كتبت د . نازك بدير | في ظلّ عباءة السلام
الدكتورة نازك بدير | كاتبة وباحثة لبنانية
تهدف المجتمعات في مسيرتها إلى التطوّر والنموّ. ولعلّ من أهم شروط تحقيق الازدهار هو توفّر الأمن والعيش في مجتمع يعمّه السلام وينعم بالهدوء والاستقرار، إذ تنتفي قيمة أيّ مشروعات حضاريّة واقتصاديّة وعمرانيّة وأيّ خطط تنموية في ظلّ شيوع الاقتتال وسيادة الفتن والحروب الداخليّة والخارجيّة.
وعليه، لن تتمكّن بعض الشعوب من المشاركة في صناعة النهضة القائمة في الشرق، ولا في مواكبتها كما يجب ما دامت منهمكة في التناحر والتخاصم. والمفارقة، أنّها كانت السبّاقة فيما ما مضى إلى نشْر الحضارة وتصدير الفكر والعلم والإبداع الثقافي، وكلّ ما من شأنه تنوير العقل البشري والمساهمة في تطويره.
تتغذّى بعض الأنظمة على العنف وآلات الدمار والقتل. فالحرب التي تفرّق بين البشر وتفرزهم وتصنع الخنادق، وقد تجعل شقاء الإنسان سبب وجودها واستمراريّتها، ويكون الشعب هم حجر الرحى. في حين أنّ الحق يكمن في التخلّي عن البغضاء والهيمنة والاستقواء ونشْر التسامح والخير والمحبّة.
ولعلّ التغير الاجتماعي والثقافي هو خطوة ضروريّة في عمليّة القضاء على الحروب والتأسيس لمجتمعات آمنة. من اليسير إحداث نزاعات بين البشر، لكن العمل على إعادة غرْس الوعي وبناء ثقافة الانفتاح وتذويب الخلافات وبناء جسور التسامح بين الأنا والآخر يتطلّب عملًا تراكميًا والكثير من الأناة والصبر والتضحية. قد تحتاج هذه اللبنات إلى أجيال لتصبح ركائز ثابتة يمكن الركون إليها من دون أن تهتزّ عند أوّل منعطف أو شرارة يطلقها هذا الطرف أو ذاك. كلّما صلبت الدعامة وكانت التربية المجتمعية سليمة وقيادة الدولة حكيمة وتقدِّم مصلحة الوطن فوق الجميع، رُدِمَت الهوّة شيئًا فشيئًا بين” الدويلات والطوائف” من جهة وبين مشروع”بناء الدولة” من جهة ثانية، وتاليًا، يقترب الشعب من برّ الأمان.
التأسيس لبناء مجتمع آمن يُنتج على المدى البعيد استقرارًا يضمن بقاء المواطنين في بلادهم والعمل في سبيل تطويره وخدمته والاتحاد لاستقطاب الاستثمارات والحدّ من هجرة الأدمغة، وبذلك تحافظ الدولة على رأس مالها الأساسي(العنصر البشري). على الرغم من كلّ الأزمات والحروب الصامتة التي تعيشها بلادنا، إلّا أنّها، في عمر الزمن، ما هي سوى مرحلة مؤقّتة، وتستحقّ الشعوب أن تنعم بالسلام والاستقرار.