كتب مفيد سرحال | في ندائه الى دروز لبنان وسوريا المرجع الروحي الشيخ امين الصايغ: إصلاحي مجدد على نهج الأمير السيد ..يرسم الطريق ويذكر بثوابت المعروفيين.
مفيد سرحال | مدير تحرير موقع المراقب
منذ نيَّف وسنتين ولما وقع بصري للمرة الاولى على المرجع الروحي الكبير الشيخ ابو يوسف امين الصايغ وأدركني من الوقار له والخشية لله ما لم أكن أقدره ,دمعت عيناي ووجدت نفسي في أعلى درجات الأمان والإيمان والسرور للقياه.
في كل مرة أزوره للتبرك ،أدرك أنني في حضرة علم من أعلام الدين والتوحيد له علم وعمل وصلاح مكتمل،عابد مبارك منزه عن الميل والطمع،وكبير من كبار مشائخ التقوى والورع ،وحصَّلت من هديه الجلي والكامن أنه باطنة شيخ شيوخنا العارف بالله المرحوم الشيخ ابو حسن عارف حلاوي رضي الله عنه واستمرار لنهج سيدنا الامير السيد جمال الدين التنوخي قدس سره في التجدد والتجديد وقول السداد والتثبت وبناء الأمور على الأركان الوثيقة والدعائم المحكمة اصلاحا وتقويما وتوجيها بالبصيرة النيرة الثاقبة لمساقات الزمان وأحوال جماعة الموحدين في لطيف امورهم فضلا عن جسيمها .
وذكر من رأى شيخنا الجليل قول النبي صلى الله عليه وسلم من اولياء الله فقال:(إذا رءوا ذكروا الله) دعاؤه مستجاب وكراماته ذكرها مستطاب،وكل من قصده ليدعو له اعترف ببركة دعائه.
والى جانب وافر النزاهة وفيض الطهارة والعفاف ، فصاحة لسان وتمام بيان وعلم محكم .
وبعد لقد استمعنا لنداءين لا بل لرسالتين من زاوية نظر المستحث على حسن التقدير اطلقهما الشيخ امين الصايغ : الاول لطائفة الموحدين الدروز في لبنان والثاني لأبناء الطائفة في سوريا وفي كلا الندائين وجاهة موقف ورجاحة بصيرة تركا مهابة في الانفس وحلاوة في القلوب لتصير الشؤون الى حقائقها وأصولها بعد أن تفشت الضلالة والجهالة وتمادى تسويف الرأي وفوضى الأفكار وإسعاف الهوى وإرسال اللسان على غير روية.
لقد قارب المرجع الروحي الشيخ امين الصايغ قضايا طائفة الموحدين المسلمين الدروز مقاربة الأَريب الحازم ولعلها سابقة لم يشهد مثيلا لها تاريخ الدروز الحديث منذ ان جاهد في القرن الخامس عشر الامير السيد جمال الدين التنوخي قدس سره لتقويم الاعوجاج في أمة التوحيد بعد ان اعتورها التشتت والبلبلة والنزاعات والتجاوزات والاعطاب في نظام القيم والانتهاكات للمبادئ العرفانية ما دفعه لمغادرة الجبل الى دمشق مستاء” مكسور الخاطر من الاحوال العامة والتزييف والتحريف والسلوكيات الناقصة ليعود بعد غياب سنوات بإلحاح وشعور الموحدين الدروز عامة بالفراغ الروحي المرجعي والاقرار والتسليم والتماس رضى الأخيار وذوي العقل ليضع بعد ذلك دستور حياتهم وفق اسس وآليات شرعية محكمة سبقت زمانها وقتذاك .
منذ ذلك الحين لم يتموضع مرجع روحي درزي فوق السياسة وتشعباتها ووعورة مسالكها ومقاصدها الفئوية ونزواتها المصلحية الضيقة واهوائها ولان الميل مع الولاة على الرعية هلاك الدين شكلت الرسالتان جواب الحجة في حِلمٍ ووقار أقرب الى بلاغة ثورة وفصاحة إصلاح ووضوح حجة تقوم مقام الوعظ والإبلاغ النافع للإخوان.
في الحقيقة الواضحة البائنة وليس من باب التهويم الساذج او التفخيم الذي يليق طبعا بمقامه فقد استحوذ المرجع الروحي الشيخ أمين الصايغ شيخ العشيرة وسيد الجزيرة على جانب حساس من المشهد السياسي ومنابره وأحكامه وشروطه من باب الضرورة وحسن التدبير والمبادرة الخلاقة المعصومة عن بريق الجاه والمناصب متجاوزا المألوف محركا” العقول الراكدة والسكون البنيوي الخامل معبرا عن رأي أبين من وَضَحِ الصّبحِ في ظرف مسكون بالقلق ودرب مصيري كما شفرة السيف.
ونظرا للمكانة المرموقة للمرجع الشيخ امين الصايغ في الوجدان الدرزي العام حيث يتواجد الموحدون الدروز في المشرق العربي وتعطشهم لصوت العقل فالجميع دون تردد وبتلقائية يُصيخون السمع دون مؤونة حَذَر او تحفظ بل بالثقة وصدق النصيحة ووفاء العهد ولأن المرؤات تَبعٌ للعقل والتفكُّر والروية وذكر العاقبة وطلب الفضيلة ولاننا في زمان استشراء الجهالة والضلالة وتلاشي التثبت وفساد الألسن والمنافسة الرعناء والعداوة الشوهاء والعُجب والسَّفه ..فعلت الرسالتان الفعل المأمول وحققتا الغاية المنشودة كونهما حددتا مسار ومصير الموحدين الدروز في هذه البقعة الملتهبة من العالم حيث انبعاث الخصوصيات وتكالب الامم على بلادنا طمعا بثرواتها ومكامن قوتها ناهيك عن نشر القلاقل وبث الدسائس وزرع المؤامرات بين ابناء الشعب الواحد والامة الواحدة .
لقد رسم الشيخ امين الصايغ الطريق للموحدين الدروز وحدد الاطار الخلاصي كاتبا الحرز الوجودي للجماعة وفق منطوق عقلاني متبصر أساسه التشبث بالجذور ضمن ثوابت الأصالة و الانتماء للتراث العربي الاسلامي .
في الرسالة اللبنانية حذر من اسلوب التشفي والتربص بالآخر وتسجيل الهفوات والهنات نقاط ربح وخسارة وتصفية الحسابات فوق مصلحة الجماعة.. مجددا رفضه تدخل رجال الدين في السياسة والغوص في المنازعات الفئوية الهادمة للصرح التوحيدي والزعم بامتلاك الحقيقة وتسفيه او اخضاع الآخر.. وخص المرجع الروحي الشيخ امين الصايغ قضية الاموال التي قيل انها جاءت من فلسطين المحتلة لدروز لبنان وسوريا بالشطر الاهم في رسالته مع توكيده على صلة الرحم والاخوة الدينية ورفضه اي توصيف لدروز فلسطين يخرجهم من حاضنتهم العربية الاسلامية غير انه وفي مجالسه لم يستسغ فكرة المال القادم من فلسطين المحتلة وابلغ المعنيين بالامر قراره الحاسم في هذه المسألة منذ زمن بعيد لان هذا المال ليس حلالا محضا وقد يكون طاله حرام اذ ليس ما يؤكد انه من كد وتعب العائلات الدرزية لاخوانهم او المقصود منه تركيب مشاريع او الاستثمار بما هو عار ناهيك عن البيئة الحاضنة لهذا المال اي دولة المصدر كإشكالية … لافتا الى ان الدولة بقيامها بالواجب اتجاه مواطنيها وحسن ادارة الاوقاف يقطع الطريق على تسرب المال من هنا وهناك… والبارز في رسالة الشيخ امين الصايغ ذكره فلسطين التي كانت وستبقى بنظره عربية شاء من شاء وأبى من أبى وأن المصطنع سيبقى مصطنعا مهما تزين بالباطل والقوة الغاشمة.
اما الرسالة التي وجهها الى دروز سوريا فكان واضحا منها صراحة وعلانية رفضه لصيغ التقسيم والانفصال عن الدولة الأم وادانته لكل اساليب العبث الامني والتشوهات القيمية والاخلاقية والتي قد يكون القصد منها وصول من يتربصون الدوائر بالسويداء وأهلها الى هذا المبتغى والمصير المشتهى.وقال الشيخ امين الصايغ ما حرفيته:ان السويداء كانت وستبقى معقل العروبة النابض كرامة وعنفوانا..))وفي هذا اشارة واضحة الى رفض الصيغ والاطروحات الهادفة الى اقصاء دروز جبل العرب عن تاريخهم وانتمائهم القومي لصالح خيارات قزمية هدامة غير قابلة للحياة مشددا على ان ((الدولة السورية أمينة والموحدون الدروز أمانة…وليتقدم انتسابكم الوطني بحق على الانتساب الى ما يتجاوز الاوطان ويكون مدعاة للتقسيم والانفصال…))
وهذا حضً على عدم الغرق في حبائل المؤامرات ووهم الحمايات والفتن وملامسة أيدي السؤ والمتربصين بالدولة السورية التي تُحاصَر بالتجويع والافقار ونهب الثروات واحراق المحاصيل الزراعية وغير ذلك من الضغوط الخارجية ما تسبب بأزمة معيشية خانقة الغرض منها تدمير مؤسسات الدولة واضعافها وترك البلد نهبا للفوضى ومشاريع التفتيت والتجزئة .
لذا كانت الدعوة للتمسك بمؤسسات الدولة وابلغ القول الفصل ما حرفيته في رسالة الشيخ امين الصايغ في هذا المقام:(( ولا يخالن خائل اذا سقطت مؤسسات الدولة أن يدا عليا تحمي الجبل او سياجا من الغيب يقيه العصف..)) لقد تلقف الموحدون الدروز في لبنان وسوريا رسالة المرجع الروحي العلامة الشيخ امين الصايغ بكثير من الرضا والايمان والثقة ما بدد الالتباسات والاشتباه في قضية تساوي الوجود كادت تضيع في متاهات السياسة ودهاليز المصالح والانانيات وكان وقعها هائلا بتأثيراته المباشرة وغير المباشرة على الذهنيات السائدة والانحرافات التي هي نتاج تذهين اعلامي سياسي غوغائي ادى الى تسطيح العقول وهز القناعات واستلب الفكر !!! .
المرجع الروحي الشيخ امين الصايغ صاغ خطاب الوعي ،أشار فأنار بهدي العقل وشد اواصر الوحدة المعروفية وحدد رسالة الدروز موقعا ودورا في هذا الشرق القلق واجتبى خطابا تنويريا ثوريا تجاوزيا مهما قيل انه لامس السياسة بما يتعدى اهل الحل والربط السياسي غير انه لا شك باقتحامه الشجاع للقضايا الجوهرية الحساسة واعفاء نفسه من أثقال الساسة وافتراق الامزجة وتنابذ الأهواء او تكافلها وفق ما تقتضيه المصالح ،شكل اختراقا خلاقا للصورة النمطية الدرزية المشدودة أحاديا او ثنائيا او ثلاثيا وطرح معادلة جديدة يصعب اشاحة النظر عنها أعادت ترتيب الاولويات لدى الجميع لدخولها على خط السياسة بهيبة العمامة لحفظ الكرامة لاسيما في ظل انقسام يأمل الجميع اصلاح تجلياته من خلال موقعين متناقضين في مشيخة العقل .فاذا كان الامير السيد في القرن الخامس عشر شهر سيف الاصلاح والتجديد والثورة على الجمود والانقسامات السياسية العصبوية الغرائزية التي دمرت الدروز عبر تاريخهم وادخلتهم في منازعات دموية ومغامرات غير محسوبة فتقلصوا في الديمغرافيا وانحسروا في الجغرافيا وزينوا وفلسفوا الهزائم وخسروا في السياسة ما حققوه في الحروب والمعارك العسكرية .
اما راهنا وبمعادلة عجائبية جذبتهم معادلة السلطة على حساب معادلة النظام فصاروا على هامش دولة الطائف وانتزعت منهم 2500 وظيفة وموقع من الوضيع الى الرفيع.
بناء على ما تقدم فان الشيخ امين الصايغ في هذا العصر والدور يخوض معركة اصلاحية جدية ورسائله البليغة الى الدروز عدلت تلاوين المشهد الدرزي الصاخب الممزوج بالضياع والغموض والجمود وسخط الأجيال و ستتكرر عند كل محطة تستوجب اعلاء الصوت ..انه الامير السيد يتجدد في قميص الأمين المؤتمن الحاضر غير مغادر ..فالدروز امام تحول كبير وانعطافة امتزج فيها السياسي بالروحي ضنا” بالجماعة من خلال لغة خطاب مفصلي حاسم وملزم يستأهل المتابعة والمراقبة والعناية المتبصرة اما تباشير اللحاق بركبه على المستوى السياسي ظاهرة للعيان ولا تقبل جدلا فما قبل الرسالتين غير ما بعدهما وستتناسل الرسائل لمواكبة المتغيرات بالرأي الحصيف الجامع لاحقاق حق وازهاق باطل صونا للجماعة في كرامتها ووجودها .