كتب الكسندر نازاروف | عام على الحرب في أوكرانيا.. نتائج بينية وتوقعات
الكسندر نازاروف | كاتب وباحث روسي
لا يمكن القول بالطبع إن عاما مضى على بداية الحرب في أوكرانيا. فما يحدث هناك هو حدث محلي صغير في إطار الحرب الهجينة الكبرى التي يشنها الغرب ضد روسيا، والتي لم تتوقف منذ قرون.
حرب تخفت أحيانا، ثم تتصاعد أحيانا أخرى على هيئة غزو لنابوليون أو هتلر تارة أو دعم غربي للانفصاليين في الشيشان وغيرها من المناطق تارة أخرى، أو انقلاب في أوكرانيا عام 2014. فليست أوكرانيا وإنما هذه الحرب الكبيرة هي ما يحدد حجم المهام الاستراتيجية التي تواجه روسيا ومنطق التدابير التي يتخذها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
أعتقد، في رأيي المتواضع، أن أهم ما حدث في فبراير من العام الماضي هو بداية تأميم النخب الروسية، وقد ساعدنا الغرب كثيرا في ذلك بعقوباته. هنا نجد بوتين حذرا للغاية أيضا، ففي خطابه الأخير أمام الجمعية الفدرالية، شرح بهدوء لرجال الأعمال الروس، ولمدة نصف ساعة، أنهم يتعرضون للسرقة في الغرب، ولن يكون هناك أمامهم سبيل سوى المشاركة في تطوير روسيا. لا يهدد بوتين بالتأميم، وإنما يسعى إلى تجنب الاضطرابات وإعادة توزيع الممتلكات والحرب الأهلية. إنه يخلق فحسب الظروف لتطور البلاد في الاتجاه الصحيح، ومن عام لآخر يوضح أن هدفه الرئيسي هو التنمية الاقتصادية لروسيا، أما الأحداث في أوكرانيا فهي أقل أهمية، ويجب ألا تصرف الانتباه عن هذه المهمة، إنها ليست سوى انحراف مؤسف بسبب الظروف السائدة.
لقد كنت شخصيا مستعد للوم بوتين بسبب افتقاره إلى الحسم المطلوب، إلا أنني أعود وأقارن ما كانت روسيا عليه قبل 20 عاما، وأين هي الآن، لأفهم كيف حدثت التغييرات الضخمة والسريعة، وفقا للمعايير التاريخية، ودون أن نلاحظها بالمرة.
يبدو لي أنه في إطار هذا المنطق، وبعد عام من بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، لم تصل روسيا بعد، لكنها اقتربت من الوضع الذي كان قائما في الفترة من 2014 وحتى 24 فبراير 2022: وضع الصراع المتجمد. أظن أن هذا بالتحديد ما يسعى إليه بوتين في الوقت الراهن.
أخشى أن خط الجبهة سيتجمد لسنوات، على الأقل في النصف الجنوبي من الجبهة. حتى أن بوتين عرض بناء عاصمة مؤقتة لمنطقة خيرسون بدلا من مدينة خيرسون! في الشمال، ستواصل القوات الروسية دفع العدو تدريجيا إلى الغرب من أجل وقف الهجمات الإرهابية على المناطق السكنية في دونباس.
والآن، لم تعد التقارير اليومية من الجبهة تثير اهتمامي، بل إنها، علاوة على ذلك، لم تعد مهمة في رأيي. أعتقد أن بوتين يحاول تطوير هذا الوضع لدى جميع العالم. يجب أن تصبح الحرب في أوكرانيا خلفية مملة، ويجب أن يتراجع الاهتمام العام بها، وألا تترك الصفحات والعناوين الرئيسية فحسب، وإنما تتوارى حتى إلى الصفحة العاشرة، بل ويجب أن ينخفض عدد قراء قناتي على تطبيق “تليغرام” إلى النصف. يجب أن يهدأ العالم، وأن تتغير السياسات الغربية، وأن تترك أوكرانيا جدول الأعمال الحالي. فبعد إعادة توحيد شبه جزيرة القرم مع روسيا، تحمس الغرب أيضا، وحاول مقاطعة روسيا، لكنه نسي بعد عامين.
هذا هو النموذج الذي يجب اتباعه، ومن غير المرجح أن يتحقق بسبب الأزمة العامة المتزايدة للغرب، والتفكك المتسارع للعالم أحادي القطب، إلا أن هذا، فيما أظن، سيكون لبعض الوقت هو هدف روسيا.
في واقع الأمر، يقول بوتين ما هو أوضح من ذلك لفهم خططه: “الدجاجة تنقر الحبوب حبة حبة حتى تشبع”، وأعتبر ذلك المثل الروسي الشائع شعارا لعهد بوتين بالكامل. في وقت سابق، قال إن الوضع بالنسبة لروسيا ليس جديدا، فقد تعين عليها فيما سبق أن تقاتل لعقود تحت حكم بطرس الأكبر وغيره من الحكام من أجل استعادة الأراضي الروسية الأصلية التي احتلها الغرب.. عقود!
ودعوني أذكركم بأن محاولات بوتين لإعادة دونباس إلى أوكرانيا ضد إرادة سكانها استمرت 8 سنوات، لكن الهدف حينها كان استراتيجيا: حيث كان من المفروض أن يمنع دونباس الروسي تحول أوكرانيا كلها إلى رأس الحربة النازية الموجهة من الغرب ضد روسيا. لقد حاول بوتين تجنب الحرب في أوكرانيا لثمان سنوات، وهو الآن بعيد كل البعد عن السعي إلى حرب مباشرة وواسعة النطاق مع الغرب.
بالطبع، هناك خطة بديلة إذا ما فشلت خطط “تهدئة الغرب”. فقد أصبح السياسي الأوكراني المعارض فيكتور ميدفدتشوك، الذي تم القبض عليه في وقت سابق بأوكرانيا، واستبداله بالأسرى النازيين من فوج آزوف، نشطا للغاية في الأشهر القليلة الماضية، فيما يكتب المقالات ويجري المقابلات مع القنوات التلفزيونية المركزية الروسية، والتي تعرض في وقت الذروة. ميدفيدتشوك يبلغ من العمر 68 عاما.
بمعنى أن “مدة صلاحيته” تبقى منها 5 سنوات، من المستبعد أكثر من ذلك.. ويمكن أن تكون تلك الفترة مفيدة إذا ما تجسدت في شكل رئيس أوكرانيا الموالية لروسيا، أو بالأحرى ما تبقى منها. فضم عدد من المناطق الناطقة بالروسية في أوكرانيا، في رأيي، يشهد على طبيعة الخطط الخاصة بالنصف الروسي البحت من أوكرانيا، من خاركوف إلى أوديسا.
لكن من غير المرجح أن يحدث هذا التوسع على الفور، حيث تظل الأولوية هي الحفاظ على الاستقرار الداخلي لروسيا، فقد استغرقت عملية نقل شبه جزيرة القرم إلى المعايير الروسية 8 سنوات، وقد بدأت للتو هذه العملية في دونباس. كما سيستغرق هضم منطقتي خيرسون وزابوروجيه عدة سنوات. بهذه الطريقة فقط، وبالتدريج، خطوة بخطوة، مع مراعاة الفرص المالية والاستقرار الداخلي، ستعود روسيا إلى أراضيها النائية في الجنوب الغربي (دعونا نتذكر أن كلمة أوكرانيا في اللغة الروسية تعني “الأراضي القريبة من الحدود”)، وسوف يستغرق هذا الأمر سنوات أو حتى عقود.
بطبيعة الحال، سيسعى الغرب إلى منع ذلك عن طريق حرق أوكرانيا في هذه العملية، واستخدام سكانها كعلف للمدافع ضد روسيا.
الوضع في الغرب أصعب من الوضع في روسيا، حيث تمتلك روسيا كل ما هو ضروري للبقاء، هناك فائض من الغذاء والطاقة وقاعدة صناعية للصمود لسنوات طويلة. على الرغم من أنه يجب الاعتراف بأنه بعد عقدين أو ثلاثة عقود من العزلة، فإن التخلف التكنولوجي أمر لا مفر منه، ومحفوف بخطر الخسارة، إلا أن هيمنة الغرب ستنتهي قبل ذلك الوقت، لهذا فلا عزلة ولن تعاني روسيا من العزلة.
لذلك، فإنني أميل إلى توقع هجوم أوكراني كبير وليس من جانب روسيا في الربيع والصيف. وليست الضجة في الغرب حول الهجوم الروسي الكبير الوشيك سوى غطاء دعائي لزيادة إمدادات الأسلحة من أجل الهجوم الأوكراني.
وقد سمحت التعبئة الجزئية في روسيا بالحصول على ما يكفي من الجنود لتولي الدفاع بشكل آمن عن خط الجبهة، ولكن ليس للسيطرة على كل أو حتى معظم أوكرانيا. أعتقد أن روسيا، على الأقل في عام 2023، ستكون في موقف الدفاع. ولكن، في عام 2024، عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية واحتمال زعزعة الاستقرار الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية قد تغير تكتيكاتها من الدفاع إلى الهجوم. فسوف تكون حربا طويلة على أي حال.