الخطر .
بما يرتبط بلبنان فإنّ منسوب الإرهاب الذي تعرض له ولا يزال متعدد الأوجه فهو إرهاب الدولة الذي يمارسه الغرب الجماعي وعلى رأسه أميركا ويتمثل بالإرهاب السياسي والاقتصادي ، والارهاب الذي يمارسه الكيان الصهيوني المؤقت من خلال الاعتداءات المستمرة على لبنان والتي لم تتوقف منذ سنة 1948 ، والإرهاب المتمثل بالجماعات الإرهابية التي لا تزال تجد لها ملاذات آمنة وحضوراً سواء كخلايا نائمة أو أفراد يمثلون الإرهاب المعتمد على نمط الذئاب المنفردة .
1- في الإرهاب السياسي والاقتصادي
تقود أميركا منذ فترة طويلة الإرهاب السياسي على لبنان من خلال أدواتها في الطبقة السياسية والتي أوصلت الأمور إلى مستوى عالٍ من التبعية يتمثل بمنع لبنان من اتخاذ قرارات تثبّت استقلالية قراره ما أدّى إلى انقسام سياسي حاد كان موجوداً لعقود طويلة لكنه مع الإجراءات الأميركية السياسية والاقتصادية تحوّل إلى انقسام عامودي غير مسبوق يهدّد وحدة لبنان ووجوده ، فالمواقف التي تتخذها أدوات أميركا في لبنان بإعلان عدائها للمقاومة وإن كانت موجودة سابقاً لكنها تأتي بالتزامن مع وضع اقتصادي ومعيشي مزري سبب الوصول إليه هو الحصار الأميركي غير المعلن على لبنان ، إضافة إلى عمليات النهب التي مارستها الطبقة السياسية بتخطيط وإشراف أميركي مباشر يُدار من السفارة الأميركية في وكر عوكر .
أما كيف يتم ذلك وباختصار : فقد منعت أميركا الاستثمار الأجنبي في لبنان خاصة الصيني والروسي والإيراني وتسببت عبر عملائها في القطاع المصرفي في انهيار هذا القطاع ما جعل الأموال بعيدة عن متناول يد أصحابها، وقادت لبنان إلى الفراغ السياسي والانهيار النقدي والاقتصادي ووضعت لبنان على شفير المجاعة ، ولأميركا في ذلك أهداف منها يرتبط بضرب المقاومة والتأثير في بيئتها ، ومنها ما يرتبط ويؤثر على كل لبنان لجهة ضرب أسس الاستقرار الاجتماعي وخلق مناخات تشجع على الهجرة لإفراغ لبنان من طاقاته وقدراته وتحديداً منها الشبابية .
2- الإرهاب الصهيوني
على الرغم من عدم إقدام الكيان المؤقت على تنفيذ اعتداءات واسعة على لبنان منذ سنة 2006 إلا إنَّ العديد من الخروقات البرية وفي المجالين الجوي والبحري لا تزال موجودة ، إضافة إلى وجود قرار ضمني في القيادتين السياسية والعسكرية للكيان الصهيوني بضرورة التخلص من حزب الله ، لكن ذلك يرتبط بتأمين ما يلزم من قدرات تؤمن للصهاينة نصراً ناجزاً وهو أمر متعذر وسيتحول من الصعب إلى المستحيل كلما مرّت الأيام .
إنَّ صعوبة لا بل استحالة تمكن الجيش الصهيوني من القضاء على حزب الله لايمنع أن الخطر لا يزال قائماً ويتصاعد على الرغم من الوضعية الممتازة التي وصل إليها الحزب لجهة تثبيت معادلات الردع ، لهذا ومع تراجع قدرات العدو العسكرية على تحقيق هدف القضاء على المقاومة تتجه الأمور إلى اعتماد الكيان الصهيوني أكثر على الجوانب الأمنية والرهان على قدرة أميركا مع أدواتها في لبنان على خلق وضع سيء لا بل أكثر سوءاً ممّا هو قائم حالياً على المستوى الاقتصادي والسياسي .
3- إرهاب الجماعات التكفيرية
في الجزء الأول من هذه المقالة استعرضت البعد التاريخي لما تعرض له لبنان من الجماعات الإرهابية منذ العام 1999 وحتى تحرير الجرود في عرسال ورأس بعلبك بجهد مشترك من الجيش اللبناني والمقاومة أدّى إلى اقتلاع القدرات العسكرية لهذه الجماعات كما أتاح للبنان مساحة مهمّة من الآمان لا تزال مستمرة حتى اللحظة .
إنَّ اقتلاع هذه الجماعات عسكرياً لا يعني أنَّ الأمور ستكون على ما يرام فما تم إنجازه يدخل في مجال محاربة الإرهاب ، في حين أن ما بعد انتهاء العمليات العسكرية يندرج في سياق مكافحة الإرهاب وهي عملية مستمرة لا يمكن وقفها طالما أنَّ عوامل الخطر لا تزال قائمة ومتوفرة ، وهي عملية تحتاج إلى أعلى مستويات التنسيق بين الجيش والقوى الأمنية من جهة والمقاومة من جهة أخرى للوصول إلى قاعدة بيانات أكثر وضوحاً حول حركة الخلايا وتواجدها وارتباطاتها وطرق ووسائل عملها .
وعلى الرغم من عدم وجود مكافحة أمنية مثالية في أي مكان في العالم إلا أن ما تم إنجازه على المستوى الإجرائي في كشف الخلايا والمخططات كان جيداً ويُسجّل للجيش والقوى الأمنية والمقاومة ، لكن المطلوب هو أكبر ممّا تحقق من خلال الوصول إلى أمن وقائي أكثر فاعلية وهذا يتطلب معالجات سياسية وفكرية واقتصادية شاملة وهو غير متوفر في وضعية لبنان الحالية بسبب الانقسام السياسي القائم .
ختاماً : في أي عملية ربط بين أشكال الإرهاب المختلفة التي وردت أعلاه لا يمكن الادعاء بأن لبنان بعيد عن الضغوط الإرهابية بالنظر إلى المصاعب التي يمر بها البلد ، وربطاً بما تصّر عليه أميركا وربيبتها ” إسرائيل ” والقدرة على استخدام أدوات الداخل السياسية ، وتفعيل عمل الجماعات الإرهابية التي أثبتت الأيام والوقائع ارتباطها بالاستخبارات المعادية ، لهذا فإن المواجهة مستمرة وجل ما هو مطلوب هو أقصى درجات الحذر ووضع الخطط الملائمة لإحباط مشاريع الإرهاب المختلفة التي تستهدف لبنان ومقاومته .
خاص الأفضل نيوز