الأزمة الأخلاقية في عالم متغيّر : ” هل نحن على وشك الضياع ” ؟
ليندا حمورة | كاتبة وباحثة لبنانية
يعيش العالم اليوم في حالة من الإرتباك والتشوش في القيم والمبادىء الأخلاقية، مما يُنذر بأزمة أخلاقية تفوق ما آلت إليه نظيرتها الإقتصادية بأشواط، وعادة تولد الأزمة الأخلاقية نتيجة اقتباسات وتحولات اجتماعية وثقافية وتكنولوجية، تؤثر في المستوى الأخلاقي والقيم الإجتماعية، وتبارز الأخلاقيات الموروثة قديماً ، وبدورها تظهر الأزمة الاخلاقية كمسألة ملحة تستدعي اهتمامنا وتحركنا في المسار الذي نسلكه .
التكنولوجيا والعولمة ونتاج تحولهما :
من منا لم يشهد على تلك الوقائع التي ولدت من رحم التكنولوجيا الحديثة والعولمة ؟ صحيح أنها أتتنا بفوائد عديدة غير أن مساوئها أثرت سلباً على مجتمعنا، إذ إنها خدشت كبرياء شعبنا وطعنته في صميم مزاياه حتى تغلغلت في فكره وعرّته تماما من قيمه وأخلاقه الموروثة .ومع ازدياد استخدام وسائل التواصل الإجتماعي والتكنولوجيا الرقمية بتنا وكأننا نغرق في بحر من التحديات التي تتعلق بالخصوصية والتعامل الإنساني والتفاعل الاجتماعي الحقيقي، ناهينا عن ذلك التبادل في الثقافات والقيم الذي جنته العولمة المتسارعة، وليس بعيداً أن نشهد صراعات وتشتتًا للقيم الأخلاقية المشتركة .
التنوع الناتج عن التحديات الأخلاقية :
كلما شهدنا تغييراً في العالم كلما تفاقمت التحديات الأخلاقية المتنوعة، وذلك يندرج تحت سقف الإنعزالية وفقدان القيم والروابط الإجتماعية، فنرى الأشخاص يفضلون الإنجراف خلف عالم افتراضي ينسيهم بل يفقدهم صفة التواصل الحقيقي مع الآخرين . ولا بد أن نشير إلى آفة خطيرة يشهدها عالمنا اليوم ألا وهي انحراف الأخلاق وانجراف الكثيرين خلف بحار الاحتيال والاستغلال والابتزاز الإلكتروني، وهذا ما يستدعي التدخل السريع عبر التحاور والتعاون في قضايا التكنولوجيا ومساوئها علنا نجد طريقاً يمهد لنا إلى عالم أكثر أخلاقية وتنمية مستدامة .
تخطي الحدود الأخلاقية :
في ظل أزمات متتالية تطيح بالمواطن، ومع الضغوطات اليومية التي يعاني منها، يجد المرء نفسه منزلقاً في جليدٍ يجمّد فكره وعقله ويفقده الحدود الأخلاقية وذلك من أجل تحقيق مكاسبه الشخصية، بحيث يصبح الربح والنجاح هدفاً وغاية تبرر الوسائل غير الأخلاقية، وهذا ما نشهده في مجتمعنا من قضايا الفساد والغش في المؤسسات والعمليات التجارية، وأيضا على الساحة السياسية حيث تصبح المصلحة الشخصية أهم بكثير من المصالح العامة .
عمق التشتت في المجتمع :
ظاهرة جديدة تشهدها مجتمعاتنا اليوم ألا وهي ذلك التشتت العميق والانقسام الحاد الذي يعكس صورة التباين في القيم والمعتقدات، مما يخلق جواً من التوتر السياسي والاجتماعي نتيجة الانقسمات المتفاقمة حول الأمور الأخلاقية المثيرة للجدل مثل : الهجرة وحقوق الإنسان والتوزيع العادل للثروة . للأسف ليس هنالك من وميض يبشر باتفاق مشترك يتم التعاون من خلاله لرسم خطة صحيحة تمنع الانقسامات واستئصال ذلك الورم الخبيث الذي يشوه القيم الاخلاقية التي تقوم عليها المجتمعات والدول .
السبيل إلى مسارٍ جديد :
مع هذا الكم الهائل من التحديات، لا يزال الأمل موجوداً لتجاوز أزمتنا الأخلاقية والعمل على تأسيس مستقبل أفضل . نحن اليوم بأمس الحاجة لتعزيز الوعي الأخلاقي والتفكير النقدي في قضايا الاخلاق والقيم . علينا أن نعيد النظر في المفاهيم الرئيسية للقيم الأخلاقية كالنزاهة والعدالة والتعاطف … وأن نعمل على تعزيز السلوكيات الأخلاقية على جميع الأصعدة، وليتنا نستطيع بناء جسر للتواصل والتفاهم بين جميع الثقافات، وتعزيز قيم التسامح والاحترام المتبادل . لا بد أن نجد خطة مدروسة لتعزيز الأخلاق والقيم في المجتمع وتكون خطة جامعة لجميع الجوانب الاجتماعية الفردية والاجتماعية والسياسية .
أسس النجاح تبدأ من الذات، من الأنا التي تقبع في داخلنا، فلا يمكننا تطهير بيئة ما ما لم نكن نحن أنقياء من الداخل، فما علينا اليوم إلا البدء بتطوير أنفسنا وترويض قيمنا الأخلاقية على اتخاذ القرارات الصائبة . فالكأس ينضح بما فيه، وما علينا إلا أن نكون قدوة حية في تطبيق القيم الأخلاقية والتعامل مع الآخرين بأخلاق عالية . ليتنا نشهد تعزيزاً للقيم والتربية الأخلاقية من خلال تكثيف الدروس المتعلقة بهذا الشأن في المؤسسات التربوية والتعليمية لتثقيف الأجيال القادمة وتزويدهم بالأدوات اللازمة لصنع القرارات الأخلاقية الصائبة . ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه : هل سنفقد قدرتنا على التواصل والتعاون والتضامن، أم سنتمكن من تجاوز الأزمة الأخلاقية والعمل على بناء غد أفضل ؟