كتاب الموقع
كتبت د . نازك بدير | سقوط القناع في حقل كاريش
الدكتورة نازك بدير | اكاديمية واستاذة جامعية
على وقْع الحصار الاقتصادي، وتداعيات الأزمة الماليّة، والانقسامات الدّاخليّة، تستغل( إسرائيل) الوقت الضّائع لتحقيق مكاسب جيوسياسيّة من خلال اختراق المياه الإقليميّة اللبنانيّة. بعد عبور سفينة تابعة ل ENERGEAN POWER قناةَ السّويس في الخامس من يونيو، وقطْعها الخطّ 29 عابئة بكل التّحذيرات، ووصولها إلى مسافة 5 كلم من الخطّ 23، يبدو الوقت اليوم أشدّ إلحاحًا لإعادة ترسيم الحدود البحريّة مع فلسطين المحتلّة في منطقة تبلغ مساحتها 860 كلم. ويعدّ أيّ عمل، أو نشاط فيها، اعتداء على السّيادة اللبنانيّة، وعلى ثروته الطبيعيّة.
لا يزال لبنان في دائرة المتلقّي، يقع عليه الفعل، “يسمح” أن يكون محشورًا تارة في مربّع أمنيّ، وتارة ثانية في مربّع إقليمي، وتارة أخرى بين الخطّين 29 و23، في حين أنّه كان قادرًا، ولا يزال، على تغيير الموازين، وقلْب المعادلة، وفرْض شروط الصّراع، لكن يلزمه”القرار الحاسم”، وعدم تضييع المزيد من الوقت. في جعبة الجانب اللبناني الكثير من أوراق الضّغط لها مدّة صلاحيّة معيّنة. ولا يُخفي كثير من المراقبين تخوّفهم من التّفريط الرّسمي بهذه الحقوق، بدلًا من التّمسّك بها، كونها الورقة الرّابحة الوحيدة حاليًّا، والقادرة على انتشال لبنان من أزمته الاقتصاديّة، وإنعاشه مجدّدًا. لكن، ثمّة مَن يراهن على سيادة البلد، وأمنه، وحاضره، ومستقبله، في مقابل مصالح شخصيّة ضيّقة، ما يؤدّي إلى تعميق الشّرخ الدّاخلي من ناحية، والطّعن في مصداقيّة بعض الرّموز الرسميّة من ناحية ثانية. إضافة إلى التّداعيات الأمنيّة التي قد تنتج عن الاستفزازات الإسرائيليّة جرّاء انتهاكها المياه الإقليميّة، فضلًا عن هدْر الثّروة النّفطيّة والغازيّة التي هي حقّ للبنانيّين جميعهم، من دون استثناء، وتاليًا، لا يُسمَح لأيّ كان أن يفرّط بها، ويتعامل مع الملفّ كأنّه إرث شخصيّ!
يرى البعض أنّ دول المنطقة قد تصبح من الرّكائز الرّئيسة في لعبة الغاز، لا سيّما بعد اشتداد الطّلب عليه بسبب الحرب الرّوسيّة-الأوكرانيّة. في المقابل، ثمّة مَن يقلّل مِن أهميّة كميّة احتياط الغاز المكتشَفة، والبالغة نحو 3.45 تريليون متر مكعب، إضافة إلى 1.7 مليار برميل من النّفط، وفق مركز الأبحاث الجيولوجيّة الأميركي، ويجد أنّها لا تستحقّ عناء الصّراع السّياسي القائم، بل ينصح باستغلالها بصورة مشتركة، على قاعدة اتفاقيّات تقاسم الإنتاج، متمّمًا بذلك خطّة تقسيم الأراضي العربيّة، والتّطبيع مع العدوّ.
في الختام،(إسرائيل) لم تستقدم الباخرة لتتراجع عن الحفر والتّنقيب وسحْب الغاز، فهل سيستمرّ الصّمت الرّسمي، وتتخلّى الدّولة عن الخطّ 29؟ ساعتئذ قد لن يكون من مفرّ، بعد أن”سقط القناع”، سوى أن تحاصر حصارك، وأن تضرب عدوّك في حقل كاريش!