كتب حسني محلي | زلزال تركيا والغرام المفاجئ مع أعدائها التقليديين
حسني محلي | باحث علاقات دولية ومختصص بالشأن التركي
زاد عدد الدول التي أرسلت مساعداتها إلى المتضررين من الزلزال الأخير عن تسعين دولة، والبعض منها أوفد فرق البحث والإنقاذ إلى مناطق الزلزال لمساعدة الفرق التركية التي تأخّرت في إنقاذ المواطنين من تحت الأنقاض، وذلك بسبب سلوك الحكومة وهو ما كان وما زال سبباً لانتقادات عنيفة من قبل المعارضة بل وعائلات الضحايا.
وقد تكون هذه الانتقادات سبباً كافياً بالنسبة للرئيس إردوغان لتأجيل الانتخابات إلى نهاية الصيف المقبل حتى يتسنّى له امتصاص الغضب الشعبي من خلال بناء المساكن وتوزيعها على المتضررين من الزلزال، وأمر إردوغان بتقديم المساعدات المالية العاجلة لهم فوراً.
وكان الخلل في إيصال المساعدات والتأخّر في عمليات الإنقاذ سبباً لانتقادات البعض من فرق الإنقاذ الأجنبية التي اتهمت السلطات الحكومية بعدم التنسيق معها رغم أنها وصلت إلى المناطق المنكوبة في اليوم التالي من الزلزال.
ومع نجاح “إسرائيل” عبر قنواتها التقليدية في الإعلام التركي للدعاية لفرقها التي أرسلتها إلى تركيا لم يتحدّث أحد عن توجّه إحدى هذه الفرق إلى أنطاكيا لإنقاذ البعض من أفراد الجالية اليهودية التي تعيش هناك حيث أخرجت هذه الفرقة رئيس الجالية وزوجته من تحت الأنقاض وكانا من بين الموتى من اليهود.
وتحدّث الإعلام عن توتر جدي بين فريق الإنقاذ الإسرائيلي والسلطات التركية عندما رفض عناصر الأمن الإسرائيلي المرافق لفرق الإنقاذ تسليم أسلحتهم للسلطات التركية مما اضطر إحدى المجموعات الإسرائيلية للعودة إلى فلسطين المحتلة فوراً.
ومن دون أن يولي الإعلام التركي (باستثناء البعض من إعلام المعارضة) أي اهتمام لتصريحات الحاخام شموئيل إلياهو الذي اعتبر الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا “عدالة إلهية” معبّراً عن سعادته لأنه “قضى على الآلاف من الأتراك والسوريين الذين لا يحبون اليهود” على حد قوله.
لم يمنع ذلك الرئيس إردوغان الذي يرى فيه الإسلاميون عرباً وغير عرب “زعيماً سياسياً وروحياً” لهم من استنفار كل إمكانياته لتحقيق المصالحة مع “تل أبيب”. فاستقبل رئيسها هرتسوغ في آذار/ مارس العام الماضي في أنقرة والتقى رئيس وزرائها في أيلول/سبتمبر الماضي في نيويورك. والتقى هناك أيضاً زعماء كل المنظمات اليهودية في جلسة مغلقة لا يدري أحد ما دار فيها من تفاصيل عن “العلاقة التاريخية بين الدولة العثمانية ومن بعدها الجمهورية التركية واليهود” وهو ما يتغنّى به المسؤولون الأتراك بين الحين والآخر.
ومن دون أن يؤثّر ذلك على المشاعر العدائية ضد “إسرائيل” لدى الإسلاميين الأتراك الموالين لإردوغان، وقيل إنه يستعد لزيارة تل أبيب قريباً. وهو الموضوع الذي جاء من أجله وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إلى أنقرة الثلاثاء وهو في طريقه إلى كييف ليلتقي اليهودي زلينسكي.
هذا على صعيد العلاقة مع اليهود، وشعور الأتراك تجاههم يشهد المزيد من المد والجزر وبحسب الظروف السياسية في العلاقة بين أنقرة وتل أبيب التي كانت هدف إردوغان التقليدي في معظم خطاباته السياسية خلال السنوات الأخيرة وإلى أن اضطر لمصالحتها والعلم عند الله عن أسبابها!
ولم يكن الزلزال وسيلة “الغرام الإنساني” بين “تل أبيب” وأنقرة فقط بل بين أنقرة وكل من أثينا وياريفان أيضاً. فبعد أن أرسلت اليونان وأرمينيا العدوتان التقليديتان والتاريخيتان والدينيتان فرق الإنقاذ العاجلة إلى المناطق المنكوبة، جاء وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس إلى أنطاكيا ليعقد مؤتمراً صحافياً مع نظيره التركي جاويش أوغلو ويقول: “إن تاريخ الأتراك واليونانيين مشترك وهما ليس بحاجة للزلزال حتى يثبتا عمق الصداقة بينهما”.
ومن دون أن يتذكّر ديندياس ما كان يقوله الرئيس إردوغان بين الحين والآخر خلال الأشهر القليلة الماضية حيث كان يهدّد بغزو اليونان وهو يقول: “سنأتيكم في أي لحظة”. كما لم يتذكّر العداء التاريخي والديني والثقافي بين الأتراك واليونانيين الذين ما زالوا يسمون إسطنبول بالقسطنطينية التي كانت عاصمة الإمبراطورية البيزنطينية.
وهذا هو حال الأرمن الذين أرسلوا بدورهم فرق الإنقاذ وفتحوا الحدود البرية مع تركيا لإيصال المساعدات للمنكوبين وهو ما بحثه وزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان مع نظيره التركي جاويش أوغلو في أنقرة يوم الثلاثاء، إضافة إلى العديد من القضايا التي ستساهم في فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين على الرغم من اتهام ياريفان لأنقرة في دعم أذربيجان في حرب ناغورنو كاراباخ الأخيرة.
هذا بالطبع من دون التذكير بالقضايا التاريخية بين الطرفين وأهمها ادعاءات الأرمن بالإبادة التي تعرّضوا لها في العهد العثماني وهو ما يرفضه الجانب التركي. وقيل إنه لم يسمح لفرق الإنقاذ الأرمينية بالتوجّه إلى أنطاكيا حيث توجد قرية أرمينية يعيش فيها الأرمن وتهرّب الإعلام التركي من وصفها هكذا معتبراً إياها “قرية عثمانية تاريخية”.
ومن دون أن يكون هناك أي تفسير منطقي لهذا “الانفتاح” اليهودي والأرمني والرومي أي اليوناني على تركيا، والحجة في ذلك الزلزال الذي ضرب سوريا أيضاً إلى جانب تركيا. وهو الانفتاح الذي يصادف “الانفتاح” العربي على دمشق وكان على أنقرة أن تستغلّ الزلزال وتنفتح عليها بعد كل ما قاله إردوغان عن نيته للمصالحة مع الرئيس الأسد بعد أن صالح حكّام الإمارات والسعودية ومصر.
مع المعلومات التي تتحدّث عن “تراجع” في حماس هؤلاء الحكّام للانفتاح على تركيا بعد التشكيك في نوايا إردوغان للمصالحة معهم، وهو ما لم ينعكس عملياً على تطورات المنطقة التي تشهد تجاذبات مثيرة بأطرافها المختلفة استعداداً للمرحلة المقبلة الساخنة في تطورات الأزمة الأوكرانية ودخول الصين على خط الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وعبر الحوار المباشر مع الرياض وطهران معاً ومن دون إهمال القاهرة وأفريقيا عموماً.
ومن دون أن يكون واضحاً ما هو “القاسم المشترك” الذي دفع “أعداء تركيا والأتراك التقليديين من الأرمن والروم الأرثودوكس واليهود” للتعبير عن غرامهم المفاجئ الذي يبدو أنه سيلقى الرد الذي يستحقه من جانب الأتراك في حال استمرار “الفتور العربي” في العلاقة مع أنقرة بإردوغان أو من دونه وأياً كان السبب باستثناء إن لم يكن الجميع يؤدي الدور المناط إليه في مسرحية المضحك المبكي التي عوّدوا الشعوب عليها جميعاً!