كتب د . علي عز الدين | عنكبوت وطير حمام: الأربعون نصرا
الدكتور علي عز الدين | كاتب وباحث لبناني
عنكبوت وطير حمام : في بدايات العمل المقاوم كان اغلب الشباب بمقتبل العمل يعملون بسرّية قل نظيرها ،حتى عن إخوانهم ،أهاليهم وحتى أصدقائهم بنفس خط الجهاد و المقاومة ،لأسباب عديدة ،أهمها الابتعاد عن أعين العملاء الجواسيس وحماية أسرار و قدسية الأماكن القليلة التي كانت مقرات العمل العسكري والإستخباراتي…وقت تنفيذ العمليات كانت البنادق اقل من عدد المجاهدين في الأيام الأولى لإنطلاق التحدي ضد الإحتلال الإسرائيلي…. الجنون : كانت التهمة والكلمة الأكثر إستخداماً بحق الشباب المقاوم والذي آمن بصرخات السيد موسى الصدر ،تبعها قبضة الشيخ راغب حرب ،المصافحة إعتراف والموقف أبدا هو السلاح … في طفولتي كانت الدوريات الراجلة للجيش الإسرائيلي الغاشم تفتش منزلنا مراتٍ متتالية بغياب الشباب المطلوبين من ضمن لائحة أعدّها العملاء للعدو ،كان جَدّي الراحل يطاردهم من غرفة لغرفة وهو ذو المشية التعبة المتثاقلة مكيلاً لهم السُباب ،ملاحقهم بعكازته الشهيرة وهم يهربون كالأرانب المذعورة. من الانسحاب إلى جسر الأولي ّ ،ثم بعد سنوات من تضحيات شعب المقاومة ،هرب العدو وعملائه إلى الشريط الحدودي،مع جرائمه و بطشه بالمدنيين الذين زادهم كل الدم المسفوك إيماناً بجدوى العمل العسكري ضد الإحتلال. دماء الشهداء وتشييعهم علانية كان له الأثر الكبير بتحريك الناس الذين بقوا في المنطقة الرمادية و دفعهم إلى الوقوف بشكل مطمئن وظاهر مع مجتمع المقاومة في لبنان من أقصاه إلى أقصاه. سبعة ايام كانت عنوان الحرب المدمرة الكبيرة على لبنان ،والسبعة هو عدد القبائل التي ارسلت كلٌ منها رجلاّ لقتل النبي محمد (ص) ليضيع دمه بين القبائل. توالت الحروب والتدمير وفي كل نهاية حرب كانت تخرج المقاومة بفعل التضحيات بتقدم ما،إتفاق نيسان وتحييد المدنيين كانت الضربة الأولى لعقيدة الجيش الإسرائيلي الإجرامية بقتله المدنيين جرّاء كل هزيمة يتجرعها في الميدان القتالي. أربعون عاماً من النمو ،أصبحت المقاومة في لبنان لاعباً عالمياً،يُحسب لها الحسابات الكبرى،الوقوف على قدم ونصف أصبحت قاعدة تدريسية تدريبية من ضمن لائحة التعليمات في ثكنات الجيش الإسرائيلي… من العنكبوت الذي بنى خيوطه على مدخل مغارة النبي محمد (ص)،إلى الحمامة التي سكنت فوق عشّها وحَمَت بداية الدعوة الإسلامية ،إلى سلام يا مهدي مرورا ً بمعنى معدن الدماء ،كانت ولا زالت هذه المسيرة مسددة و مباركة طوال مسيرتها.