كتب عمر معربوني | لماذا تغيرت السعودية؟
عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
اجتماع القادة العرب في جدّة لم يكن الحدث الأول المهم فالمدينة استضافت في شهر تموز / يوليو من عام 2022 قمّة جدّة للأمن والتنمية والتي صدر عنها مجموعة من البنود التي يمكن اعتبارها بمثابة اعلان نوايا حول الكثير من القضايا التي تمت مقاربتها في القمة العربية بدورتها ال 32 ووردت في البيان الختامي للقمة العربية الأخيرة .
من المؤكد ان ولي عهد السعودية وصل الى قناعة بضرورة تصفير المشاكل والخروج من الأزمات والحروب وشد الرحال نحو وضعية مختلفة للسعودية والإقليم مبنية على أساس العمل المشترك بين دول الإقليم وبشكل خاص الدول العربية .
في المُعْلن إن “التوجه السعودي يهدف لتخفيف التوترات وإبرام المصالحات وتسوية المشاكل وتهيئة المناخ لقواعد نظام عربي جديد يعتمد على التعاون والتنمية والبناء والاستثمار والتجارة المتبادلة والمصالح المشتركة”.
هذا التغيير اللافت في السياسة السعودية وتوجهها نحو الوساطة يعود إلى عدة أمور من أبرزها امتلاكها “مشروع رؤية 2030 “هذا المشروع “هو في الشكل اقتصادي تحاول من خلاله المملكة تنويع مصادرها للدخل، لكنه في الحقيقة مشروع اقتصادي سياسي اجتماعي ” .
في اذار / مارس الماضي، أعلنت كل من السعودية وإيران توقيع اتفاق برعاية صينية قررتا بموجبه انهاء قطيعة دبلوماسية بينهما استمرت سبع سنوات.
وعملت الرياض أيضا على إصلاح العلاقات مع انصار الله ” الحوثيين ” في اليمن ومع تركيا والدولة السورية ، التي أثمرت جهودها عن عودة سورية لجامعة الدول العربية بعد عقدٍ على قطع العلاقات معها .
السعودية ما كان ممكناً ان تسير بهذه المسارات لولا ادراك القيادة السعودية ان الأميركي حليف لا يُركَن له خصوصاً بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان واستغناء الأميركيين عن النفط السعودي وحاجة السعودية لأسواق بديلة على رأسها الصين التي توصلت معها السعودية الى اتفاقات استراتيجية ضخمة وهذا برأيي ما عجّل بالتفاهم السعودي الإيراني حيث تشكل ايران نقطة التقاطع بين طريقي الشمال – الجنوب وطريق الحزام والطريق وهما طريقين سيشكلان انقلاباً جذرياً في حجم التجارة العالمية في مجال سرعة النقل وحجم البضائع .
في جانب آخر ادركت السعودية عقم الإستمرار في خوض الحروب وانّ العودة الى التفاهم والحوار سيكون البديل الطبيعي للحرب في حفظ المصالح خصوصاً ان عالماً جديداً ينشأ جارفاً بطريقه أحادية القطب .
التطور الأكبر : منذ أن أصبح وليًا للعهد في عام 2017، تبنى محمد بن سلمان شكلاً جديدًا للهوية الوطنية يمكن تسميته “السعودية الجديدة” (Neo-Saudism). يهدف هذا التشكيل الجديد للهوية الوطنية إلى إعادة صياغة المجال العام من خلال التحول من هوية شعبية تتشكل من هويات كبرى عابرة للحدود بشعارات “الأمة الإسلامية” و”القومية العربية” إلى “الوطنية السعودية” – مما يعكس توجُهًا مدروسًا نحو بناء هوية تقوم على الدولة الوطنية. هذا التوجه يراعي المكونين الثقافيين الأبرز للبلاد حيث إن الإسلام بطبيعة الحال الدين الرسمي لمواطني المملكة العربية السعودية، والعروبة هي هويتهم الإثنية ولغتهم الأم. إن التحول الذي يمكن الاصطلاح عليه بـ “السعودية الجديدة” يحثُّ المواطنين على التعامل مع الجنسية السعودية بوصفها هويتهم الأساسية. بالتالي، يمكن اعتبار هذا التحول علامة قوية على تركيز القيادة الجديدة على الشؤون الداخلية للبلاد وإعادة النظر في الالتزامات الإقليمية الثقيلة على مستويات العالمين العربي والإسلامي وهو ما تتم ترجمته كل يوم عبر مسارات وردت أعلاه متمثلة باتفاقيات وتفاهمات تخدم التوجه الجديد .
ورغم كل ما يحصل لا تزال التناقضات داخل الأسرة الحاكمة قائمة وموجودة ولا اعتقد انه يمكن تجاوزها ببساطة وستحتاج الى وقت ليس بالقصير وهو ما يشكل عائقاً امام حسم التوجهات بابعاد نهائية وراسخة .
المهم في التغيير السعودي ان يتحول الى عمل ممنهج يواكب تطورات العالم وان تتم عملية حسم التموضعات بشكل يتلاءم مع التوجهات يتوازى مع حضور سعودي واضح بالانتقال من دور المدير للصراعات الى دور الوسيط في المساهمة بحل الصراعات على المستوى العربي والعالمي .
ختاماً يبقى التحدي الأكبر لحسم التوجه نحو إرساء التغيير في تنويع اقتصادها لمرحلة ما بعد النفط عن طريق فتح باب المنافسة في السوق المحلية، وتشجيع التنافس بين العمالة الوطنية والوافدة، وتعزيز نمو التجارة الإلكترونية على المستوى الوطني.
إن هذه التغييرات الجذرية في الاقتصاد السعودي كفيلة بتشجيع عددٍ كافٍ من السعوديين على تبني قيم ريادة الأعمال وأخلاقيات العمل اللازمة لتوليد دعم شعبي طويل الأمد لإصلاحات محمد بن سلمان السياسية والاجتماعية.
المصدر | صباح الخير – البناء