كتب د . نواف ابراهيم | بوتين يدشن النظام العالمي الجديد بقوة الحديد و النار
الدكتور نواف ابراهيم | باحث استراتيجي مقيم في موسكو
زيارة الرئيسين الروسي والأمريكي في وقت واحد إلى منطقة الشرق الأوسط حدث تاريخي نادراً مايحدث في مثل هذه الظروف وفي وقت واحد
وصلت المواجهة بين روسيا ودول الغرب إلى قمة التوتر وإلى مرحلة اللاعودة عن الرد على كل الإجراءات الغربية وعلى رأسها الأمريكية والتي لم تحترم لا القوانين ولا الإتفاقات والشرائع الدولية التي تحكم العلاقات الدولية على أساس المصالح والقانون الدولي وإحترام الذات والسيادة،
وهذا الأمر جعل روسيا تصل إلى ذروة الصبر وإمكانية نفاذه أمام الحقد والوقاحة الغربية التي لم يستحي زعماء الغرب من الإستمرار بها ضد روسيا بحقد غير معهود وبفظاظة مابعدها فظاظة،
وعدا عن كل ذلك ضاربين بعرض الحائط مصاير بلدانهم وشعوبهم أمام نتائج أفعالهم السلبية عليهم قبل المقصود بها، شيء غير معقول من البلاهة وعدم الإكتراث بما يمكن أن تفضي إليه سلوكياتهم غير المحسوبة حتى بالنسبة لمصالحهم القومية.
هؤلاء الزعماء أثبتوا بأنه لايهمهم أبداً مصيرهم أمام التعنت في تحقيق لو نصر إعلامي على روسيا التي مرغت أنوفهم في التراب دون أن تتخذ حتى اللحظة أي إجراءات هجومية حقيقية وجادة هي قادرة عليها وواثقة من نتائجها، لكن مازالت تعطي الفرص غير المستحقة لتهدئة الأوضاع رأفة بشعوب العالم ودرءاً لتطور الخلاف إلى ما لايحمد عقباه،
وهنا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واضحاً بأن روسيا حتى اللحظة لم تتخذ الإجراءات الحازمة ولم ترد بجدية ولم تبدأ الحرب أصلا لا في أوكرانيا ولا ضد من يدعمها.
إذا نحن لسنا أمام مفترق طريق، بل بركان خطير تتدافع حممه بتسارع كبير ويقوم الغرب بدل من النفخ عليه بالنفخ فيه وصب الزيت في فوهته وكتم أنفاثه ودخانه ولجم هديره وهذا ماقد يودي بالعالم إلى مرحلة اللاخيار من المواجهة الكارثية التي قد تجعله كتلة من نار لايمكن أن يطفئها أحد أو يحد من إنتشارها،
بما يعني وبمعنى مجازي أن الوضع وصل إلى مرحلة ينتظر فيها قرار من السماء لمنع دمار العالم الشامل في أن ترسل السماء ما هو أعظم من بلاء على الأرض كي يستفيق هؤلاء على ما هو أعظم ليدركوا هجم هول أخطائهم من غيهم وحقدهم وبغضهم الأعمى لأنهم لم يتعودوا على أن يأتي أحد ما في هذا العالم،
ويقول لهم كفى تجبر وكفى التقليل من قيم الدول والبشر وقتل وتدمير الشعوب لأجل مصالح خاصة تافهة ضيقة لايقبل بها العقل والدين ولا قوانين البشر والطبيعة… لكن بوتين فعلها .
مايدل أكثر على خطورة الأوضاع تصريحات وإجراءات ومواقف المسؤولين والمؤسسات الغربية، على سبيل المثال لا الحصر ماقاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أنه لا بد من التوجه بقوة نحو إقتصاد الحرب مايعني أن المرحلة القادمة هي مرحلة التسلح وسباق التسلح والإستعداد للحرب وأن كل الحلول المطروحة ركيزتها الحروب والتسلح،
ووزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس التي تحلم أن تأخذ مكان بوريس جونسون تؤكد أن هناك فرصة للإنتصار على روسيا يعني يذهب مهرج ويأتي مجنون ،
لم يتعلموا من بوريس جونسون المتهم بعشرات التهم من مخالفة القوانين وقضايا فساد وأخلاقية وأخرها والتي كانت الضربة القاصمة إتهامه بالتجسس لصالح روسيا ويبدو من مقاطع التحقيق التي تنشر تباعاً مع جونسون أن وضعه كارثي وفضيحة كبرى للملكة ككل وليس له ولحزبه فقط،
وعلى مايبدو أن الرئيس بوتين لديه الكثير من المفاجآت لدول غربية وأوربية أخرى صغيرة وكبيرة لن يتحملوا نتائج فتحها أبداً لا على المستوى الشخصي ولا على مستوى بلدانهم في حال طرحها للرأي العام.
وبالعودة إلى محرك قوة الطرد المركزي الأقوى منطقة الشرق الأوسط التي شئنا أم أبينا تلعب دوراً محوريا في إنتصار هذا الطرف أو ذاك لأسباب جيوسياسية وإقتصادية بات الجميع يعرفها ،
كان ومازال الشرق الأوسط في زمن الحرب كما في زمن السلم ليس فقط بيضة القبان في السياسات والإستراتيجيات العالمية بل المقصلة ومجزرة المشاريع العالمية،ومن المعروف والواضح ماهي أهداف زيارة الرئيس بايدن من عناوين التصريحات ومن عناوين الزيارات وتتبعها الجغرافي ، وبالمقابل كنه زيارة الرئيس بوتين بنفس التوقيت إلى الجهة المقابلة لتحركات بايدن أكثر من واضحة لابل واضحة وضوح الشمس خاصة مع إيران ،
وهي لبنة جديدة في ترتيب الردود المنتظرة على الساحة الإقليمية الشرق أوسطية وصولا ً إلى الساحة العالمية بناء على الحلول المطروحة لمشاكل المنطقة وللتحالفات والتوازنات السياسية والعسكرية والإقتصادية اللازمة للجم الغرب في ميزان التوازنات العالمية الأساسي.
قولاً واحداً حسب المنظور ورأي الخبراء المختصين أن الرئيس بوتين قد أفرغ زيارة الرئيس بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط من مضمونها حتى قبل أن يصل بايدن إلى المنطقة،
وقبيل وصول بوتين إلى طهران في ال 19 من الشهر الحالي، على الرغم من أن الرئيس بوتين في ظل التهور الغربي والحقد القائم عليه وعلى روسيا من قبل الغرب يخاطر بشكل كبير بحياته لأن سلوك الغرب يوضح من
أن هذا الغرب يريد أن ينتصر على روسيا بأي ثمن حتى لو وقعت الكارثة، لكن بكافة الأحوال الرئيس بوتين يعي تماماً أنهم لو تجرأوا على أي أذية لزيارته سواء على مستوى النتائج أو إعاقتها أو أكثر من ذلك لن يأتي بأي نتيجة سوى مسحهم عن وجه الأرض بدقائق معدودة وننصحهم كما نصحهم الكثيرون بأن لا يذهبوا إلى حتفهم والقيام بأي حماقة كانت إن كان يهمهم الإبقاء على هذا العالم.
وهنا نكرر قول الرئيس بوتين نحن لانريد الحرب لكن مستعدون لها والأكثر من ذلك أنه مانفع هذا العالم بدون وجود روسيا، هذه ليست كلمات بل هذا تحذير خطير ومدروس بدقة من قبل القيادة الروسية التي تحذر زعماء دول الغرب من الإستمرار من إستفزاز روسيا ومن مغبة التفكير في محاولات إذلالها،
وهذا ماحذر منه سابقاً الرئيس الفرنسي ماكرون الذي ينتظر أيضا مصير مجهول على طريق جونسون، نعم ينتظر الغرب الكثير من الإنهيارات والإنكسارات في الوقت اللاحق وروسيا سوف تتسلى بهم كمن يصنع الفشار في مقلاة بزيت الذرة الأوكراني أوزيت الزيتون العربي ….فهل يتعقلون .
بالعودة إلى مسألة الزيارة إلى الشرق الأوسط وبإختصار نرى أنه على العالم أن يتابع بكل إنتباه وحذر خطاب الرئيس الروسي في ال 15 من الشهر الجاري أمام البرلمان وماهي مكنونات ورسائل هذا الخطاب والذي يمكن للكثير من الدول الحليفة والعدوة على حد السواء أن تبني من خلال ما بين سطوره إستراتيجياتها للمرحلة القادمة،
وتعي تماماً كيف وأين تصطف وماهي السياسات المطلوبة منها لتعرف على الأقل أو تتكهن بمصيرها في ظل الطحن القائم واللاحق على مستوى المنطقة وعلى مستوى العالم ككل مع بروز بوادر إنفجار الغرب داخليا وإجتماعيا وسياسيا وحتى إرهابيا
في الوقت الذي أعلن فيه تنظيم داعش الإرهابي وغيره من التنظيمات الإرهابية التي ولدتها دول الغرب ودعمتها بأنهم يستعدون للإنتقام من الغرب مستغلين الإنشغال العالمي بالحرب في أوكرانيا وماتردد عنها من إهتزازات،
وهنا نذكر بأنه لم يأتي عبثاً ما نشرته صحيفة فايننشال تايمز: “دول الناتو والاتحاد الأوروبي تضغط من أجل تتبع أفضل للأسلحة التي زودتها لأوكرانيا استجابةً للمخاوف من قيام العصابات الإجرامية بتهريبها خارج البلاد إلى السوق السوداء في أوروبا”.
من المهم جدا أن يؤخذ حديث الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله أمس على محمل فوق الجد فقد كان واضحاً بكل حرف قاله،
وإلى أي حد يمكن أن يذهب الحزب في ظل مايجري من حرق مراحل بشكل خاطىء وخطير، لذا ماقاله من المفترض أن يعامل بدقة وحذر من مغبة الجنون القائم والمفتعل أمريكاً وغربياً وإسرائيلياً إقليمياً ودولياً،
والذي بات بشكل طبيعي على غير رغبتهم يسير بالتوازي مع مصالح روسيا ودول المنطقة المتحالفة معها بما فيها تحالفات الضرورة لبعض دول الإقليم التي لا مفر لها منها،
إن أرادت البقاء على قيد الحياة بعد الإنفجار العظيم لاحقاً وهذا المتوازي أو الخطين المتوازيين سيخالفان القاعدة التي تقول أن ” الخطان المتوازيان يسيران في إتجاه واحد لا يلتقيان”،
لكن العالمين بالإستراتيجيات وخفايا الإستشعار عن بعد يعون تماماً أنهما سوف يلتقيان أرادوا هذا أم لأن لأن الواقع المستجد سوف يفرض هذا التلاقي ولا خيار غيره فهل تعي بعض دول المنطقة أين منقلب سينقلبون في المستقبل المنظور .
الآن وبالعودة إلى إستشعار مايمكن أن يأتي عليه الرئيس بوتين خلال كلمته أمام البرلمان قبيل زيارته إلى المنطقة، أغلب الظن وحسب المطلعين الواعين يبدو أن هذا الخطاب سيكون محورياً وقد يحظى الرئيس بوتين خلاله على تفويض عام من البرلمان لإتخاذ أي إجراء يحمي البلاد ويردع عن أمنها القومي الخطر أيا كان،
وإتخاذ القرار دون الرجوع إلى البرلمان يعني تفويض فوق العادة وهذا ما سيعزز موقف الرئيس بوتين وقدرته على لجم الغرب وحتى إتخاذ القرار والتنفيذ مباشرة دون إنتظار أي موافقة من البرلمان الذي يعطيه التفويض المطلق في ظل الحرب القائمة..فهل يفعلها بوتين …؟؟؟.
الأمر الآخر قد يتم إعلان حالة الحرب على أعداء روسيا حتى دون أن يحكى بالكلام والحروف كون مايجري من تسعير غربي على الساحة الأوكرانية وماحولها لم يعد يأتي في خانة العملية العسكرية الخاصة التي قد تجبر روسيا على توسيع مساحتها في كل الإتجاهات كون التطورات الحاصلة قد تستدعي إعلان الحرب وهذا ماقد يحدث،
وهنا لانرى أي مواجهة مباشرة محتملة بين الولايات المتحدة وروسيا ، خاصة أن الولايات المتحدة قد حققت جزءاً كبيراً في إستدراج روسيا إلى الحرب والمواجهة و أهدافها في إنزال أوروبا إلى الدرك الأسفل،
وهكذا إلهاء روسيا لو لبعض الوقت ، وتضمن تبعية أوروبا الأبدية لها وهذا ما لايعني أو لم يعد يعني روسيا لا من قريب ولا من بعيد كونها غيرت خارطة تواجدها ومصالحها الجيوسياسية والإقتصادية وحتى العسكرية ستتضح في وقت لاحق أكثر، والتي على أقل تقدير تتمثل في التوجه نحو الشرق وأسيا وأفريقيا بشكل لارجعة فيه، فالويل يبدو قادم على أوروبا،
وهذا التحول بطبيعة الحال لايحتاج إلى إتفاق بين موسكو وواشنطن بخصوص أوربا إذ سيكون تحصيل حاصل ونتيجة طبيعية ، الجحيم سيدفن القارة العجوز تحت الرماد وهذا ما جنته أوروبا على نفسها بتبعيتها العمياء للأمريكي الذي أراد قتلها كي يبقى القطب الأوحد مع الصين وروسيا في ترتيبات العالم الجديد .
وهنا لايمكن أن نجهل دور منطقة الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص سوريا ودورها وموقعها الإستراتيجي وأهمية تمركزها في المتغيرات الحالية جنباً إلى جنب مع الحليف الروسي، وبذلك يبدو أن سوريا لن تقف على الهامش ولن تبقى في الظل وستثبت حضورها ووجودها وأهمية دورها في العالم الجديد،
ومن يقول أن سوريا ستكون في الدرجات الثانية من أولويات القمم القادمة فهو مخطىء ولو ظهر ذلك أو تقصد إظهاره كذلك من قبل الطرف الآخر.
سبقت سوريا الأحداث منذ فترة وأبدت رغبتها في الإنضمام إلى التحالفات الدولية المتصاعدة وخاصة تحالف “بريكس” والأهم من ذلك منظمة “شنغهاي” هذه المنظمة الهامة والصاعدة كالصاروخ والتي تضم دولاً تعاني من الضغوط والحصار الأمريكي والغربي وضاقت ذرعا بهذه السياسات،
وهي التي تملك إمكانات كبيرة جغرافية وسياسية وإقتصادية وعسكرية وحيوية من شأنها أن تعطيها القدرة اللازمة لمواجهة الغرب في كافة المنازلات وتضع له حداً عدا عن أن مشروعها الأهم هو “طريق الحرير” الذي يجب أن تلعب فيه سوريا دوراً محورياً وأساسياً ما سوف يدعم مركزيتها الإقليمية وأهميتها العالمية.
الأهم من كل ذلك تحديداً بخصوص سوريا هو أنه في ظل مايجري حاليا وفي ظل هذا التسارع الكبير للأحداث لايجب بأي شكل من الأشكال أن يقدر الطرف الآخر على حجب سوريا وإبقائها في الظل تحت أي إعتبار وهذا ما لن تقبل به سوريا بعد كل الدور الذي لعبته في تطويع العدو المشترك ضد البشرية وصاحب المليار الذهبي، بدعم لا خطوط حمراء فيه ومساعدة روسيا غير المحدودة …
والأشهر القادمة ليست فقط حبلى بالتطورات بل ستكون مفرخة أبابيل لن تسقطها أي قوة في العالم إلا قوة السماء . فعلى الجميع أن يستعد ….