كتب د . محمد سيد احمد | الرئيس السيسي من القاهرة هنا دمشق !!
الدكتور محمد سيد احمد | كاتب وباحث مصري
ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن العلاقات المصرية السورية التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ, فكل المعارك التاريخية للبلدين كانتا معاً, فالبوابة الشرقية لمصر هي البوابة التي جاء منها كل طامع وكل غاز لأرض الكنانة عبر التاريخ, وهذه البوابة هي المتاخمة لبلاد الشام التي هي سورية الآن إلى جانب فلسطين ولبنان والأردن, وبالطبع لم يكن الطامع أو الغازي يستطيع الوصول إلى مصر لنهب وسلب خيراتها قبل أن يكون قد مر على الشام وسلب ونهب خيراتها هي أيضاً, فالذي يبدأ بسورية دائما ما ينتهي بمصر, فالهكسوس والتتار والصليبيون قديماً, والفرنسيون والإنجليز والصهاينة حديثاً, كانوا دائما يستهدفون خيرات الإقليمين الشمالي والجنوبي, لذلك عندما يكون في مصر حاكماً يدرك المعنى الحقيقي للأمن القومي المصري, فغالبا ما يقوي علاقته مع سورية ويمد جسور التعاون بين الإقليمين, وعندما يكون الحاكم قصير النظر ينكفئ على نفسه ويهتم فقط بحدود بلاده الجغرافية وبالتالي تنحسر العلاقة مع الإقليم الشمالي.
وفي العصر الحديث أدرك محمد علي باشا أثناء بناء دولته الحديثة أهمية الأمن القومي المصري وأدرك أنه في تحديه للسلطان العثماني يجب أن يؤمن الجبهة الشرقية لمصر التي يأتي منها الغزاة تاريخيا فأعد الجيش بقيادة ابنه إبراهيم باشا, وانطلق في اتجاه بلاد الشام وبالفعل تمكن من تأمين الجبهة الشرقية لمصر. وعندما جاء الزعيم جمال عبد الناصر كأول رئيس مصري في العصر الحديث كان قارئاً جيداً للتاريخ والجغرافيا معاً فسعى منذ البداية لفعل ما استعصى على كل الحكام تاريخياً حيث رأى ضرورة وحتمية الوحدة مع سورية, باعتبارها الامتداد الطبيعي للأمن القومي المصري, وتكللت جهوده بالنجاح واندمج الإقليمان الشمالي والجنوبي في دولة واحدة هي الجمهورية العربية المتحدة, والتي رفعت علماً واحداً يتكون من الأحمر والأبيض والأسود وفي منتصفه نجمتان الأولى لسورية والثانية لمصر, وأصبح للدولة الجديدة جيش واحد يتكون من ثلاثة جيوش ميدانية الأول في سورية والثاني والثالث في مصر, وتآمر أعداء الأمة العربية بالداخل والخارج على مشروع الوحدة, وحدث الانفصال شكلاً, لكن ظلت العلاقة قائمة حتى وفاة الزعيم جمال عبد الناصر. وجاء من بعده الرئيس السادات وظلت العلاقة قائمة لخوض معركة التحرير, فكانت حرب أكتوبر – تشرين 1973 المعركة الأخيرة التي خاضها جيش الجمهورية العربية المتحدة وكان النصر التاريخي على الصهاينة, وبعدها اعتقد الرئيس السادات أنه يمكنه تأمين حدود مصر الشرقية عبر اتفاقية سلام مع العدو الصهيوني, وأثبتت الأيام خطأ تقديراته فمازالت حدودنا الشرقية مهددة والمعركة التي يخوضها الجيش المصري العظيم في سيناء منذ سنوات خير شاهد وخير دليل.
وجاءت الهجمة الأخيرة على أمتنا العربية بواسطة المشروع الأمريكي – الصهيوني والذي يسعى إلى تقسيم وتفتيت المنطقة بواسطة مجموعة من الجماعات التكفيرية الإرهابية التي سلحتها ومولتها بالتعاون مع بعض الدول الإقليمية, وحاول المشروع وبكل ما أوتي من قوة أن يفصل بين الإقليمين الشمالي والجنوبي, وعندما تمكن الإرهاب من السلطة السياسية في مصر مؤقتاً وفي غفلة من الزمن قام الرئيس الإرهابي محمد مرسي بقطع العلاقات مع سورية العربية, وبخطوة عنترية غبية أعلن أنه سيدعم الثورة ( الإرهاب ) في سورية, وكان يحلم بأن يرسل الجيش المصري لخوض الحرب ضد الجيش العربي السوري, لكن هيهات أن تنتصر إرادة الإرهاب على الإرادة الوطنية, فهب الشعب ودعمه الجيش, وبذلك اجهض المشروع في مصر, واستمرت الحرب الكونية على سورية في ظل انقطاع العلاقات الرسمية بين الإقليمين, وظن المتآمرون أنهم نجحوا في مخططهم الشيطاني لفصل الإقليمين عن بعضهما البعض, واعتقد الرأي العام العربي والعالمي ذلك أيضاً, لكن العارفين بباطن الأمور كانوا على وعي شديد بطبيعة العلاقة والتنسيق الكامل بين دمشق والقاهرة, خاصة على مستوى القيادات الأمنية العليا في الإقليمين.
وجاءت اللحظة الحاسمة ومع حدوث الزلزال المدوي الذي ضرب الأراضي العربية السورية أعلنت مصر الرسمية عن موقفها الداعم لسورية وقام الرئيس السيسي ولأول مرة باتصال مباشر بالرئيس الأسد, وأعلن عن مد جسر جوي يحمل المساعدات وفرق الانقاذ بين القاهرة ودمشق, ولم يكتفي الرئيس السيسي بذلك بل ذهب إلى الإمارات وطلب أمام الرأي العام العربي والعالمي من الشيخ محمد بن زايد بضرورة تقديم المساعدة لسورية, وعندما أكد أنه يرسل ثمان طائرات يومية, أكد على ضرورة زيادتها فسورية تستحق, وهذه الخطوة تعني أن مصر الرسمية بقيادة الرئيس السيسي قد كسرت حاجز الصمت في علاقتها مع سورية وتسعى وبقوة لعودة العلاقات المصرية – السورية بشكل كامل وعلني, ليس هذا فحسب بل عودة العلاقات العربية مع سورية لسابق عهدها, وبالطبع سوف يجن جنون أصحاب المشروع التقسيمي والتفتيتي وسوف يسعون بكل قوة لتعطيل أي خطوة لعودة العلاقات بين القاهرة والعواصم العربية مع دمشق, ففي الوقت الذي ترسل فيه المساعدات الإنسانية لدمشق قامت داعش بمجزرة بحمص, تبعها العدو الصهيوني بقصف متوحش لمنطقة كفر سوسة المكتظة بالسكان, وضحايا العدوان يتداخلون الآن مع ضحايا الزلزال بشكل مؤلم, لكننا على يقين بأن مصر الرسمية تدرك وبوعي شديد أهمية سورية لحفظ الأمن القومي المصري, فمازال وسيظل مصير الإقليمين واحداً, ومازال جيشاهما واحداً, لذلك سيظل التنسيق بين القاهرة ودمشق مستمر للقضاء على المؤامرة والإرهاب معاً, وبعد الاتصال المباشر بين الرئيسين السيسي والأسد, ستكون الخطوة القادمة هي استقبال الرئيس الأسد للرئيس السيسي بدمشق, اللهم بلغت اللهم فاشهد.