أ . د . مكرم خوري مخّول | كاتب وأكاديمي فلسطيني
يا للمفاجأة الصاعقة أو عدمها؟ بشكل مطول، أخذت واستمرت وسائل الإعلام الغربية الرئيسية بُعيد ساعات قليلة فقط من وقوع الزلزال المدمر في بث الأخبار وردود الفعل من عواصم الناتو المتعددة مبرزة تعهد حكوماتها والتزامها بمساعدة تركيا على الفور بينما تجاهلت سورية بالكامل.
كأن سورية التي أصيبت بهذه الكارثة بالتساوي تقريبا مع تركيا، غير موجودة. كأن أبناء مهد الحضارة هم أبناء إله غير موجود. وكأن أمثال “عشتار” لم يكونوا موجودين قط. إنه لأمر محبط (لكن جدير بالتنويه) أن نلاحظ كيف أن أولئك الذين أمضوا عقودًا في الوعظ بمبادئ “الأخلاق” للعالم بأسره وبأكبر قدر من التباهي لا يفشلون أبدًا في إحباط المتطلبات الأخلاقية الأساسية للغاية.
جعلني هذا التصرف الإعلامي السياسي، أنا الذي درس ويتواجد في قُطر أهم مراكز النفوذ العلمي والسياسي الغرب، أتساءل مرارًا وتكرارًا في العقد الأخير وبكل ما يتعلق بسورية، أين تتناسب جميع تعاليم الفلسفة السياسية وبالتحديد الفلاسفة الأخلاقيين الغربيين مع ممارسات النظام الغربي الحاكم؟ إن لم تكن سياسة الأخلاق أيضًا معمول بها في عملية صنع القرار السياسي فهل هي فقط للترويج بوجودها (الفلسفة الأخلاقية) لديهم في الغرب كمنهج علمي بالعالم (إما للتباهي بها أو لتسويقها كسلعة للبيع ولربما للتخدير) بينما وظيفة متخذي القرار في الغرب إبعاد أنفسهم عن تنفيذها؟
ومع ذلك يبدو أنها تنفذ بعض الشيء ولكن ليس في أروقة اتخاذ القرار. ففي هذه الأروقة يكون القرار باردا قاسيا يخدم المصلحة الاقتصادية بالتحديد. أولئك الذي ينفذوها هم في موقع “المستشار” الذي نلوح بوجوده لكي نلعب وفقا لقواعد “قوانين الخداع” لنقول إننا ديمقراطيين. ولهذا فيبدو أن هناك فجوة بين أولئك الذين يعملون (كمستشارين أو موظفين متخصصين) من لصالح الأمم المتحدة والذين يحاولون بلا هوادة تنفيذ مهمتها وميثاقها (مثل المقررين الخاصين) وأولئك الأعضاء (والمندوبين) في الأمم المتحدة، وخاصة الأعضاء الغربيين الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجموعاتهم الداعمة والضاربة (الناتو (حلف شمال الأطلسي) والاتحاد الأوروبي) الذين يفكرون ويتصرفون كما بشعور كبير من “الأحقية” وكأنهم القوة الشرطية للمجتمع الدولي. فبينما كانت عواصم الناتو تناقش المزيد من العقوبات على سورية، لم ينصح خبراء الأمم المتحدة بعدم هذا الإجراء فحسب، بل اقترحوا رفع العقوبات المفروضة بالفعل على دمشق.
ففي تقريره الصادر في أغسطس 2018 إلى مجلس حقوق الإنسان، كتب الخبير الأممي المعني بالإجراءات القسرية الأحادية، السفير إدريس الجزائري ما يلي: “على الرغم من الجهود المبذولة لتطبيق عقوبات ” ذكية “مع استثناءات إنسانية، فإن تطبيق أنظمة العقوبات الحالية ساهم في معاناة السوريين.” وأضاف السفير الجزائري أنه على الرغم من أن العقوبات لم تتسبب في (البداية) الأزمة الإنسانية في سورية، إلا أنها تساهم في تدهور الوضع الإنساني خلافًا لنواياهم\ها المعلنة.
علاوة على ذلك، في 10 نوفمبر 2022 ، خلف الراحل السفير الجزائري، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتدابير القسرية الأحادية وحقوق الإنسان، البروفيسورة ألينا دوهان التي حثت الدول التي تفرض عقوبات على سورية رفع العقوبات الأحادية الجانب ضد سورية، محذرة من أنها تديم وتزيد من الدمار والصدمات التي يعاني منها الشعب السوري منذ عام 2011.
قبل شهرين فقط من وقوع الزلزال الأكثر صدمةً وتدميراً في سورية وتركيا (صباح 6 فبراير / شباط 2023)، قال المبعوث الأممي الخاص الحالي لسورية، غير بيدرسن (في 8 ديسمبر / كانون الأول 2022) إن العقوبات الغربية التي تقودها الولايات المتحدة على سورية يجب ألا تمنع المساعدات الإنسانية. العقوبات على سورية “غربية” وذات دوافع سياسية. كما أشار إلى أنه: “لا توجد عقوبات من الأمم المتحدة على سورية. هناك عقوبات أمريكية وأوروبية”. كما صرح المبعوث بيدرسن أن “سورية لا تحتاج إلى مزيد من الحرب، إنها بحاجة إلى السلام، وهي بحاجة إلى عملية سياسية”، مضيفًا أن الوضع الحالي في سورية غير مقبول لأن 90 بالمائة من السوريين يعيشون في حالة من الفقر “.
حتى بدون وقوع زلزال مدمر، فإن قانون CAPTAGON المرتقب تطبيقه (وهي طريقة أمريكية لفرض عقوبات إضافية على سورية) بالإضافة إلى “قانون قيصر” الموجود بالفعل ويتم تطبيقه (والذي أدى بالفعل إلى تصعيد مأساة الشعب السوري الى حال تراجيدي إجرامي) يهدف إلى تجويع الشعب السوري وتحويل الجمهورية العربية السورية إلى “دولة فاشلة” لإعداد الأرضية من أجل السيطرة عليها فيما بعد.
لقد اعترفت الولايات المتحدة بسرقة النفط السوري (بمعدل 120 ألف برميل نفط يوميا) بالإضافة إلى سرقة أو حرق موارد طبيعية أخرى كالقمح. كانت القرارات المنافقة التي اتخذتها النخب الحاكمة الغربية قاتلة باستمرار في سورية وكانت مشوبة بالخداع الإعلامي لدرجة أن غالبية الشعوب لا تعرف الكثير عن العقوبات وأثارها (لأن حكوماتها تسترت على ذلك).
أقول لبعض الأنظمة العربية أو الأعرابية (والعربان منهم) أنه وفي هذه اللحظة الحاسمة للغاية، نحتاج إلى تصرف أخلاقي ومن التقليل من المعاناة على وجه السرعة. فيجب أن يكون الحاكم (في أية دولة غربية أم عربية) تمساحا مسمما بأقذر القيم لكي لا يساعد سورية في هذا الظرف. وإلا فإن أولئك الذين بدأوا الحرب ضد سورية (من غرب وعرب أدوات وممولين)، ودعموا الإرهاب، وفرضوا العقوبات، سيقتلون بوحشية سيسجلها التاريخ في أشنع صفحاته، نفس الأمة السورية ثلاث مرات متتالية: عندما زرعوا الإرهاب فيها وعندما حاصروها والان عندما امتنعوا عن مساعدتها.
ينبغي على الأمين العام للأمم المتحدة أن يحث (ويقود) جميع الأنظمة التي تفرض عقوبات على سورية لفك الحصار ولرفع هذه العقوبات على الفور وتيسير عملية المساعدة الدولية من خلال السماح لرحلات المساعدات المباشرة من جميع أنحاء العالم بالهبوط في المطارات السورية والتعامل مع الحكومة السورية وذلك من أجل مساعدة الشعب السوري دون أية محاولة لتسييس المعونات عبر بالاستعانة بجهات محلية إرهابية أو بغطاء إنساني كاذب أو عبر لاعبين إقليميين هدفهم خدمة مصلحته واقتطاع العمولة على حساب الضحايا.