كتب كمال ذبيان | الجيش في عيده الـ 77 ما هي أحواله وكيف صمد واستمرّ مُوحّداً؟
حالات الإستقالة أو الفرار منه مبالغ فيها لا بل طلبات استرحام للعودة بفضل الضمانات
كمال ذبيان | كاتب وباحث لبناني
يحتفل الجيش اللبناني بالذكرى الـ 77 لتأسيسه في اول آب من العام 1945، وكان عديده آنذاك ثلاثة الاف عسكري، وتولى قيادته قبل وبعد الاستقلال اللواء فؤاد شهاب، وفي تاريخه محطات ايجابية واخرى سلبية، ولعبت السياسة، في مفاصل اساسية كبناء الجيش كما في عقيدته القتالية، دورا خلافياً حوله، وداخل المجتمع اللبناني.
وتطور الجيش خلال العقود السبعة، فاصبح في هذه المرحلة، من الجيوش المتقدمة تدريباً وتسليحاً واداء، كلما ابتعدت السياسة عنه، وهو اثبت منذ ما بعد اتفاق الطائف، بانه المؤسسة الجامعة، والعابرة للطوائف والمذاهب، وتعمل بشعاره «شرف، تضحية وفاء».
وخلال هذه الازمة التي يئن اللبنانيون منها جوعاً وفقراً وبطالة، اضافة الى سلب اموال المودعين في المصارف، وانهيار قطاعات واسعة في العام والخاص، فان الجيش ومع اجهزة امنية اخرى، ما زال محافظا على وحدته وجهوزيته واستمراره كمؤسسة لم تتوقف عن العمل كما في مؤسسات الدولة الادارية والتربوية والقضائية والديبلوماسية في مراحل، بسبب الضغط المعيشي، وفقدان القدرة الشرائية لحوالى 90% من اللبنانيين في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار امام الليرة، التي خسرت نحو 95% من قيمتها، واثرت على رواتب العاملين في القطاعين العام والخاص.
وامام هذه الازمة، فان قيادة الجيش عملت على الحد منها ومواجهتها بالاجراءات المناسبة لمنع تأثيرها السلبي على السلك العسكري، فاتخذ قائد الجيش العماد جوزاف عون قرارات جريئة مع معاونيه في القيادة، لا سيما المجلس العسكري، قضت باتباع سياسة التقشف والحد من الانفاق غير الضروري، وفق مصادر مطلعة على وضع المؤسسة العسكرية، التي اعادت الى خزينة الدولة عبر وزارة المال حوالى 19 مليار لبنانية، كوفر في الموازنة، واتبعت قيادة الجيش اجراءات قاسية جدا في وقف الهدر ومكافحة الفساد ومحاربة الفاسدين، سواء من داخلها او من الذين يتعاونون معها، فكان لهذه الاجراءات اثرها الايجابي الذي اوقف «الجيش على رجليه»، دون نكران بانه مصاب بالازمة المالية والمعيشية كما لبنان كله، الا ان ارادة القيادة وادارتها للازمة خفضت تداعياتها السلبية، ومنعت السياسيين من التدخل في شؤون الجيش، اذ حاول عدد لا بأس به من السياسيين التوسط لصالح ضباط او افراد ليتركوا الجيش او الحصول على مأذونيات، الا ان قرار القيادة كان صارما والوقوف بوجه هؤلاء، فلم تسجل حالات استقالة او فرار كبيرة في صفوف الجيش من كل الرتب، ومن ترك فانه يحاول العودة، بتقديم ما يسمى «طلب استرحام» لكي تنظر القيادة بوضعه، بعد ان اكتشف بان الجيش ما زال الوحيد بين المؤسسات، التي تؤمن له الطبابة والاستشفاء، وتساعده ما امكن في مواد غذائية، وتنظيم انتقاله الى عمله ومكان اقامته، بحيث لا تذكر حالات الاستقالة او ترك الخدمة، امام عديد الجيش البالغ نحو 70 الفا في الخدمة، وفق المصادر المطلعة، التي تشير الى ان قيادة الجيش ابلغت قادة الالوية والافواج، بان يقفوا الى جانب العسكريين والاطلاع على حاجاتهم وطلباتهم، فكان لهذا التدبير اثره الايجابي على معنويات العسكريين وتعاضدهم، وهو ما ترك المؤسسة صامدة ومستمرة، وفي دراسة دائمة لتقديم الحلول والمعالجة.
لذلك فان المبالغة مضخمة في خروج عسكريين من الخدمة، لا بل ان تقديم طلبات للتطوع ما زالت تقدم وكثيرة العدد، بالرغم من وجود قرار من الحكومة، بعدم التوظيف، منذ ثلاث سنوات، وان تخريج دورة ضباط في اول آب المقبل، هي من داخل المؤسسة، ومن الذين تقدموا سابقا ونجحوا في المدرسة الحربية التي لا يوجد فيها سنة اولى، بل السنتين الثانية والثالثة وهذا ما تضمه الدورة الحالية، التي فيها ايضا العنصر النسائي.
وكيف يتدبر الجيش اموره؟ فان قيادته اجرت اتصالات مع العديد من الدول، وانعقد في باريس مؤتمر لمساعدة الجيش، فخرج بتوصيات بتقديم المساعدات الغذائية التي التزمت بها دولة قطر، فترسل الى لبنان شهريا 70 طنا من المواد الغذائية، توزع داخل المؤسسة، وهي لا تكفي، لكنها «البحصة التي تسند خابية» كما يقول المثل الشعبي، وفق المصادر التي تشير الى ان الدعم المالي للجيش لم يصل من احد، وان لبنانيين ميسورين يحبون الجيش، ارسلوا مساعدات مالية، ونجح قائد الجيش مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بتمرير هذه الاموال، ودفع مبلغ مئة دولار لكل عسكري. ومن خارج هذه المساعدة المقدمة من الجيش لافراده، لم يصله اي مبلغ، وهو بانتظار الهبة القطرية، كما لم يتحدث الاميركيون عن مساعدات مالية للجيش، واكثر ما يقدمونه هو السلاح الذي فقط بامكان الجيش تأمين صيانته المكلفة جدا، في ظل الشح المالي.
ولا يقبل الجيش مساعدات مشروطة، وهو منفتح على كل دولة تقدم مساعدة له وهي صديقة للبنان، وهو مع تنوع السلاح، لكن غالبيته يأتي من اميركا ودون املاءات ترفضها قيادة الجيش، التي ترسل دورات الى كثير من الدول، ولا تتقيد بدولة واحدة، فهي لديها متدربون في فرنسا وروسيا ودول عربية واوروبية وحتى افريقية، لان القيادة قررت ابعاد الجيش عن السياسة، او الدخول في محاور سياسية، فهذا ليس من اختصاصها، فهي تقف وراء السلطة السياسية التي تتلقى القرارات منها، وتنفذها، كما في ترسيم الحدود البحرية مع العدو الاسرائيلي، فقام الجيش بمهامه التقنية، وسلم الملف الى السلطة السياسية لتقرر، واعلن العماد جوزاف عون بانه وراءها.
واهم ما ظهر خلال الازمة التي يمر بها لبنان، ان قيادة الجيش اولت اهتماما خاصا للطبابة والاستشفاء، فتم التركيز على احداث اقسام في المستشفى العسكري، التي فيها اهم غرفة عمليات طبية في الشرق الاوسط، اضافة الى تأمين الادوية، وكانت تجربة وباء «كورونا» امتحاناً للطبابة العسكرية التي امنت الادوية واللقاحات، ولم تسجل حالة وفاة لاي مريض «كورونا» في المستشفى العسكري، الذي لم تتأخر قيادة الجيش عن تأمين كل مستلزمات تطويره وتحديثه بالاجهزة الطبية الحديثة، وهذا ما ساعد كل العسكريين ان يستمروا في المؤسسة، التي امنت لهم الطبابة والاستشفاء، في وقت غابت عن المؤسسات الضامنة الاخرى في القطاعين الخاص والعام، وهذا سبب لعدم انفراط الجيش الذي اثبت انه الضامن للامن، ويقوم بمهمات من خارج اختصاصه كمكافحة صناعة المخدرات او بيعها وتهريبها، وتدخله في وقف اعمال عنف وشغب وفوضى واقتتال، من دون اخذ اذن من احد لانه على مسافة واحدة من الجميع، وبقرار من السلطة السياسية.
فالثقة بالجيش كبيرة بين اللبنانيين كما في الخارج، بفضل قائده العماد عون وهو ما ضمن له ارادة الصمود والبقاء.