كتب رضوان الذيب | هل مشكلة إيران “بالشعر الطاير ” أم بالحصارات والمؤامرات والتحدّيات ؟
الإيرانيّون بارعون " بحياكة السجاد " ويقارعون الكبار لا الصغار العلاقات الإيرانيّة - السعودية الى ما دون الصفر والمرحلة الى التوترات ؟
رضوان الذيب | كاتب وباحث لبناني
هل مشكلة ايران ” بالشعر الطاير ” كما تصوّر الصحف الاوروبية تحديدا ؟ ام بالحصارات والمؤامرات والتحريض والتحديات منذ اليوم الاول لنجاح الثورة الاسلامية ؟ بحسب المتابعين والمحللين للشأن الايراني ، فان اكثر من الف محطة فضائية منتشرة في جميع الدول الاوروبية والافريقية والعربية، ولديهم محطات مركزية في البانيا والسويد وفرنسا ولندن وهولندا ، بالاضافة الى كندا واوستراليا والولايات المتحدة، تبث على مدار ال٢٤ ساعة بجميع اللغات، وتحديدا الفارسية والكردية والانكليزية والعربية ولغات سكان الاقاليم الحدودية، للتحريض على الفتن والقتل والقيام باعمال ارهابية في ايران ، وتركز على المناطق الكردية والسنية والاقليات، وبعض هذه المحطات توجه التحركات مستخدمة كلمات السر في تنظيم المتظاهرين، وكيفية تلقي المعلومات والتخفي ، بالاضافة الى بث افلام عن استخدام السلاح وصنع العبوات الناسفة، وممارسة النشاط المخابراتي، الى مئات الاساليب التحريضية، برعاية دائمة من “الموساد الاسرائيلي” المزوّد باحدث التقنيات ووسائل الاتصال عبر الاقمار الصناعية التجسسية .
وبينما كانت المباحثات الايرانية – السعودية ، وبحسب المتابعين ، تحقق تقدما في بغداد وعمان، انقلبت الامور فجأة وتوقفت بقرار من الرياض دون معرفة الاسباب ، وسلكت الرياض منحى عدائيا شاملا ، عبر تخصيص محطة “الحدث” السعودية 80 في المائة من بثها لنقل التحركات الاخيرة في طهران مباشرة، ونشر “الفيديوهات” واجراء لقاءات مباشرة مع المحتجين والتركيز على ممارسات الشرطة، فيما خصصت محطة العربية السعودية 50 في المائة من بثها لهز النظام الايراني ، واستضافت عشرات المحللين الذين بشروا بسقوط النظام قريبا ، وتوجت هذه المقابلات مع عائلة الشاه الذين حضوا الناس على استخدام العنف في تحركاتهم ونشر الفوضى وركزوا على المدن الكبرى .
وحسب المتابعين ، الاتصالات الايرانية – السعودية توقفت كليا ، والتوترات بين البلدين في اعلى مستوياتها، مع اتهامات ايرانية مباشرة للسعودية بارسال الاموال والاسلحة الى المتظاهرين، وهذا ما كشفه مدير مركز الدراسات الاستراتيجية امير موسوي . هذا الاتهام الخطر يفتح المنطقة على كل الاحتمالات ويعيد تفجير كل الساحات .
وحسب المتابعين ، ان الاتصالات الايرانية – السعودية لم تتطرق الى لبنان لا من قريب او بعيد، وركزت على الملف اليمني واضافت بندا في الاجتماع الاخير يطلب وقف التدخلات الايرانية في جميع دول العالم العربي حتى في فلسطين ، مع الاصرار على ان تمر علاقة طهران مع اي دولة عربية بالسعودية ، وكان رد طهران ان دعمها الرئيسي يتركز للشعب لفلسطيني في مواجهة الغطرسة الصهيونية، ولسوريا من اجل هزيمة الارهابيين وصد الهجمات “الاسرائيلية”، ولبنان لمحاربة العدو الصهيوني، وان ايران تريد ان ترى حكومات قوية في هذه الدول ، مع التأكيد على عدم التدخل في اليمن، وان المساعدات الايرانية للحوثيين انسانية ، وانصار الله هم الذين يقاتلون دفاعا عن وجودهم، و يصنعون العبوات ويقاتلون ويصدون الجيش السعودي وليس الحرس الثوري ، كما ان الفلسطينيين هم الذين يقاتلون تحت امرة القيادة الفلسطينية في غزة وليس الحرس الثوري .
والسؤال: هل يتكرر السيناريو السوري في طهران مع تشابه الاحداث ؟ يؤكد المتابعون انه في ١٥ آذار ٢٠١١ ، اثارت قناة “الجزيرة” القطرية مقتل الطفل حمزة الخطيب ١٣ سنة على ايدي اجهزة الامن السورية في درعا جراء التعذيب الجسدي ، وبثت عشرات الافلام المركبة عن بتر اصابعه وآثار التعذيب على جسده ، وتحولت قضية الخطيب بفضل الاعلام القطري الى قضية رأي عام عالمي، وتوسعت الاحتجاجات بالتزامن مع حركة اعلامية عالمية ، وكل من يزور سوريا اليوم يعرف ان الافلام مركبة والحقيقة مغايرة .
وفي ١٤ ايلول ٢٠٢٢ ، بثت قناة “العربية” السعودية ، مقتل الدكتورة الكردية مهسا اميني على ايدي اجهزة الامن الايرانية بعد رفضها ارتداء الحجاب ، وتم التركيز على القضية ، مع نشر مئات الافلام عن الاحتجاجات التي اعقبت الحادث وحولتها الى قضية رأي عام عالمي ، وتقدمت اخبار اميني على كوارث الحرب الروسية – الاوكرانية وصقيع اوروبا ومأساة شعوبها في الاعلام الاوروبي ، ولم تر عقيلة ماكرون في كل تحركاتها الا قضية اميني وارتداء الحجاب والظلم اللاحق بالمرأة الايرانية حسب تعبيرها ، وتجاهلت ان اعداد الذين نزلوا الى شوارع فرنسا احتجاجا على رفع اسعار البنزين من قبل حكومة زوجها يفوق عشرات الاضعاف الذين تظاهروا في الشوارع الايرانية ولم يتجاوزوا ال ٢٠٠ الف في بلد عدد سكانه ٩٠ مليون ومساحة اراضيه بحجم قارة وتعيش فيه اقليات متعددة .
وحسب المتابعين والمحللين ، المؤامرة على ايران ستفشل كما فشلت في سوريا ، وطهران لا تقارع الصغار بل الكبار ، واستوعبت اجهزة الامن معظم الاحداث ، فيما رد الحرس الثوري وبعنف على الجماعات الكردية في كردستان وقواعد “داعش”، وتقدم الحرس الثوري بعمق ٣٠ كلم داخل حدود كردستان ، فاعلنت سلطاتها التوقف عن دعم الجماعات المسلحة على الحدود، كما فككت اجهزة الامن العديد من شبكات الموساد وخلايا “داعش” ، فالثورة الايرانية تحولت الى قوة عالمية في زمن الحصارات والمؤامرات وعمليات التخريب من معظم اجهزة الامن العالمية، وهؤلاء جميعا لم يهزوا ايران التي ما زالت تتعاطى بسياسة الاستيعاب ، ونجحت في تهدئة الاحياء المتوترة ، مع تنبه القيادة الايرانية لضرورة تطوير بيئة النظام واجراء تعديلات في الدستور بدأت من خلال فتح باب النقاشات في البرلمان الايراني .
ويؤكد المتابعون ، ان المرونة الايرانية في التعامل مع الاحداث واستيعابها ازعجت الخارج ودول الخليج ، فبدا التركيز خلال الايام الماضية على الوضع الاقتصادي وهبوط العملة الايرانية .
المواجهة مفتوحة حسب المتابعين في معظم الساحات بين ايران من جهة، والسعودية والولايات المتحدة والعديد من الدول الاوروبية والخليجية ، واذا كانت هذه الدول تسوّق لسقوط النظام الايراني وضعفه فهي واهمة جدا ، وبالمقابل قامت قيامة هذه الدول على دور المسيّرات الايرانية وما انجزته في الحرب الروسية – الاوكرانية ، لجهة تغيير التوازنات و مسار الحرب لصالح روسيا ، فكيف تكون ايران ضعيفة في هذه الحالة وهي تملك مثل هذه الاسلحة ، علما ان الجميع يعرف حجم التعاون العسكري بين طهران وموسكو قبل اندلاع الحرب ، وروسيا زودت طهران بطائرات “الميغ” ، وبالتالي فان المسيّرات الايرانية ربما اشتراها الروس قبل الحرب وربما بعدها وادت دورها في المعارك . فلماذا الضجة على المسيّرات الايرانية بينما ترسل الاسلحة الاميركية والاوروبية الى اوكرانيا يوميا.
مشكلة ايران حسب المتابعين ، ليست في ” الشعر المتطاير ” كما تحاول ان تعمم اوروبا ، بل في الحصارات على كل الشعب الايراني ومحاولات تجويعه، لانه اسقط المؤمرات على سوريا واليمن والعراق ودعم المقاومة في لبنان وفلسطين، واسس البدايات لزوال دولة العدو، ودعم كل الشعوب المقهورة ، ووضع المداميك للشرق الجديد . اما مسألة الحجاب ، فهو رمز ديني اسلامي لنصف شعوب الكرة الارضية ، حتى في اوروبا تلبس النسوة الحجاب خلال ممارسة الصلاة ، اين المشكلة في ذلك ؟
ايران دولة اسلامية تحترم كل الاديان، وهناك ٨ ملايين سني لديهم كل الحقوق ، ويتم تجديد السلطة كل ٤ سنوات عبر انتخابات رئاسية تشهد اهتمام العالم و تنافس بين المحافظين والاصلاحيين والمعتدلين، و كل القوى تعبر عن آرائها وسط صراع حاد بين كل الاتجاهات ، فيما نظام الحكم في الرياض عائلي ، ملكي ووراثي ، والمعارضون مصيرهم القتل كالخاشقجي ، وكبت الحريات واعمال ” المطاوعين” وممارساتهم يعرفها العالم .
وحسب المتابعين ، ايران تعرف مشاكلها جيدا، ولاعلاقة لها بالحجاب وما يبثه الاعلام الخارجي ، وتعرف سبل المعالجة جيدا ، وهي بارعة في “حياكة سجادها” بصبر نال اعجاب العالم، وهي مرتاحة في هذه المرحلة مع تصدير مليون و٢٠٠ الف برميل من النفط يوميا ، كما ان صناعاتها مزدهرة ، مع كهرباء على مدار ال ٢٤ ساعة في كل المحافظات، وتأمين صحي وتعليم مجاني وازدهار في صناعة السيارات والتكنولوجيا العلمية ، ورواتب تكفي الاسر بمعيشة محترمة، ونسبة البطالة متدنية جدا ، ويتم التركيز الآن على معالجة السكن للشباب ، وتعرف طهران جيدا ،ان الحرب الكونية عليها الهدف منها مصادرة قرارها السيادي ومنعها من التحكم بثرواتها لاخضاعها وعزلها . هذا مستحيل، وقد نجحت في تجاوز كل الحصارات وتقدمت الى مصاف الدول الكبرى ، والازمات الآن في ساحات الآخرين؟