لبنان : حكومة “معًا للإنقاذ” تودّع.. واحتدام الصراع حول رئاسة البرلمان
ركزت الصحف اللبنانية الصادرة فجر اليوم من بيروت على جلسة مجلس الوزراء الأخيرة اليوم وجدول أعمالها المؤلف من 133 بنداً. وأنَّ هناك عدد من البنود المثيرة للانتباه، ومن أبرزها البند السابع الذي يتضمن اقتراحاً من وزير المال يوسف الخليل بزيادة الدولار الجمركي.
واقترح الخليل زيادة الأعباء الضريبية على الناس أضعاف ما هي عليه اليوم. إذ إن الدراسات الإحصائية التي أجريت أثناء إعداد الموازنة لزيادة الدولار الجمركي، أشارت إلى أن اعتماد سعر صرف للدولار يبلغ 20 ألف ليرة، سيضخّ إيرادات إضافية للخزينة عبر الرسم الجمركي تقدّر بنحو 14 ألف مليار ليرة. هذه الزيادات الضريبية ستشمل البنزين والسيارات وقطع الغيار والدخان والأثاث والملابس… اللائحة طويلة، لكن جرى تبريرها بأن السلع الغذائية معفاة من الرسم الجمركي أصلاً، وأن المستوردين سبق أن رفعوا الأسعار، أي أن تحصيل الرسم الجمركي منهم لن يطلق موجة تضخمية.
بالمقابل، لفتت الصحف إلى اتهام الأوساط جعجع بالمشاركة مع الأميركيين والخليجيين بسياسة الحصار السياسي والمالي والاقتصادي على لبنان وخلق الفتن والمشاكل للضغط على العهد والحكومة وحزب الله لفرض الشروط الدولية، حيث وقف جعجع وحزبه متفرجاً على انهيار البلد بعدما انسحب من حكومة الرئيس سعد الحريري ابان أحداث تشرين 2019 وكان جزءاً من خطة وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو بتدمير لبنان اقتصادياً ومالياً لإخضاع حكومته وشعبه ومقاومته للشروط الخارجية. وذكرت الأوساط بتصريحات المسؤول الأميركي السابق ديفيد شنيكر منذ أيام بدور بلاده بتسريع الانهيار في لبنان. واتهمت الأوساط ايضاً واشنطن وأدواتها السياسية والمالية في لبنان بارتكاب أكبر مجزرة مالية في التاريخ المعاصر، من خلال سرقة أغلب الودائع المصرفية وتهريبها الى خارج لبنان عبر النظام المصرفي العالمي الذي يقع تحت الرقابة الأميركية المباشرة والدائمة.
الأخبار: هديّة ما بعد الانتخابات: زيادة الدولار الجمركي
بداية مع صحيفة الأخبار التي رأت أنّ «أفضل» هديّة يتلقاها اللبنانيون بعد الانتخابات النيابية، ستأتيهم من حامل التوقيع الثالث والموظّف السابق لدى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أي وزير المال يوسف الخليل. فالوزير يقترح زيادة الدولار الجمركي «استناداً إلى القيمة الفعلية التي سوف يحدّدها مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المال». هديّة كهذه ليست إلا ثمناً باهظاً سيدفعه اللبنانيون على شكل ضريبة إضافية تكبّدهم نحو 14 ألف مليار ليرة إذا احتسب الدولار الجمركي على 20 ألف ليرة.
وأشارت إلى أنّه يُعقد اليوم مجلس الوزراء جلسة أخيرة قبل نهاية ولايته، ليناقش جدول أعمال من 133 بنداً. وهناك عدد من البنود المثيرة للانتباه، ومن أبرزها البند السابع الذي يتضمن اقتراحاً من وزير المال يوسف الخليل بزيادة الدولار الجمركي. عنوان الملف المعروض على المجلس هو «استيفاء الضرائب والرسوم على أساس القيمة الفعلية بالليرة اللبنانية التي تعكسها حالياً منصّة صيرفة»، بينما مضمونه يشير إلى أن وزارة المال تقترح «استيفاء الضرائب والرسوم كافية، ولا سيما الرسوم الجمركية، استناداً إلى القيمة الفعلية بالليرة اللبنانية التي سوف يحدّدها مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المال».
هذا الاقتراح سبق أن أُدرج كبند في مشروع قانون موازنة 2022، وأثار جدلاً واسعاً اندفعت معه الكتل السياسية إلى تعديل صياغة البند المقترح، لإخفاء حقيقة أنه مجرّد زيادة ضريبية هائلة وغير مبرّرة. يومها كانت الكتل السياسية، سواء في مجلس الوزراء أو في مجلس النواب، خائفة من أن يؤدي إقرار بندٍ كهذا إلى قضم المزيد من شعبيتها ومن شرعيتها، لكن الانتخابات النيابية حرّرتها من هذا العبء وأتاحت لها العودة إلى ممارسة التوحّش الذي يحمّل الطبقات المتوسطة والفقيرة أعباء يفترض أن تكون من نصيب شرائح أخرى في المجتمع. ويتغذّى توحّشها اليوم على العلاقة التي رسمتها مع صندوق النقد الدولي وأفضت إلى «اتفاق على مستوى الموظفين» يتضمن زيادات ضريبية أخرى مثل زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى 15%.
عملياً، يقترح الخليل زيادة الأعباء الضريبية على الناس أضعاف ما هي عليه اليوم. إذ إن الدراسات الإحصائية التي أجريت أثناء إعداد الموازنة لزيادة الدولار الجمركي، أشارت إلى أن اعتماد سعر صرف للدولار يبلغ 20 ألف ليرة، سيضخّ إيرادات إضافية للخزينة عبر الرسم الجمركي تقدّر بنحو 14 ألف مليار ليرة. هذه الزيادات الضريبية ستشمل البنزين والسيارات وقطع الغيار والدخان والأثاث والملابس… اللائحة طويلة، لكن جرى تبريرها بأن السلع الغذائية معفاة من الرسم الجمركي أصلاً، وأن المستوردين سبق أن رفعوا الأسعار، أي أن تحصيل الرسم الجمركي منهم لن يطلق موجة تضخمية. غير أنه في الواقع، تتسم هذه التبريرات بسطحية لافتة. فالرسوم الجمركية المحصّلة في عام 2020 كانت تبلغ 2240 مليار ليرة، ومضاعفتها إلى 16300 مليار ليرة، أي زيادتها 7.3 مرات لن يؤدي فحسب إلى تضخّم الأسعار، بل سيخلق حافزاً واسعاً للتهريب والتهرّب الضريبي وسيضرب الاستهلاك بقوّة لا مثيل لها. وفي المحصّلة سيدفع المستهلكون ثمناً باهظاً يضاف فوق الأعباء التي تكبدوها منذ انفجار الأزمة لغاية اليوم. فبحسب إدارة الإحصاء المركزي، تضخّمت الأسعار بين مطلع 2019 وآذار 2022 بنسبة 825%. أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 3200%، وأسعار الألبسة والأحذية ارتفعت بنسبة 2720%، والأثاث والتجهيزات المنزلية والصيانة ارتفعت بنسبة 3145%، والنقل ازداد بنسبة 2287%… وهذا التضخّم مستمر لغاية اليوم بسبب استمرار التدهور في سعر الصرف وشموله بنوداً لم ينل منها التضخّم بنفس نسب إصابته لغيرها. فعلى سبيل المثال، يتوقع أن يسجّل تضخم هائل في كلفة التعليم، وفي كلفة الصحة (استشفاء وأدوية) وفي كلفة الاتصالات أيضاً والكهرباء، أي أننا مقبلون أصلاً على تضخّم كبير في الأشهر المقبلة سيغذي التدهور في قيمة الليرة وسيتغذّى بدوره على ارتفاع سعر الدولار.
الخليل يقترح تكبيد المستهلكين 14 ألف مليار ليرة إضافية عبر الرسوم الجمركية
في المبدأ العام، لا تحتاج زيادة الدولار الجمركي إلى قرار في مجلس الوزراء أو إدراجه في قانون الموازنة. وهذا الأمر يكون مفهوماً حين تكون الأوضاع عادية، إنّما في أوضاع الأزمات، كالأزمة التي نشهدها حالياً وهي غير مسبوقة تاريخياً في لبنان، فإن زيادة الدولار الجمركي تحتاج الى تدقيق. فهذا السلوك للحكومة، في جلستها الأخيرة المخصّصة لتهريب كل ما يمكن تهريبه، يشي بأن الهدف هو البحث عن إيرادات بعدما انتهت الانتخابات النيابية، أي بعدما فقدت السلطة حاجتها إلى أصوات الناخبين من عموم الشعب. فزيادة الدولار الجمركي أمر لا يمكن القيام به في ظل تعدّدية أسعار الصرف، ولا يمكن القيام به إلا في إطار خطّة متكاملة لمعالجة الأزمة. إذ لا معنى أن يستمر ارتفاع سعر الدولار مقابل تدهور الليرة، فيما الحكومة تسعى إلى زيادة الضرائب عبر الدولار الجمركي، لأن هذا يعني أمراً واحداً فقط: مراكمة الخسائر على المجتمع وزيادة الأعباء على الناس أمر كارثي في ظل المسار القائم.
عملياً، سيكون الدولار الجمركي الإنجاز الوحيد لحكومة نجيب ميقاتي (بكل مكوّناتها). وهو إنجاز يتعلق بزيادة الأعباء على المجتمع بشكل عشوائي في بلد محكوم بفوارق تاريخية هائلة بين من هم «فوق» ومن هم «تحت». زيادة كهذه بشكل غير مدروس ومنفصل عن أي خطّة، تعني زيادة فجوة اللامساواة في الدخل والثروة.
البناء: جعجع يخوض رهان تشكيل أغلبيّة مناوئة للمقاومة… والقضايا المعيشيّة استحقاقات تسابق السياسة
بدورها صحيفة البناء لفتت إلى أنّ رئيس حزب القوات اللبنانية فاجأ الجميع بإصراره على الانتصار بتشكيل أغلبية نيابية مناوئة للمقاومة في الانتخابات النيابية، بالإضافة للإصرار على فوز ساحق على التيار الوطني الحر تمخض عن تباهي بمقعد إضافي عن التيار بمعادلة 19 مقابل 18، متجاهلاً أن كتلة التيار الوطني الحر مع حليفه حزب الطاشناق هي 21 نائباً، وفي مسألة الأكثرية النيابية توجّه جعجع لمن أسماهم الحلفاء في المعارضة والقوى التغييرية بالدعوة لإعطاء الأولوية للانتظام كأغلبية موحدة، داعياً للتوصل إلى صياغة معادلة تتيح تشكيل حكومة أغلبية مناوئة لحزب الله والتيار الوطني الحر، بينما خصص لرئيس مجلس النواب نبيه بري وحركة أمل فصلاً خاصاً محوره انتخاب رئيس جديد للمجلس النيابي فاتحاً بازار استدراج عروض مرشحين لمنصب نائب الرئيس ورفض التصويت للرئيس بري لولاية جديدة في رئاسة المجلس.
مصادر نيابية تتابع توازنات المجلس النيابي الجديد قالت إن دون جعجع والقدرة على الوفاء بهذا الرهان عقبتين كبيرتين، الأولى هي موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وكتلته المكوّنة من 9 نواب، والتي من المستبعد أن تجاري جعجع في مواقفه الذاهبة الى المواجهة رغم الخطاب الانتخابي التصعيدي لجنبلاط، الذي أعقبته دعوته بعد الانتخابات للتهدئة وإحجامه عن اطلاق مواقف نارية شبيهة بما قاله في سياق الحملة الانتخابية. وتستبعد المصادر أن يصطف جنبلاط وراء خطاب المواجهة، وحكومة مواجهة، إلا إذا كان هناك موقف أميركي سعودي يمهد لحرب إقليمية كبرى، وهو ما تقول المصادر إن المؤشرات المتوافرة توحي بعكسه في زمن التراجع الأميركي والحوارات الإقليمية، خصوصاً الحوار السعودي الإيراني، حيث تكفي الانتخابات كمحطة لترسيم الأحجام والأوزان تمهيداً لرسم اطار التسويات. أما العقدة الثانية فهي في مواقف عدد من النواب المستقلين كأسامة سعد وعبد الرحمن البزري والياس جرادة وسجيع عطية وفراس سلوم، وهؤلاء أدلوا بمواقف واضحة لا تتيح الرهان على استمالتهم لخيار المواجهة مع المقاومة، بالإضافة للنواب المتحدرين من تيار المستقبل الذين ينظرون لجعجع بصفته مَن طعن الرئيس سعد الحريري وغدر به ويرفضون اللقاء بالقوات اللبنانية، وعدد آخر من النواب المستقلين التقليديين مثل النائب ميشال المر، ونواب من لوائح تغييرية يصرحون بأن أولويتهم هي مواجهة خطر الانهيار وليس نبش القضايا الخلافيّة، رغم مواقفهم المبدئية مع حصر السلاح بيد الدولة، مثل حليمة قعقور وإبراهيم منيمنة ونجاة صليبا.
وأردفت أنّ الامتحان الأهم لموقفي جعجع وجنبلاط وفرص الاصطفاف في خندق واحد ستظهر مع انتخابات رئاسة مجلس النواب، حيث تتوقع المصادر النيابية أن يذهب جنبلاط لمنح صوت نواب كتلته لصالح الرئيس نبيه بري، ومثله سيفعل عدد من النواب المستقلين.
في سياق رسم هوية المجلس النيابي الجديد، قالت مصادر متابعة للاجتماعات التي عقدها نواب اللوائح التغييرية في محاولة تشكيل كتلة موحدة إن الخلافات كبيرة بين مكونات وأعضاء هذه اللوائح، حتى داخل اللائحة الواحدة، والخلافات تتركز حول عنوانين، الأول حول اختيار أولوية تتقدم على ما عداها في رسم التوجهات، بين نواب يتبنون خطاباً قريباً للقوات اللبنانية والكتائب تحت عنوان السيادة مفتاح بناء الدولة، وبناء الدولة مفتاح أي إنقاذ، وبناء الدولة يمر بنزع سلاح حزب الله، ونواب مقابلهم يقولون إن هذا الأمر معقد وشائك وفوق طاقة لبنان واللبنانيين حله منفردين، لذلك يجب الاكتفاء بتسجيل موقف مبدئي بالدعوة للحوار حول كيفية حماية لبنان وترسيخ مفهوم السيادة، لكن مع إعطاء الأولوية لمواجهة استحقاقات معيشية داهمة تضع لبنان في قلب انهيار متدحرج، بلغ مرحلة الخطر، والناس التي منحت نواب التغيير ثقتها، تنتظر منهم إنجازات عملية في ملفات كمصير الودائع، وتثبيت سعر الصرف، ومصير الكهرباء. وتقول المصادر إن الاستحقاقات المتصلة بتسمية نائب رئيس مجلس النواب ورئيس جديد للحكومة لا تشكل قاسماً مشتركاً بين النواب، حيث يتم التداول بينهم بأسماء مختلفة، منهم من يؤيد تسمية السفير السابق نواف سلام، بالتنسيق مع حزبي القوات والكتائب، ومنهم من يتساءل لماذا تتم تسمية شخصية لم تكلف نفسها عناء خوض المواجهة وتحمل تبعات وتحديات حملها النواب، ويستحقون أكثر منه أن تتم تسميتهم، مثل النائب إبراهيم منيمنة، والنائبين أسامة سعد وعبد الرحمن البزري، وربما يشكل أحدهم قاسماً مشتركاً يتيح تجاوز المأزق الحكوميّ الذي يبشر به طرح اسم نواف سلام.
وفي السياق نفسه جاء كلام معاون وزير الخارجية الأميركية السابق ديفيد هيل، بعد كلام زميله ديفيد شنكر ليضيف الى كلام شنكر يأساً موازياً ومشابهاً من القدرة على إضعاف حزب الله عبر الانتخابات، متوقعاً في النهاية مساراً للتسويات، حيث قال “في لحظات الخلاف الداخلي الحاد يتطلع العديد من اللبنانيين إلى الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية للتدخل. ومع ذلك، فإن اللاعبين الأجانب على الأرجح إما راضون عن الشلل اللبناني أو غير راغبين في تسويات، أو يواجهون مشكلة في ربط النقاط بين الديناميات اللبنانية ومشاكل الشرق الأوسط الأوسع. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد يسعى إلى الحوار بين اللبنانيين حول صيغ جديدة جريئة للحكم. لكن مثل هذا النهج يهدد بفتح صندوق باندورا للتوتر والصراع الطائفي جاهز للاستغلال من قبل حزب الله”.
وختم بالقول “بالنسبة للمسؤولين الأميركيين، فقد حان الوقت لتقويم ما إذا كان لبنان يمثل أولوية، وفهم سبب نمو حزب الله من “كيان إرهابي” صغير وخطير إلى وحشيّة كما هو عليه اليوم، على الرغم من أربعين عاماً من المعارضة الأميركية. نهج أميركا المتذبذب تجاه لبنان – فترات طويلة من الإهمال تبعها نشاط في الأزمات – ليس مثالياً كما هو حال الحكاية الخيالية بأنّ معاقبة حلفاء حزب الله من غير الشيعة سوف تقوّض أساسيات قوته التي تقع خارج التحالف السياسي وهيكل الدولة. يجب أن تكون أميركا واقعية ومعتدلة ومستعدة للتصرف إذا انهار لبنان. إن السياسة الأميركية الحالية المتمثلة ببناء الجيش والقوى الأمنية كقوى استقرار والحب الشديد لجعل الإعانات الماليّة مشروطة بالإصلاح هو أفضل ما يمكن أن تقوم به واشنطن في ظل الظروف الراهنة”.
وحتى انتهاء القوى السياسية من أجواء الاحتفالات وعقد المؤتمرات والخطابات التقييمية لنتائج الانتخابات النيابية، والاستعداد للمنازلات في الاستحقاقات المقبلة، بدأت المشاورات غير الرسمية حول استحقاق رئاسة المجلس النيابي ونيابة الرئيس وهيئة مكتب المجلس واللجان النيابية، في ظل معلومات عن تواصل بين بعض نواب “الحراك” مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري للبحث بهذا الاستحقاق.
وإن كان ثنائي حركة “أمل” وحزب الله قد عقدا العزم وحسما الأمر بترشيح بري، فإن بقية الكتل النيابية لم تحسم أمرها ولم تبلور رؤية حول هذا الاستحقاق. وفيما جدّد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع رفضه التصويت لبري، لفتت مصادر تكتل “لبنان القوي” لـ”البناء” أن التكتل سيعقد اجتماعاً خلال اليومين المقبلين لتحديد موقفه من رئاسة المجلس والاستحقاقات الأخرى. لكن معلومات “البناء” رجحت عقد اتفاق بين بري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وحزب الله وبعض القوى المستقلة على سلة تضم انتخاب بري رئيساً للمجلس مقابل نيل النائب الياس بو صعب نيابة الرئيس وتوزيع هيئة مكتب المجلس على بقية الأطراف.
وتواصل السجال بين التيار الوطني الحر و”القوات” حول نتائج الانتخابات ومن يملك التكتل الأكبر، وشن جعجع هجوماً لاذعاً على التيار ورئيسه باسيل، واصفاً اياه بـ”تيار الكذب والتشويه والخداع”، وقال: “لو كنت مكان باسيل لاخترت مكاناً في الطابق 17 تحت الأرض لأجلس فيه وبأيّ عين يقول انتصرنا”. لكن اللافت بكلام جعجع قوله إننا “أكبر كتلة في المجلس وسنتحمّل مسؤوليتنا على هذا الأساس”، فهل سيشارك في الحكومة المقبلة أم سيبقى في المعارضة؟ أم يقصد أنه سيصرف هذا الحجم النيابي في استحقاق تكليف رئيس للحكومة وتشكيل الحكومة وبالتالي نيل النسبة الأكبر من الوزراء؟”. وادعى جعجع أن حزب الله وحلفاءه خسروا الأكثرية النيابية.
وردت أوساط 8 آذار على جعجع عبر “البناء” بتذكيره أن الثنائي “لم يكن يسعى للحصول على الأكثرية النيابية، لاقتناعه بالدليل الحي في حكومة الرئيس حسان دياب بأن حكومة الأكثرية لم تنجح في عملية الإنقاذ في ظل مقاطعة مكونات أخرى، وبالتالي هذا النوع من الحكومات لم ولن ينجح في لبنان في ظل النظام الطائفي، بل الحل بالتوافق والشراكة الوطنية”.
واتهمت الأوساط جعجع بالمشاركة مع الأميركيين والخليجيين بسياسة الحصار السياسي والمالي والاقتصادي على لبنان وخلق الفتن والمشاكل للضغط على العهد والحكومة وحزب الله لفرض الشروط الدولية، حيث وقف جعجع وحزبه متفرجاً على انهيار البلد بعدما انسحب من حكومة الرئيس سعد الحريري أبان أحداث تشرين 2019 وكان جزءاً من خطة وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو بتدمير لبنان اقتصادياً ومالياً لإخضاع حكومته وشعبه ومقاومته للشروط الخارجية. وذكرت الأوساط بتصريحات المسؤول الأميركي السابق ديفيد شنيكر منذ أيام بدور بلاده بتسريع الانهيار في لبنان. واتهمت الأوساط ايضاً واشنطن وأدواتها السياسية والمالية في لبنان بارتكاب أكبر مجزرة مالية في التاريخ المعاصر، من خلال سرقة أغلب الودائع المصرفية وتهريبها الى خارج لبنان عبر النظام المصرفي العالمي الذي يقع تحت الرقابة الأميركية المباشرة والدائمة.
وأوضحت الأوساط أن على أحزاب “القوات” و”الكتائب” و”الاشتراكي” وقوى “المجتمع المدني” تحمل المسؤولية في عملية الإنقاذ الوطني لا الوقوف في موقع التنظير والاستثمار السياسي والانتخابي والمالي كما فعلوا في السنوات الماضية وحملوا العهد وفريق المقاومة مسؤولية الانهيار. محملة هذا الفريق “الآذاري” وبعض مجموعات الحراك مسؤولية أساسية في الانهيار الذي شهده لبنان، من خلال المشاركة في الحصار السياسي – الاقتصادي – المالي الخارجي للبنان، وعرقلة محاولة سعد الحريري تأليف حكومة لمدة 11 شهراً من خلال رفض المشاركة فيها، وايضاً المشاركة في حصار حكومة الرئيس حسان دياب حتى إسقاطها في الشارع بعد انفجار المرفأ، فضلا عن التحريض على الحريري في السعودية وواشنطن.
وتساءلت مصادر نيابية عبر “البناء” أي موقع ستختاره “قوى المجتمع المدني” ومواقفها من الملفات الأساسية كالانهيار المالي والاقتصادي والتدقيق الجنائي وسرقة الودائع المصرفية والتهم الموجهة الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فضلا عن الملفات السيادية كالحصار الأميركي – الخليجي على لبنان والاعتداءات الإسرائيلية الدائمة على لبنان؟ والسؤال المطروح: هل ستبقى هذه القوى في مجلس النواب كمعارضة أم ستشارك في الحكومة؟”.
وبعد فشل السعودية عبر التحالف الذي نسجته بين “القوات” والرئيس فؤاد السنيورة في إيصال كتلة نيابية سنية الى المجلس النيابي لمواجهة حزب الله مستفيدة من إقصاء تيار المستقبل الذي لاقى تعاطفاً سنياً واسعاً تُرجم بمقاطعة الانتخابات كما أظهرتها الأرقام، استكملت صحيفة “عكاظ” السعودية حملتها على سعد الحريري، محملة الحريري مسؤولية خسارة لوائح السنيورة. مشيرة الى أن “سعد الحريري كان ضمانة لأغلبية الثلاثي الإيراني “حزب الله، حركة أمل، الرئيس ميشال عون”، معتبرة أن “عصابة الخمسة حول الحريري“ نادر الحريري ونهاد المشنوق وهاني حمود وباسم السبع وغطاس خوري” أثرت سلبياً على مسيرته”. ولفتت الصحيفة الى أن “عصابة الخمسة هي صاحبة نظريّة ربط النزاع مع إيران وتوتير العلاقات مع الخليج”.
وأشارت الصحيفة الى أن “الماكينة الإعلامية والسياسية للحريري تلقت توجيهات صريحة باستخدام القرار ضد السعودية ودول الخليج، وهذه التوجيهات لا يمكن تفسيرها إلاّ بأمرين؛ إن مصدرها سعد الحريري شخصياً، أو أن شخصيات مقربة منه أصدرتها ولم يردعها الحريري، ونتيجة الأمرين واحدة، فضلاً عن قيام هذه المكنة بتشويه سمعة كل شخصية محترمة ترشحت للانتخابات أمام حزب الله وحلفائه بذريعة أن سقوط الشخصيات المعادية للمجموعات الايرانية في الانتخابات ستفرض على دول الخليج التعامل مع الحريري ثانية”.
وحتى تخرج القوى السياسية من “صدمة” و”سكرة” الانتخابات وبلورة التكتلات والتحالفات في المجلس النيابي لإنجاز الاستحقاقات المقبلة، وأولها انتخاب رئيس جديد للمجلس النيابي ونائب رئيس وهيئة مكتب المجلس واللجان النيابية، ومن ثم تأليف حكومة جديدة لبدء عملية الإنقاذ، تستفحل الأزمات المختلفة وتستبد بالمواطن الذي لم يعُد يكفيه راتبه سوى صفيحة بنزين وقارورة غاز وبات عليه أن يحسب حساب ربطة الخبز التي بلغ سعرها 16 ألف ليرة أمس، ما ينذر بأزمة خبز حادة ستعم مختلف المناطق اللبنانية، بالتوازي مع أزمة محروقات وعودة طوابير الذل أمام المحطات، وتقنين قاس بالتيار الكهربائي، وأزمة اتصالات وانترنت قريبة كما بشر وزير الاتصالات، ما يرسم علامات استفهام عدة حول الجهات التي تتحكم بإشعال هذه الأزمات التي قفزت الى الواجهة دفعة واحدة فور انتهاء العملية الانتخابية؟ وما جدوى إجراء الانتخابات إذا لم تستطع القوى السياسية والحكومة والأجهزة الأمنية والرقابية والقضائية ومصرف لبنان من لجم سعر الصرف وضبط أسعار المحروقات والمواد الغذائية التي اشتعلت في “السوبرماركات”.
ووفق مصادر مطلعة لـ”البناء” فإن جهات خارجية تتحكم بالتطبيقات الالكترونية لتسعير الأزمة لغايات سياسية تتعلق بالضغط عشية الاستحقاقات المقبلة من رئاسة المجلس الى تكليف رئيس لتشكيل حكومة وتأليف حكومة جديدة. وتساءلت هل مطلوب خارجياً تشديد الخناق على لبنان والضغط الأقصى على المستوى الاقتصادي واستغلال بعض التغيرات على المجلس النيابي الجديد لصالح الفريق الأميركي – الخليجي لفرض أجندة خارجية تبدأ بفرض رئيس حكومة تريده واشنطن والسعودية مع عودة اسم السفير السابق نواف سلام الى سوق التداول؟ وهل سنتجه الى فراغ حكومي طويل في ظل التوازن النيابي الجديد؟ وهل يحتمل البلد هذا الفراغ في ظل الظروف الاقتصادية والمالية القاسية؟
وعزا خبراء اقتصاديون ارتفاع سعر صرف الدولار الى مجموعة من الأسباب:
تأثر سوق الصرف والسوق الاستهلاكي بحملة إشاعات حول اتجاه مصرف لبنان لوقف العمل بمفعول التعميم 161، وبالتالي تجفيف سيولة الدولار من السوق، ما سيرفع سعر الصرف الى ما فوق الثلاثين وأربعين ألفاً، والسبب الثاني تأخر مصرف لبنان عن فتح اعتمادات لشركات استيراد النفط والمواد الاستهلاكية وفق منصة “صيرفة” ما دفعها لشراء الدولار من السوق السوداء.
وتضيف المصادر أسباباً سياسية أخرى منها الغموض الذي يعتري المرحلة المقبلة عشية صدور نتائج الانتخابات التي أوحت بعقم سيصيب المجلس النيابي وفق تركيبته المبعثرة والمتعددة الاتجاهات والتكتلات، في إنجاز الاستحقاقات المقبلة لا سيما تشكيل حكومة جديدة وإنجاز القوانين الإصلاحية وخطة التعافي المالي ومتابعة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لتنفيذ خطة النهوض، فضلاً عن تحوّل الحكومة الحالية الى تصريف أعمال وما يعنيه ذلك من عودة الاحتكارات والفوضى والمضاربات ونشاط “الأسواق السوداء”.
وفي سياق ذلك، لفتت مصادر مصرفية الى أن “المبالغ التي تطلبها الشركات المستوردة للنفط بالدولار الأميركي يتم تأمينها وتسليمها للشركات، وبعض المبالغ المطلوبة يتم دفعها على مرحلتين من دون أن يؤثر بقيمتها سعر صيرفة”، ولفتت المصادر إلى أن “حجم الطلب على الدولار من الشركات المستوردة للنفط، أصبح هائلا، ويتجاوز المبالغ التي كانت تطلبها في المرات العادية السابقة، ما يطرح علامات استفهام كبيرة جداً”.
وغداة ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، انعكس على أسعار المحروقات والمواد الغذائية والخبز.
وحدّدت وزارة الاقتصاد والتجارة أسعار ربطة الخبز كالآتي: ربطة الخبز الصغيرة وزن ٣٨٨ غراما بـ٨٠٠٠ ليرة. ربطة الخبز الوسط وزن ٨٥٥ غراما بـ١٣٠٠٠ ليرة. ربطة الخبز الكبيرة وزن ١٠٩٥ غراما بـ١٦٠٠٠ ليرة.
وأوضحت الوزارة في بيان أن “الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات حتّم التسعيرة الجديدة لكونها تؤثّر مباشرةً في سعر إنتاج الطحين وفي كلفة إنتاج ربطة الخبز وكلفة النقل، الى جانب ارتفاع سعر القمح في الاسواق العالمية نتيجة الأزمة الأوكرانية”.
في المقابل نفذ اتحاد نقابات الأفران والمخابز في لبنان برئاسة علي إبراهيم اعتصاما أمس، امام وزارة الاقتصاد والتجارة بحضور رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر ورؤساء نقابات الافران من مختلف المناطق، احتجاجاً على عدم توفر الطحين المدعوم ولإعادة النظر بتعرفة الرغيف في ظل كلفة انتاج الرغيف. والتقى ابراهيم وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام وعرض معه للواقع الذي يمر به القطاع، لا سيما توقف عدد كبير من الأفران عن انتاج الخبز بسبب نفاد الطحين لديه، فأكد سلام أنه سيطرح الامر في جلسة مجلس الوزراء اليوم لاتخاذ القرار المناسب.
ودعا إبراهيم الحكومة الى “تأمين القمح اليوم قبل الغد وعلى رئيس الحكومة الإيعاز الى مصرف لبنان بفتح الاعتمادات المالية اللازمة للمطاحن المتوقفة عن العمل”.
بدوره، أكد نقيب أصحاب الأفران في جبل لبنان أنطوان سيف أنّ “أزمة الخبز حقيقية وسببها قلة وجود الطحين لدى المطاحن بسبب عدم دفع مصرف لبنان المستحقات للموردين في الخارج”. وأشار في تصريح إلى أن “البواخر أفرغت سابقاً من دون دفع ثمن القمح، والمطاحن لا يمكنها تسليم الطحين اذا لم يتم الدفع”. وقال “هناك 6 مطاحن متوقفة عن العمل وهناك أفران أقفلت فيما هناك ضغط على الأفران التي لا تزال تعمل وهذا يؤدي إلى انتظار مواطنين بالطوابير ونخشى من أن “يسفك دم”.
وسجلت أسعار المحروقات ارتفاعا اضافياً: بنزين 95 أوكتان: 559000 ليرة لبنانيّة، بزيادة 17000 ليرة. بنزين 98 أوكتان 569000 ليرة لبنانيّة، بزيادة 17000 ليرة. المازوت: 680000 ليرة لبنانيّة، بزيادة 65000 ليرة. الغاز: 408000 ليرة لبنانية، بزيادة 33000 ليرة.
ولفتت مصادر في وزارة الطاقة بحسب وسائل إعلام، الى أن “تواصلاً حصل بين وزير الطاقة والمياه وليد فياض والسفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، تضمن النقاش في ملف استجرار الطاقة الى لبنان”. ولفتت المصادر إلى أن “شيا أكدت أن بلادها داعمة لاستجرار الطاقة ولا تعرقله وستتواصل مع البنك الدولي لعدم وضع شروط جديدة على لبنان لتمويل المشروع».
النهار: لا انفراجات في الأفق أمام ولادة الحكومة الجديدة
أما صحيفة النهار أشارت إلى أنَّ انتهاء الانتخابات النيابية وافراز النتائج لم تكن عند مستوى طموحات البعض رغم اعلان كل الاحزاب الكبرى انها حافظت على حضورها وتمكنت من تثبيت مواقعها في البرلمان مع حصول خسارات لم تكن وقائعها سهلة، ولا سيما عند قوى 8 اذار. ولم يكن وصول 13 نائبا من المجتمع المدني او ما تُطلق عليهم تسمية “التغييرين” أمراً سهلا على جميع الأفرقاء بمن فيهم الذين يصنفون انفسهم في خانة “السياديين”، لأن “اللون الجديد” في المجلس لديه جملة من الملاحظات على الاداء البرلماني والحكومي بدءاً من “حزب الله” الى “القوات اللبنانية” وما بينهما.
وبعد اتمام الانتخابات وتوزع الكتل والمستقلين في ساحة النجمة لم تبدأ الاتصالات في شكل فعلي لرسم خريطة هيئة مكتب المجلس التي يسبقها انتخاب رئيس للمؤسسة التشريعية ونائب له.
ولا يبدو ان الامور تسير في الشكل السلس الذي درج عليه النواب المنتخبون في مطلع كل دورة، أقله منذ العام 1992. واذا لم يتمكن النواب من انجاز هذه العملية في موعدها يُخشى الوقوع عندئذ في ازمة لم يشهدوها من قبل، وستكون الاستشارات النيابية المقبلة اولى الضحايا لأن أي تأخير في نضج هيئة مكتب المجلس، سينعكس سلباً على امكان اطلاق عجلة الحكومة المقبلة وتأليفها والتي ستكون مرتبطة بانتخابات الرئاسة الاولى. ويحذر كثيرون هنا اذا ما طالت حلقات مسلسل الخلافات المفتوحة بين الكتل من دخول البلاد في أزمة حكم كان وزير العدل سابقاُ ابرهيم نجار اول من حذر من الوقوع في فِخاخها مع التوقف عند الآثار السلبية التي ستخلفها على المؤسسات وسيرورة الحياة اليومية للمواطنين. يحصل كل هذا تحت فضاء النظام اللبناني الذي يقوم على الليبرالية الحرة واحترام الاديان وفصل السلطات، ولا يتم توجيه انتقادات لهذه المندرجات وإنما انتقاد ممارسة النظام والحكم. وهناك فرق كبير بين النظام والحكم على قول نجار.
هل دخلنا في ازمة حكم؟
يقول نجار لـ”النهار” ان “هذه الازمة تتمثل في كل ممارسات الحكم من خلال رفض احترام فصل السلطات ومصادرة القانون ورفض تطبيق القوانين والالتفاف عليها، الى اقحام السياسة في القضاء ورفض التصدي للمشكلات الحياتية من خلال اصلاحات جوهرية في المؤسسات. وادت كل هذه المعطيات الى افلاس الحكم اضافة الى الدولة”. وعلى رغم هذه الصورة التي يقدمها نجار، إلا انه يصف المجلس الجديد بـ”الرائع والممتاز الذي يحافظ على الخصوصية بين الطوائف. وفي امكانه ان يفتح مجالات كبيرة في اعادة تأسيس الدولة نتيجة وجود ضمائر وافكار وتوجهات جديدة”.
ولماذا كل هذه الضجة التي تسبق انتخاب هيئة مكتب المجلس؟
يجيب: “لا يبدي الرئيس بري حماسة حيال سياسات التيار الوطني الحر، وهو يحتاج اليه ليحصل على رئاسة المجلس، وخصوصا ان نواب المجتمع المدني لم يقدروا ان يقترعوا تماشيا مع مفهوم الثورة الا اذا حل النائب ملحم خلف في نيابة رئاسة المجلس. وتبقى حظوظ النائب الياس بو صعب اكبر في احتلاله هذا المنصب. وانطلاقا من هذه المعطيات سيدخل المعنيون في تسوية مشتركة تؤدي الى انتخاب بري والاتفاق على اسم نائبه”.
ومن المتوقع حصول تسوية او تفاهم هنا مع “التيار” واستبعادها مع “القوات”، ولا سيما بعد كلام سمير جعجع في حق بري وتلميحه الى النائب المنتخب غسان حاصباني للحلول في موقع نائب رئيس المجلس، مع الاشارة الى ان زميله نائب الكورة المنتخب فادي كرم حصل على اكبر عدد من الاصوات التفضيلية من الناخبين الارثوذكس.
ويأمل نجار في ألا تبدأ “القوات” الدخول في اي انكسار بعد النجاحات التي حققتها في الانتخابات. وفي حال خوض “القوات” هذه المواجهة فلن تحقق نصراً سياسياً بعد حلولها في الموقع المسيحي الرابح والاول”.
وتدخل كل هذ الامور في الحسابات السياسية بين الافرقاء في انتظار آلية الانتخاب التي تتم على الشكل الآتي:
عندما يحدد بري (رئيس السن) الموعد يجب ان يحضر ما لا يقل عن 65 نائبا لافتتاح جلسة الانتخاب. والمادة 44 من الدستور لا تفرض نصابا في هذه الحالة اكثر من النصاب العادي، وهوالنصف زائد واحد. اي بمعنى انه اذا حضر الجلسة 65 نائبا واقترعوا يجب ان يحصل على المرشح على النصف زائد واحد من الاصوات بالاقتراع السري او بالغالبية المطلقة من اصواتهم. ولنفترض حضور هذا الرقم واقترع 60 منهم، يحتاج الى 31 صوتا من هؤلاء ويحصل هذا الامر في الدورة الاولى. اما في الثانية فيمكن تكرار تجربة الاولى، ولكن في الدورة الثالثة وعلى سبيل المثال، لو حصل مرشح على 15 صوتا ومرشح آخر على 17 يربح الأخير. ويفهم هنا انه لو حصل بري على اصوات النواب الشيعة الـ 27 فقط في السياسة، وهذا امر لن يحصل لجملة من الاسباب، لكن هذه النتيجة تمنحه الرئاسة الثانية. وتبنى النتيجة في دورة اقتراع ثالثة على الغالبية النسبية.
ولن يقتصر حصول بري على اصوات النواب الشيعة فحسب، بل سينال اصواتا مسيحية من غير العونيين و”القواتيين” وسيصبّ له نواب الحزب التقدمي الاشتراكي من دون سؤال. ويبقى هذا الحديث في لغة الارقام، لكن التسوية السياسية هي التي تسبق موعد جلسة الانتخاب، وعند الاتفاق على اسم نائب الرئيس تصبح مهمة انتخاب بري اكثر سهولة.
إنَّ أول ما يهم بري في الايام التي تسبق الجلسة هو تحضير المطبخ التشريعي وتبدأ نواته بانتخاب أعضاء هيئة مكتب المجلس، لكن رياح التصريحات النارية لا تؤشر معطياتها الى حصول انفراجات قد تؤدي بسهولة الى تعبيد الطريق امام الحكومة الجديدة، مع ترجيح “استيراد” تجربة العراق الذي لم يتوصل برلمانه بعد منذ ثمانية اشهر الى تأليف حكومة ولا الى انتخاب رئيس للبلاد.