كتبت ليندا حمّورة | لبنان الطائف نحو الطوفان !
ليندا حمورة | كاتبة وباحثة لبنانية
لبنان الطائف نحو الطوفان !
نحن أبناء الوطن الظمآن الذي يحتاج لمن يرويه ولو بقطرة ماء، رغم وفرة مياهه وينابيعه وأنهاره وذلك البحر الذي يؤازره على طول ساحله. نحن أبناء الوطن الجائع المحرومون من خيراته الوافرة؛ هذا الوطن المتروك صائماً بانتظار آذان الضمائر؛ نحن الذين نهتم بالقشور ولا تغرينا تلك النواة التي كوّنتها، نحن أبناء لبنان الكبير بشعبه والصغير جداً بما يحصل على أرضه اليوم من ويلات لا تعد ولا تحصى …
ها هو رمضان شهر الخير والبركة يدخل بيوتنا المقفرة من الضروريات لنقوى على العبادة ، نفتقدها اليوم، تلك التي لطالما كنا ننعم بوجودها؛ رمضان يأتينا دون أن يعلم بأن الحساء المفروض تناوله لم يعد باستطاعة أصحاب الدخل المحدود توفيره لعوائلهم مع ارتفاع هستيري لكيلو العدس الواحد من ٢٠٠٠ ليرة لبنانية إلى ٢٠٠٠٠٠ ليرة ! والعدس هنا على سبيل المثال لا الحصر ، وكيف لنا أن نشتري الخضار التي تشكّل طبق الفتوش الرئيسي على موائد رمضان وأسعار الخضار تطير مع الدولار معلنة انتصارها على العملة وهزيمة الفقراء أمام سطوتها وغلائها غير الطبيعي …
مهى تلك المواطنة اللبنانية التي تسكن في منطقة جلالا البقاعية بعد سؤالها عن تدبير أمورها في شهر رمضان تقول : ” شو بدّي قول إذا زوجي جندي بالجيش اللبناني وراتبه الشهري ما بيكفينا حق خبز للاولاد؟! الربطة صارت ب خمسين ألف، كيف بدنا نصوم يا عمي شيلوا رمضان كيف بدي طعمي أولادي لوين بدي روح بدكم أوقف عالطريق أشحد “؟
أحوال المواطنين تسوء يوماً بعد يوم، هموم المواطن جعلت منه شخصاً بائساً يائساً زاهداً بالعيش مما يدفع ببعض أبناء الوطن إلى الإنتحار وإنهاء حياتهم بطريقة لا يريدونها ولكن الضغوط الحياتية التي فاقت تصوراتهم وتطلعاتهم ومداخيلهم قرّبتهم من عالم اليأس وباتوا في حالة نفسية زاهدة بالحياة ومشاكلها فلجأوا إلى عالم الأبدية هرباً من ازدحام القهر وتفاقمه أكثر فأكثر
للأسف إن ما يحصل في ” لبناننا ” اليوم ليس وليد لحظة لا بل هو نتاج تراكمات سلبية ونفايات سامة نتجت من سلطة سياسية عفنة أطاحت بكل ما هو نظيف وتركتنا نغرق في سمومها الضارة . ما معنى أن نعيش فراغاً رئاسيا؟ وهل رئيس الجمهورية يُنتخب أو يُعيّن ؟ وهل تعيينه يتمّ بمباحثات داخلية أو خارجية ؟ أسئلة كثيرة ، الجواب الوحيد عنها واحدٌ : طبخة الرئيس لم تستو بعد وتلزمها بعض البهارات، فهل نستحصل عليها أو أن الطريق إلى الهند طويل ؟
وأنا أطالع تلك الوثيقة المسماة بوثيقة الوفاق الوطني اللبناني تحت اسم اتفاق الطائف و التي صُدّقت في جلسة مجلس النواب بتاريخ 5/11/1989، لفتني ذلك البند الموجود ضمن البنود المعنونة ب” المبادىء العامة ” وفحواه : د– الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية .
عن أي شعب كانوا يتحدثون آنذاك ؟ ومن ذا الذي يعرف حجم المعاناة التي يصارعها هذا الشعب ؟ إنها اتفاقات مزيّفة هشة ليست إلا حبراً على ورق .
إننا اليوم نشهد ونستشهد على أحداث غريبة تحصل في الساحات العربية جميعها كانت مستحيلة واليوم نراها حاضرة واضحة، فالاتفاق السعودي – الإيراني، وزيارة الرئيس السوري لدولة الإمارات العربية، وغيرها من الأحداث تثبت بأن المستحيل باستطاعته أن يصبح ممكناً فمتى يطرق الممكن باب وطننا لبنان ؟
ربما تكون الحلول بسيطة ولكن المستفيدين من الفراغ كثر وعلى ما يبدو أنّهم صمّ بكمٌ عن معاناة الشعب وانهيار الإقتصاد و الفلتان الأمني وظاهرة الانتحار التي تزداد يوماً بعد يوم، فأين المفرّ وأين السبيل للملمة ما تبقى من هذا الوطن وغرسه في أرض بعيدة عن الطوائف والأحزاب وبعيدة عن الطوفان …