كتبت بيانكا ماضية | ذاكرة الألم المشترك! العثمانيون ومذابـ.ـحهم وإبـ.ـاداتهم العنصرية… الإبـ.ـادة الجماعية للأرمن مثالاً حياً!
بيانكا ماضية | كاتبة واعلامية سورية
في كل عام، وكلما أردت الكتابة عن الإبادة الجماعية للأرمن، يقشعر جسدي ويفور الدم في شراييني، وأنا أقرأ وأتابع المقالات والفيديوهات التي تعرض الشهادات الحيّة حول هذه المـ.ـجازر، وأعود وأستذكر ما قاله أجدادي حول هذه المأساة التاريخية التي تعرّضوا لها من قبل السلطنة العثمانية، فقبل أن أخوض في ذكر تفاصيل هذه الإبـ.ـادة، أسترجع كلام جدتي لوالدتي، وهي تقصّ علي رحلة المسير والموت، هرباً من البطش والتنكيل العثمانيين، قائلة لي: لقد هربت بين أكياس الطحين من ماردين وأنا صغيرة، أما جدي لأبي، فكان يقول: أصولنا أرمنية وقد هربنا من أنطاكية هرباً من ذبحنا.
يصادف يوم 24 نيسان من 2023 العام الثامن بعد المئة على الإبـ.ـادة الجماعية لأجدادنا الأرمن والسريان والآشوريين والكلدان والنبطيين اليونانيين والعلويين من قبل الإمبراطورية العثمانية والتي وقعت في عام 1915 خلال وبعد الحرب العالمية الأولى..
فلمَ هذا اليوم بالتحديد؟
في ليلة 23-24 أبريل 1915، اعتقلت الحكومة التركية حوالي 250 أرمنياً من قادة ونخبة الجالية الأرمنية (قادة ومثقفون وكتّاب ومهنيون ورجال دين) في اسطنبول، عاصمة الإمبراطورية العثمانية، وتم إرسالهم إلى سجن في الأناضول (تركيا الآسيوية)، ومن ثم تم إعـ.ـدامهم، وفي اليوم نفسه، تم ذبح 5000 من أفقر الأرمن في شوارع القسطنطينية، وفي منازلهم، لهذا تعاد الذكرى السنوية للإبـ.ـادة الجماعية للأرمن، باعتباره تاريخ بداية هذه المـ.ـجازر.
تقول المراجع عن هذه المذبـ.ـحة بأن الجيش التركي اجتاح مملكة أرمينيا لأول مرة في القرن الحادي عشر. وفي القرن السادس عشر أصبحت معظم أراضي أرمينيا التاريخية جزءاً من السلطنة العثمانية الممتدة آنذاك إلى جنوب شرق أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، وقد توزّع الأرمن بينها وبين الإمبراطورية الروسية. وقد بقيت أرمينيا تحت الحكم العثماني حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.
في عام 1915، كان يسكن حوالي مليوني أرمني في الإمبراطورية العثمانية. وفي فترة الحرب العالمية الأولى، اتهم الأرمن بتأييد جيوش الحلفاء وبالتحديد بالتواطؤ مع الجيش الروسي وذلك للتغطية على الخسائر الفادحة التي لحقت بالسلطنة في المعارك التي جرت في المحافظات الأرمنية.
فالحكومة العثمانية- التي كانت خاضعة لجمعية الاتحاد والترقي التي أُطلق عليها أيضًا الأتراك الشباب- سعت إلى ترسيخ الهيمنة التركية المسلمة في مناطق الأناضول الوسطى والشرقية، من خلال القضاء على عدد كبير من الأرمن هناك.
ولم تكن الإبــ.ـادة الأرمنية أولى المجازر التي تعرّض لها الأرمن الذين كانوا يعيشون في السلطنة العثمانية، فبين عامي 1894 و1896، ارتكب العثمانيون، مجـ.ـازر بحق الأرمن راح ضحيتها حوالي 80 ألف، وعرفت باسم المجازر الحميدية؛ لأن بعض الشباب الأرمن طالبوا بإصلاحات سياسية وبملكية دستورية، وبإلغاء التمييز ضد مسيحيي السلطنة، مما أغضب السلطان العثماني عبد الحميد الثاني المعروف بلقب السلطان الأحمر، فأمر بارتكاب تلك المـ.ـجازر، ومن أبشعها حرق نحو 2500 امرأة أرمنية في كاتدرائية أورفة.
كما ارتكبت مـ.ـجازر أخرى بحق الأرمن في سنوات أخرى، إذ هوجمت حوالي 200 قرية أرمنية في أضنة عام 1909، وقتل حوالي 30 ألفاً من أبنائها.
وهكذا تعتبر مذابح تركيا بحق المسيحيين جرائم الإبـ.ـادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث، إذ تمت إبادة مليون ونصف المليون أرمني. استخدم فيها العثمانيون أقذر وسائلهم الإجرامية بحق هذه الشعوب (قطع الرؤوس، بقر بطون الحوامل، صلب، وحرق)، وغيرها من جرائم وحشية بحق الإنسانية.
وللعلم فإن عملية الإبـ.ـادة والتهجير التي تمت بحق أجدادنا الأوائل لم تقف عند هذه الحدود، فبعض العائلات وهرباً من بطش العثمانيين، وكان لديهم فتيات جميلات وخوفاً من قتلهن أو اغتصابهن اتجهوا نحو نهر الفرات، وتناولوا قليلاً من تراب الوطن المقدس (كقربان) وألقوا بأنفسهم في النهر..فيما ألقت فتيات أخريات أنفسهن في النهر بعد اغتصابهن..هذا ماتحدثت عنه إحدى الناجيات الأرمنيات من المجزرة الأرمنية، كما كان العثمانيون يدفنون الأرمن تحت التراب ويتركون رؤوسهم ظاهرة فوقه، ثم يمرّون بأحصنتهم فوق رؤوسهم..ومن لم يمت يطعن بالخنجر..
وهناك من يبرر للأتراك مذابحهم ضد الأرمن، بأن الأرمن خانوا الدولة العثمانية، وفي الحقيقة هذا عذر أقبح من ذنب، وذريعة لنفي تهمة الإبـ.ـادة عن تركيا وريثة السلطنة العثمانية، فهذا التبرير الوقح للمجازر والإبـ.ـادة، كمن يبرر للإسرائيليين قتل الفلسطينيين لأنهم أعداؤهم في الأرض.
وفي التاريخ نفسه، ولكن في سنوات سابقة!
ولم تقف مـ.ـجازر العثمانيين بحق الأرمن وحسب، بل يسجل التاريخ أفظع المجـ.ـازر التي ارتكبوها بحق العلويين في حلب، بعد الحرب التي شنت على الدولة الحمدانية في القرن السادس عشر الميلادي، وأشهرها مذبحة الجامع الكبير في حلب، في منطقة التلل الواقعة غرب القلعة، على يد الطاغية سليم الأول، بفتوى الفناء لابن تيمية.
يقول الباحث الدكتور أحمد أديب أحمد في أحد المواقع الإلكترونية أنه بتاريخ 24 نيسان سنة 1517 م، أي بعد الحرب التي شنت على الدولة الحمدانية في القرن السادس عشر للميلاد، كانت مذبحة الجامع الكبير في حلب على يد الطاغية سليم الأول بفتوى الفناء لابن تيمية، التي أودت بحياة أكثر من أربعين ألف مصل وراح ضحيتها آلاف أطفال ونساء وشيوخ في منطقة (التلل) الواقعة غرب القلعة، والتي سميت كذلك بسبب تلل الرؤوس التي حزّها أولئك الأصوليون التكفيريون، وكان ممن أيده على هذه الجريمة النكراء الداعية نوح الحنفي الذي أفتى بأن العلويين النصيريين خارجون عن الدين ويجب قتلهم، فأبيد بهذه الفتوى مؤمنو حلب العلويون، ونهبت أموالهم وتم تهجير الباقين، وقيل إن عدد الشهداء كان حينها مئتا ألف شهيد من رجال وأطفال ونساء وشيوخ.
وبعد عملية الإبـ.ـادة تلك والتخلص من معظم الرجال أطلق الطاغية سليم العنان لجنوده في استباحة المدينة لثلاثة أيام بلياليها، حيث استباح فيها جنود الطاغية كل شيء، فلم يتركوا شيئًا إلا استباحوه، ولم يتركوا جريـ.ـمةً إلا اقترفوها ولا موبقةً إلا فعلوها ولا شيئًا إلا سرقوه ونهبوه، وبعد ذلك أشار مشايخ الطاغية عليه أن يفرض مذهبه على كل أرض تقع تحت سيطرته، ومن يخالف ذلك فدمه وعرضه وماله مستباح!!!.
ولأن الدولة التركية، أثبتت، وإلى وقت قريب، وبالأخص في الحرب على سورية، أنها ليست وريثة للسلطنة العثمانية وحسب، بل امتداد فكري وعقائدي لها، فعندما تترك الإبادة الأرمنية وغيرها من إبادات جماعية تمّت بحق إثنيات متعددة على أيدي العثمانيين وسلالتهم عبر التاريخ، تمر من دون عقاب، فهو إجـ.ـرام إنساني آخر بهذه الحقوق الإنسانية.
فبعد كل الشهادات الحية والبراهين والأدلة التي تؤكد ضلوع السلطنة العثمانية في ارتكابها أعمالها الإجرامية عبر التاريخ، لابد من الاعتراف والتعويض من قبل الدولة التركية، ليس لجهة المجازر الأرمنية وحسب، بل لجهة كل مجزرة إنسانية تمت على أيدي هؤلاء المجرمين، ولنا في الحرب على سورية في أثناء هجوم الفصائل الإرهابية المختلفة التسميات وكذلك داعـ.ـش، خير مثال على هذا الإجـ.ـرام التاريخي الذي طال الإنسان في كل مكان، وفي النهاي لايضيع حق وراءه مطالب!.
المصدر | صحيفة الجماهير