كتب يونس عودة | شرور اميركا العالمية وسقوط التضليل المتعمد
يونس عودة | كاتب وباحث لبناني
تحاول الولايات المتحدة مؤخرًا الخروج من اطار الكذب الشرير المحكم التي طبع أداءها، وتبييض وجهها عبر مخلوقات فضائية تمكنت أسلحتها من ازالة مخاطرها عن الشعب الأميركي في اعقاب اسقاط المنطاد الصيني للأرصاد الجوية واتهامه بالتجسس. ما وضع الادارة في مأزق جديد يضاف إلى المأزق الخانق مع انكشاف ضلوعها لا بل قيامها بتفجير خط “السيل الشمالي 1و2″، وهو ما لم تجرؤ أي دولة من الدول الاوروبية المتضررة على البوح به رغم يقينها بأن المخابرات الأميركية هي من نفذته لتوسيع الشقاق مع روسيا، ولا سيما مع المانيا المستفيد الأول من تشغيل خط الغاز الآتي من روسيا إلى كل أوروبا.
لم تنجح الادارة الأميركية في اخفاء أكاذيبها التي دونها حروب وضحايا ودمار وفتن اجتماعية وسياسية واهلاك اقتصاديات دول رغم ما جندته من وسائل اعلام وشخصيات اعلامية للنطق بما يغطي الدجل حتى باتت أكثرية الأميركيين لا تتوانى عن إشهار عدم الثقة بالاعلام الأميركي الذي يعكس إرادة الأجهزة الاستخبارية والسياسة التضليلية الخطيرة على المجتمع والعالم.
لقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسستا “غالوب” و”نايت فاونديشن” أن نصف الأمريكيين يعتقدون أن المؤسسات الإخبارية الوطنية تتعمد التضليل أو المغالطة أو إقناع الجمهور بتبني وجهة نظر معينة من خلال تقاريرها. كما أظهرت مستوى منخفضًا من الثقة في وسائل الإعلام إلى حد نقطة مذهلة حيث يعتقد الكثيرون أن هناك نية للخداع.أي ارتكاب الجرم عن سابق تصور وتصميم من خلال التضليل العمد، وهذا يشمل كل “مؤسسات الأخبار الوطنية” بانها تتعمد التضليل، ووافق 50 في المئة، من المستطلعة آراؤهم على ذلك، بينما قال 25 في المئة منهم إنها لا تتعمد ذلك.
بلا شك نسبة فاقدي الثقة هذه ترمز الى رفض “النظام الأميركي” القائم على الكذب والتضليل، وهو ما عكسته المستشارة في مؤسسة “غالوب” سارة فيوروني التي قالت عن نتائج الاستطلاع: “كان ذلك مذهلا جدا بالنسبة لنا”. والنتائج أظهرت عمقًا من عدم الثقة والشعور السيئ الذي يتجاوز أسس وعمليات الصحافة.
لقد كشف ظهور “أجسام غريبة” في سماء الولايات المتحدة في أعقاب اسقاط المنطاد الصيني المخصص للارصاد الجوية – وقد شرحت الصين كل التفاصيل المتعلقة به وخروجه عن المسار وأن مناطيد مماثلة تستخدم من أربعين عامًا ومن بينها مناطيد أميركية تحلق فوق الصين – كشف الأداء الأميركي لزرع الهلع في نفوس الشعب الأميركي من تهديدات صينية آتية لم تقنع أحدًا إلا في تصورات الإدارة الأميركية فلجأت الى تسويق فكرة التهديد المحدق من الفضاء الخارجي – أي ظهور أجسام غير معروفة بهدف رفع ميزانيات الحروب وادارة الحروب في الخارج كأوكرانيا مثلًا. سيما أن أجسام “العدو الخارجي” أسقطت وهي 3 أجسام ولم تتحدث السلطة عن مركباتها.
في ذروة الجدل الأميركي الصيني خرج الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، بتصريح لاحتواء الرأي العام واعادة ترويضه، باعتباره “أن ظاهرة البالونات المجهولة في سماء الولايات المتحدة، مؤشر على تكثيف أنشطة الاستخبارات الروسية والصينية ضد دول الحلف وأن تكثيف روسيا والصين أنشطتهما الاستخباراتية، يعتبر دافعًا قويًا للولايات المتحدة لتكثيف دفاعاتها ورفع يقظتها”. إلا أن المستغرب ما أعلنه قائد القيادة الشمالية الأمريكية وقيادة الدفاع الجوي الفضائي لأمريكا الشمالية (نوراد)، الجنرال غلين دي فان هيرك بأن تلك الأجسام ربما من خارج كوكب الارض: “أترك استيضاح الأمر لمجتمع الاستخبارات ومجتمع مكافحة التجسس. لا أستبعد أي شيء”.
هذه التصريحات أثارت مزيدًا من التساؤلات حتى من المشرّعين الذين بيدهم تصميم السياسات الأميركية، وفي هذا السياق ذكر موقع axios أن أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الذين حضروا مؤتمرًا سرّيًا حول الأجسام الطائرة التي أسقطت خلال عطلة نهاية الأسبوع يأملون في الحصول على مزيد من المعلومات. وأفاد الموقع الأمريكي بأن المشرعين من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يطالبون إدارة الرئيس جو بايدن بمزيد من الشفافية بشأن هذه الحوادث، حيث قال العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إن بايدن يجب أن يخاطب الأمة بشأن العمليات.
يبدو أن الانتخابات الرئاسية الأميركية ليست بعيدة عن السيناريوهات الهوليودية الفضائية من ضمن التلاعب بعقول الناس، وفي السياق ربطت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بين التقارير الأمريكية حول الأجسام الطائرة المجهولة والانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة بعدما وصل العداء لروسيا لحد “السخافة”. وقالت المتحدثة باسم الخارجية: “الآن أصبحنا بحاجة إلى مفاجأة الجمهور بشيء مثير، وسحره بأي سخافة يمكن أن تشتت الانتباه عما نشره الصحفي سيمور هيرش على سبيل المثال بشأن تفجيرات أنابيب (السيل الشمالي)، موثقًا كيف أعد للاعتداء وكيفية التنفيذ من جانب الاستخبارات الاميركية”، مشيرة إلى أن “السلطات الرسمية صامتة، ولا ترد على الأسئلة التي توجه إليها، وتسخر، وتجيب بفظاظة”.
إن الخبير في العقل الأميركي وخريج الاستخبارات الأمريكية السابق إدوارد سنودن، اعتبر أن الذعر الذي تثيره واشنطن حول إسقاط المناطيد فوق الأراضي الأمريكية والكندية، هدفه صرف الأنظار عن قضايا أخرى. وكتب سنودن “هذه ليست مخلوقات فضائية. أتمنى لو كانت مخلوقات فضائية، لكنها ليست مخلوقات فضائية”. وتابع: “هذا هو الذعر المفتعل، أمر مزعج جذاب يضمن تكليف كافة المراسلين المتخصصين بالأمن القومي بالتحقيق في الهراء المتعلق بالمناطيد، بدلا من الميزانيات أو التفجيرات مثل “السيل الشمالي””.
كذبتان كبيرتان تكشفتا أمام العالم ولم تجد الادارة الأميركية مجالًا لستر عوراتها سوى بمزيد من الأكاذيب مثل كذبة حلف “الناتو” السمجة الذي تقول بأنه لا يتدخل في الحرب مع أوكرانيا ضد روسيا، بينما يمد أوكرانيا بمئات المليارات من الأسلحة والخبراء والمعلومات والمرتزقة بموازاة تسريب فحواه انه “يمكن أن تأتي الولايات المتحدة إلى المقدمة من وراء الكواليس وتدخل مباشرة في مفاوضات مع روسيا”. وهذا يثبت مرة أخرى دور كييف كدمية أمريكية. المربح لواشنطن أن تشن حروبا بالوكالة من خلال وسطاء من أجل تحقيق أهدافها الجيوسياسية وهذا ما تفعله في الشرق الاوسط ايضا، من خلال تأليب دول المنطقة على بعضها البعض وتدبير تحالفات عسكرية مثل ما سمي بالناتو العربي.