كتب د . احمد الدرزي | شرق الفرات ومعارك الاستبدال
منذ أن اندلعت الاشتباكات شرقيّ نهر الفرات، بين قوات قسد وقوات مجلس دير الزور العسكري، والأسئلة تتكاثر في مختلف الأوساط، ماذا يحدث هناك؟ وما أهداف هذه الاشتباكات؟ والنتائج المترتّبة عليها؟
الدكتور احمد الدرزي | كاتب وباحث سوري
تسيطر البنية العشائرية العربية على كامل المنطقة الممتدة من شرق المدن السورية الكبرى (دمشق وحماة وحمص وحلب)، وحتى أقصى الداخل العراقي، وأبعد من ذلك، في مناطق الخليج، وتمتلك هذه العشائر قوانينها الخاصة غير المكتوبة، وهي أقرب للعرف العام المسيطر على توجّهاتها العامة، وتنظيم العلاقات فيما بينها، إضافة إلى العلاقات مع مجتمعات المدن والأرياف.
تتميّز أغلب العشائر الممتدة بين جنوب الحسكة وحتى منطقة البوكمال، على الحدود السورية العراقية، في منطقة شرق الفرات، بأنها أكثر العشائر المرتبطة بعشائر الأنبار، التي خسرت مكانتها في السلطة العراقية، بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، ومنها وعبر مناطقها، تدفّق الجهاديون التكفيريون إلى العراق، عندما كانت الأولوية إفشال الاحتلال الأميركي فيه، ومنعه من التوجّه نحو سوريا، مما أسَّسَ لأرضية سهولة نمو التيارات الجهادية التكفيرية شديدة العنف.
على الرغم من النجاح الجزئي بإفشال الاحتلال الأميركي للعراق، وإشغاله عن التوجّه نحو سوريا، إلا أن غض النظر عن الحركات الجهادية، ارتد فيما بعد سلباً على سوريا، فقد استطاع الأميركيون أن يدخلوا إليها، عبر التيارات الجهادية نفسها التي قاتلتهم في العراق، رغم أن 90% من عملياتها استهدفت عراقيين مدنيين وعسكريين، ونادراً ما كانت تستهدف الأميركيين، ثمّ لتدخل بقواتها كقوة احتلال مباشر لما يزيد عن 25% من مساحة سوريا، بحجة مكافحة تنظيم “داعش”، الذي تذهب أكثر الدلائل لتأكيد دورهم في صناعة هذا التنظيم، وتيسير أعماله من جهة، وليكون حجة ضاغطة للتدخّل في كل الدول الذي ينتشر فيها هذا التنظيم.
قد يمثّل المدعو أحمد الخبيل “أبو خولة” نموذجاً للمزاج العام لأغلب أبناء العشائر الموجودة في هذه المنطقة، فهو في بدايات الحرب السورية، برز كقياديّ في مجموعات الجيش الحر، وعندما هزمت هذه المجموعات على أيدي تنظيم “جبهة النصرة”، تحوّل سريعاً لينشط فيه، ثم تحوّل لتنظيم “داعش”، بعد أن اجتاح هذا التنظيم مناطق واسعة من العراق وسوريا، ثم ليتحوّل من جديد إلى قوات “قسد” بعنوان مجلس دير الزور العسكري، برعاية وحماية أميركية كاملة.
عوامل عديدة تداخلت في انفجار المعارك بين مجلس دير الزور العسكري، وبين قوات “قسد”، والذي أخذ بعداً عشائرياً للعرب الموجودين هناك، أولها الحساسيات التاريخية ذات الطابع القومي والسياسات الأيديولوجية، وقد أدّت هذه الحساسيات لاندلاع اشتباكات القامشلى 2004، في إثر مباراة لكرة القدم، بين نادي الفتوة القادم من دير الزور، ونادي الجهاد في القامشلي، مما أدّى إلى مصرع العشرات من الضحايا عدا عن الجرحى.
ازدادت هذه الحساسيات بعد أن استطاعت الولايات المتحدة الدخول إلى سوريا، بحجة محاربة الإرهاب، وملاحقة تنظيم “داعش”، مقابل إنقاذ قوات “قسد” في معارك عين العرب، اجتاحها تنظيم “الدولة”، فهي حجّمت التنظيم الجهادي العربي القومية، ضمن معتقلات وسجون كبيرة، وأتاحت الفرصة للكرد بأن يبرزوا باعتبارهم الرقم الأصعب في هذه المنطقة.