كتاب الموقعمقالات مختارة
كتب د . عمران زهوي | العالم الجديد والمارد الصيني والدب الروسي
الدكتور عمران زهوي | كاتب وباحث سياسي لبناني
لا يختلف اثنان ان هناك اختراقات ونجاحات دبلوماسية كبيرة للقوى الجديدة التي تقدم رؤية جديدة للنظام العالمي متعدد الأطراف وخصوصا بعد التقارب السعودي – الإيراني وأيضا التحالفات مع الدول الأفريقية والدليل على ذلك ما قاله رئيس الكونغو للرئيس الفرنسي «عليكم أن تتعاملوا معنا باحترام ولا تقوموا لدينا فقط بزيارات سياحية».
بافريقيا لوحظ أن الوجود الغربي في غرب أفريقيا وبرغم انتشار الإسلام السياسي لم يحمِ هذه الدول من التطرف كما كان متوقع فلماذا الغرب موجود – وعليه عادت الدول الأفريقية للانقلابات وطرد القوات الغربية التي كانت فقط تتدخل سياسيا في الدول وتفرض أجندة معينة دون وضع حلول – أما الصين قامت بإجراءات تنموية عبر المنتدى الصيني – الأفريقي وعممت التنمية من خلال مشاريعها التنموية وتنمية التجارة التبادلية وتعديل اللوجستيات من موانئ ومطارات وبنى تحتية كانت تتوقعها هذه الدول من الغرب والأخيرة لم تعير أفريقيا اهتماما.
أميركا اليوم ليست ضعيفة ولكن بدأ عصر الافول والتعددية القطبية، واستثمرت ما لديها من قوة ونفوذ لكي تجعل من قاعدتها العسكرية المتقدمة في الشرق الأوسط (الكيان الصهيوني المؤقت) من اتفاقيات ابراهام والتطبيع الذي كان على قدم وساق والهدف أن تكون إسرائيل هي الشرطي والقوة الاقتصادية والعسكرية متوهمين ان باستطاعتها حماية ملوك وعروش وأمراء ورؤساء في منطقة الشرق الأوسط وكادت تنجح في ذلك لولا غباء السلطة السياسية في الكيان وتعاظم قوى محور المقاومة، ولا شك ان أميركا خسرت في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا عموما لانها وضعت كل امكانياتها ونفوذها في هذه المنطقة لتمكّن الصهاينة من أن يلعبوا دوراً أساسياً ومما أدّى الى عدم الالتفات الى أفريقيا وآسيا وغيرها من الدول حتى نبت الصيني بالمرتبة الأولى ومن خلفه الروسي في هذه الدول ولم ينفع كل النفوذ الأميركي وقواعده العسكرية التي فاقت الـ800 أن تمنع الصيني والروسي من أن يخترق جدار الهيمنة الأميركية..!! فخسرت منطقة غرب آسيا ومن خلفها أفريقيا ولم تحتفظ على حليفها الأوروبي الذي أغرقته بالحرب الأوكرانية وقامت باستنفاذ خزائنه المالية والعسكرية بل قامت ببيعهم الغاز بأربعة أضعافه كما قال ماكرون الذي يحاول أن يأخذ خطوة الى الأمام ويتمايز عن الاتحاد الأوروبي باتجاه الصين التي تعتبر اليوم الملجئ الوحيد لتفادي النهايات الخطرة، سواء نجح في ذلك أم لا هي خطوه مهمه على طريق الخروج من العباءة الأميركية أو أقلها تنويع الاقتصاد وعدم حصره بالغربي فقط..
فهل ستحذو حذوها دول أوروبية أخرى وتحديدا ألمانيا التي تعتبر هي الرافعة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي؟!
نجاح القوى الشرقية الجديدة مع السعودية ومقارنتها بالتجربة الأميركية – الخليجية الني بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي مع غزو الكويت وأيضا على محاولة حماية دول الخليج من الفزاعة التي روجوها في وقتها (إيران)، ودفعت السعودية والامارات أموال طائلة للأميركي لحمايتها إلا ان اليمني كسر المعادلة وقلب الطاولة مما جعل الأمير محمد بن سلمان يأخذ خطوة جريئة الى الأمام مع الصيني الذي يعتبر راعي الاتفاق ومسؤول عن تنفيذ بنوده وهذا ما يهمّه بإنهاء الملف اليمني والانطلاق برؤية 2030 الذي وضعها والتي تحتاج استقرار أمني من أجل الخطة الاقتصادية ومن هنا تقاطع المصالح مع الصين ومع إيران لكي يخرق جدار الركود الاقتصادي ويضع يده مع القطب الجديد الصين ومن خلفها روسيا ومن خلفهم ما يسمى بمنظمة شانغهاي.
فهذه القوى الجديدة استطاعت إعادة المفاوضات وتبريد التوتر وتصفير المشاكل والتفاعلات غير الإيجابية مثل الأمور الإعلامية والمناوشات التي تحدث من اليمن، وعليه أقبل الخليج على هذه التجربة مع الصين وكأن أميركا غير موجودة وتوصلت السعودية وإيران لحل لم تقدم أميركا على تقديمه. حتى لو كانت منسقة أميركياً لكنها خنجر في صدر الأميركي الذي اليوم أصبح لديه تهديد وجودي بقيادة العالم وعندما يشعر ان الصيني يسحب كل البساط من تحت رجليه فهو على الاستعداد بالذهاب الى حرب بالمباشر وليس كما جرت العادة أن يحارب بالوكيل أياً كان وتخريب الوضع في الداخل السعودي عبر أدواته بقايا الدواعش وما يسمى بالإسلاميين المتطرفين والوهابيين.
ان القوى الجديدة في آسيا وكذلك روسيا مستعدة لإدارة الأمور وربما نحتاج لوقت أقل، ولكن ما يخشى منه هو توجه الناتو ودول مثل أميركا وبريطانيا واستراليا ونيوزيلندا واليابان وكوريا الجنوبية لبناء حزام بحري يطوق القوى الآسيوية والتحكم في مسارات التجارة الدولية من الجنوب لمواجهة مشروع الطريق والحزام، ولكن ليست المطالب بالتمني فاليوم تغيّر العالم ولن يستطيع الأميركي مقارعة الصيني اقتصاديا والذي أصبح ناتجه القومي أكبر من الأميركي لأول مرة في التاريخ. وتحديدا اليوم الذي أصبح فيه الدولار ليس العملة الرئيسية بالعالم وانعدام الثقة لذلك ستنهار وتتقلص التعامل التجاري بها مما سيخسر الأميركي أكثر فأكثر.
من يريد أن يقتنع ان العالم ذاهب الى تعدد الأقطاب والأفول الأميركي. وتعزيز فكرة تغيّر القوى والمفاهيم بالعالم وانتهاء ازدواجية المعايير لدى المنظمات الدولية والتي كانت تقودها أميركا.