كتب حسني محلي | العلويون.. أعداء إردوغان الجدد والقدامى!
حسني محلي | باحث علاقات دولية ومختصص بالشأن التركي
تعرَّض العلويون لاضطهاد خلال فترات التاريخ المتعددة، حتى بعد إعلان الجمهورية عام 1923.
تشهد تركيا نقاشاً جديداً ومثيراً بعد المعلومات التي بدأت تتحدث عن احتمالات أن يرشّح زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو، نفسه لانتخابات رئاسة الجمهورية، المقرَّر لها أن تكون في حزيران/يونيو من العام المقبل. إردوغان قال إنه “سيرشّح نفسه لهذه الانتخابات”، وناشد كليجدار أوغلو “خوضَ هذه المعركة منافساً له، حتى يلقّنه الدرس الذي يستحقه”، على حدّ قوله.
استفزازات إردوغان هذه لكليجدار أوغلو تهدف إلى إحراج تحالف الأمة، الذي يضمّ ستة أحزاب سياسية، خمسة منها يمينية، والأخير، أي الشعب الجمهوري، وهو الأكبر، اشتراكي ديمقراطي. في الوقت الذي بقي حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ومعه بعض الأحزاب اليسارية الصغيرة، خارجَ هذا التحالف، الذي تأسّس قبل الانتخابات البلدية في آذار/مارس 2019، وحقّق انتصاراته المفاجئة في إسطنبول وأنقرة والمحافظات الرئيسية الأخرى. وكان ذلك بفضل دعم حزب الشعوب الديمقراطي، وتصل شعبيته إلى 11-12% من أصوات الناخبين في عموم البلاد. ويشنّ إردوغان وإعلامه هجوماً عنيفاً على حزب الشعب الجمهوري وشركائه في تحالف الأمة، بتهمة التعاون مع الإرهابيين، ويقصد بهم حزب الشعوب الديمقراطي، وهو الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، بزعامة عبد الله أوجلان، في الوقت الذي يستمرّ إردوغان في تهديداته بالقيام بعمل عسكري جديد في الشمال السوري ضد الميليشيات الكردية، الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي، الذي يقاتل ضد الدولة التركية منذ أكثر من 40 عاماً. كما يستمرّ الجيش التركي في عملياته البرية والجوية في شمالي العراق ضد مواقع الحزب المذكور ومراكزه، وأقامت أنقرة ضده في المنطقة عدداً من القواعد العسكرية بالتحالف مع مسعود البرزاني.
وعودة إلى كليجدار أوغلو، المتوقَّع أن يكون مرشح المعارضة في الانتخابات المقبلة، بدأ الإعلام الموالي لإردوغان يذكّر الناخب التركي بمذهبه العلوي، وهو ما فعله إردوغان ورفاقه في الحزب عدة مرات خلال الأعوام الماضية، بحيث اتّهموه بـ”الاعتراض على سياسات تركيا في سوريا، ودعم بشار الأسد لأنه علوي مثله”.
ولم يهمل إردوغان آنذاك التركيز على علوية الأسد في عدد من خطاباته، وهو ما سوَّقته الأوساط الدينية، التي رفعت آنذاك شعار الطائفية في الأزمة السورية. ويفسّر ذلك تسمية أحد الجسور المعلَّقة على البوسفور، وتم افتتاحه عام 2012، باسم السلطان سليم، الذي اشتُهر بمجازره الجماعية ضدّ العلويين، قبيل حربه مع الصفويين في إيران. واستمرّ إردوغان في نهجه “القومي الطائفي التاريخي” هذا، بحيث أمر جيشه بالتوغُّل داخل الأراضي السورية عام 2016، بموافقة الرئيس بوتين، واختار لذلك يوم الـ24 من آب/أغسطس، لأنه يصادف الذكرى السنوية الـ500 لمعركة مرج دابق، التي دخل منها السلطان سليم سوريا. ومرج دابق تبعد نحو 40 كم عن مدينة جرابلس، التي دخل منها الجيش التركي سوريا في عملية درع الفرات.
داخلياً، تعرَّض العلويون لمضايقات واضطهاد ومجازر خلال فترات التاريخ المتعددة، حتى بعد إعلان الجمهورية التركية عام 1923. وكان آخر هذه المجازر عندما هاجم إسلاميون متطرفون، في الـ2 من تموز/يوليو 1993، فندقاً في مدينة سيواس وسط الأناضول، وأحرقوا مَن فيه من الأدباء والشعراء والكتّاب والفنانين بحجّة أنهم علويون. ولقي آنذاك 35 منهم مصرعهم في هذا الحادث المروّع.
العقيدة والثقافة المذهبيتان اللتان تسيطران على الدولة التركية منذ بدايات الدولة العثمانية، ما زالتا العنصر الرئيسي الذي يؤثّر في سلوك الشارع التركي بصورة عامة، على الرَّغم من أن عدد العلويين في تركيا لا يقلّ عن 15 مليوناً، والبعض يقدّرهم بعشرين مليوناً، من أصل 83 مليوناً، هم عدد سكان تركيا.
فعلى الرغم من أن السلاطين العثمانيين لم يُسَمّوا أنفسهم رسمياً “خليفة المسلمين”، باستثناء اثنين منهم (من أصل 36)، كما أن أحداً منهم لم يفكّر في أداء فريضة الحج، فإن المذهب السني بقي المؤثّر في سلوك السلطنة العثمانية، التي كانت دائماً، وما زالت في عهدها الجمهوري، “تارة العدوَّ، وتارة المنافسَ” لإيران الصفوية، ثم الفارسية، وإيران الحالية، وهي شيعية في جميع الحالات.
وعودة من جديد إلى كليجدار أوغلو وإردوغان..
فالحملة التي تبنّاها إردوغان علناً، ومعه إعلامه الموالي وأتباعه، في شبكات التواصل الاجتماعي، تتلخّص في جملتين فقط، ألا وهما: إن “الشعب التركي المسلم السني لا يصوّت لعلوي”، وإن “الدولة التركية السنية لا يمكن لها أن تتقبَّل رئيساً علوياً”.
يسعى الرئيس إردوغان، من خلال هذه المقولات، لأن يؤثّر في أتباع أحزاب تحالف الأمة وأنصارها، كي يمنعهم من التصويت لمصلحة كليجدار أوغلو، بعد أن بيّنت كل استطلاعات الرأي أنه، أي إردوغان، لا ولن يفوز في الانتخابات المقبلة، أياً يكن المنافس له.
لم يمنع ذلك إردوغان من استفزاز كليجدار أوغلو حتى يرشح نفسه، لأنه يعتقد أن الحملة الإعلامية العنيفة التي سيقوم بها ستؤثّر في الميول والقرارات للناخب “المحافظ والمتدين”، والذي قد لا يصوّت لكليجدار أوغلو بسبب انتمائه الطائفي، وهو ما يزيد في حظوظ إردوغان. وتبيّن كل الاستطلاعات أنه سيُمنى بهزيمة ساحقة أمام مرشحين آخرين، ومنهم رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ورئيس بلدية أنقرة منصور ياواش. وسيحظى الأول بتأييد ما لا يقل عن 58% في مقابل نحو 60% للثاني، وكِلاهما من السنة، وهُما ذَوا ميول قومية متديّنة ومحافظة على الرغم من أنهما انتُخِبا من لوائح حزب الشعب الجمهوري.
خلاصة القول إن إردوغان، الذي عادى الأكراد والعلمانيين وكل من عاداه من الرجال والنساء، وقال عنهن إنهن ساقطات، يبدو أن هدفه الجديد سيكون العلويين. ويُقلق ذلك الشارع السياسي والشارع الشعبي، باعتبار أن العلويين كانوا دائماً من أنصار النظام الجمهوري العلماني، وإردوغان يستهدفه منذ استلامه السلطة نهاية عام 2002. كما لا يُخفي البعض، ومنهم كليجدار أوغلو، القلق من احتمالات أن يوتّر إردوغان الشارع قبل الانتخابات وخلالها وبعدها، والتي، إن هُزِم فيها، فلن يسلّم السلطة بسهولة، وفق آراء المحللين السياسيين والإعلاميين.
ويبدأ الحديث هنا عن سيناريوهات خطيرة، ومنها احتمالات أن يستنجد إردوغان بالميليشيات المسلحة، التي تقوم بتشكيلها وتدريبها شركةُ SADAT للخدمات العسكرية، وصاحبها كان مستشاراً لإردوغان في القصر الرئاسي. وهو القلق الذي عبّر عنه كليجدار أوغلو، بينما تحدّث جنرالات متقاعدون عن احتمالات أن يستنجد إردوغان بالإسلاميين، الذين كانوا في صفوف ما يسمى “الجيش الوطني السوري” المعارض أو صفوف جبهة “النصرة”، وهم معاً ضد أعداء إردوغان من الأكراد والعلمانيين وكل أطياف المعارضة. وسيكون العلويون بعد الآن من ألدّ أعداء هؤلاء الذين تمرَّدوا على الأسد، لأنه علوي فقط، ناسِين أن زوجته سنية، كما هي الحال بالنسبة إلى ما لا يقل عن 70% من الشعب السوري، الذي راح ضحية المجازر والمؤامرات، التي قام بها هؤلاء المسلّحون ومَن كان وما زال معهم وخلفهم، وفق اعترافات حمد بن جاسم!