كتب د . عمران زهوي | الحرب الروسية وتداعياتها والتكتيك الجديد
الدكتور عمران زهوي | كاتب وباحث في الشؤون الإستراتيجية
عام 1962 كانت ازمة الصواريخ الكوبية عندما نشر الاتحاد السوفياتي صواريخه في كوبا والتي تعتبر (الحديقة الخلفية)لامريكا،وبعد ازمة استمرت 14 يوما وبغض النظر عن التفاصيل، انتهت بالاتفاق: قام الاتحاد السوفياتي بازالة صواريخه من كوبا وبالمقابل الامريكي سحب صواريخه من تركيا.
لانها الحديقة الخلفية!!
الخط الاحمر والقاعدة الاساسية لدى الدول هي “الامن القومي “والذي يحتم على الدولة ان تقوم بما يلزم من اجل الحفاظ على امنها وكيانها وبقائها.
لذلك اليوم اوكرانيا تعتبر في داخل البيت الروسي وليس حديقه خلفية ككوبا،لان الحدائق الخلفيه لروسيا هي (اوروبا الشرقيه وبعض من بقايا الاتحاد السوفياتي)، حيث قامت امريكا وحلف الناتو بزراعة اهم منظوماتها الصاروخية والنووية في هذه الحدائق والذي شكل تهديدا وتطويقا لروسيا.
بعد ضم (اقليم الكريييم )والتي كانت صفعه مدوية لاوكرانيا وحلفائها ولقد حاولوا الضغط والتهديد لروسيا ولكن كل ذلك لم يجدي نفعا مع بوتين، وفي عام 2014 بداءت الحرب في اقليم الدومباس اذ قامت ما يسمى بكتيبة ازوف العسكرية والمؤلفة من يمينيين متطرفين وعنصريين ويهود بالاضافة الى النازيين الجدد والذين جمعوا من انحاء العالم وتم تدريبهم من قبل الامريكي وبعض الدول الاوروبية، فعاثت الكتيبة في الاقليم دماراً وقتلاً واغتصاباً وتهجيراً لاهل الدومباس حتى وصل عدد الضحايا اكثر من 18 الف، بعض المدن اصبحت خاوية تماما من البشر ولم يتبقى سوى الحجر واثار الدمار. فقامت الدونباس بالاستقلال واعلنت انضمامها الى الاتحاد الروسي مع العلم ان الروس والاوكران هم نفس العرق وهو (العرق السلافي) بالطبع لم ترضى كييف بذلك وكانت تحاول على مر كل هذه السنين الثمانية ان تستعيد (داينتسك ولوغانسك) اي الدونباس
كانت روسيا تراقب عن كثب كل ما يجري من امور تؤثر على علاقاتها مع كييف والتي بدأت بفصل الكنيسة الاوكرانية عن موسكو، الى المعامل البيولوجية ال30 والتي هي ممولة من الكونغرس وابن بايدن وبعض الدول الاوربية والتي كانت تحضر لحرب بيولوجية على روسيا وتحديدا متحورات كورونا والكوليرا وغيرها، بينما كان الاتهام موجه للصين. مع العلم ان كان هناك اتصال مهم بين بوتين وزيلينسكي انتهى بكلمة لبوتين (اذهب ودمر هذه المعامل والا سوف اقوم انا بذلك ) وهذا في شهر فبراير من عام 2020.والكلام والوثائق عن الطيور المرقمة المهاجرة، والمواقع النووية التي عثر فيها (يورانيوم نقي) وبعض المؤشرات لامتلاك قنابل نووية في ثلاث مواقع من اصل 5! مع العلم ان اوكرانيا وقعت على معاهدة بودابست بعد انفجار تشرنوبل. والذي لا يسمح لها بامتلاك قنبلة نووية.
منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وتحديدا على ايام الرئيس (يلتسن )كان هناك تعهد غربي بعدم ادخال اي دولة من بقايا الاتحاد الى حلف الناتو ولكن كالعاده الامريكي لا يوفي العهود.
لم يكتفي الامريكي وحلف الناتو من خلفه بنشر اسلحة مهددة لروسيا في بقايا الاتحاد السوفياتي واوروبا الشرقية بل كان يخطط لتفتيت روسيا واضعافها وكانت افغانستان وكازاخستان والناغورني كرباخ كلها محاولات باءت بالفشل الذريع.
فكان على بوتين لزاماً ان يقوم بعملية استباقية لضمان الامن القومي لبلاده من جهة ولتحرير الدونباس الذي ذاق قاطنيه الامرين. يكون بذلك فرض معادلة جديدة في العالم اي كسر احادية القطب الامريكية المسيطرة على العالم وليفرض نفسه لاعبا رئيسيا في العالم ليس بداية من سوريا مرورا بتركيا وافغانستان وافريقيا واسيا والتحالف الاستراتيجي مع الصين وايران ليقول للعالم، ان القيصر عاد ومعه امجاد وقوة الاتحاد السوفياتي الذي يحارب بالمباشر وليس كامريكا التي تحارب الروسي اليوم حتى اخر طفل اوكراني!!!!
قام بوتين بوضع استراتيجية عسكرية جديدة غير التي تدرس بالمدارس الشرقيه او الغربية، والتي باعتقادي ستدرس لاحقا في هذه المدارس العسكرية، بدايةً قام بوتين بجمع كل مكونات الدولة من امن قومي وجيش وداخلي والمخابرات وغيرهم ليسالهم عن استعداداتهم لساعة الصفر وان يعطي جهاز تقيمه واستعداداته وقدراته للحرب القادمة وكل ما يحتاج لضرب اوكرانيا.
عندها ذهب للخطوة التالية وهي جمع المجلس الاقتصادي واخبرهم عن العقوبات التي تحدثت عنها امريكا واوروبا تجاه روسيا لتقوم هذه اللجان بوضع خطة مواجهة وفرض ايضا عقوبات موجعه ايضاً.
بالعودة الى الخطة العسكرية الجديدة والتي كان ليتفاداها العالم والاوكراني على حد سواء بقبول طلب بوتين آنذاك الا وهو تعهد خطي من الناتو والامريكي بعدم ادخال اوكرانيا في حلف الناتو ولكن جنون العظمة والهيمنة ادى الى رفض بايدن.
التكتيك العسكري الجديد الذي اعتمده الروسي هذه المرة اختلف من حيث الكم والنوع والطريقة
فحسب كل المدارس الشرقية والغربية كل حرب تبدأ بضربة جوية ومن ثم اجتياح بري لاحتلال البلد المطلوب احتلاله والفوز بالحرب، اما ما غيره بوتين هو استبدال الضربات الجوية بالطائرات والاي هي عالية التكلفة وتبدأ تكلفتها من ال100 مليون دولار لتصل الى مليار دولار بصواريخ بالستية دقيقة ولا يمكن تعقبها من الرادارات لانها تخترق الغلاف الجوي وتصيب الهدف بسرعه عالية وبدقة متناهية فقام بالقصف الصاروخي واول صلية كانت مؤلفة من 2000 صاروخ نزلت على الاهداف العسكرية المحددة من مراكز قيادة الى تجمع الطائرات والمدفعية والرادارات والطائرات المسيرة (تحديدا التركية بيرقدار) ومن ثم الزحف من اربع جهات باتجاه كييف ليس لاحتلالها بل لتطويقها لانه يعلم ان حسب العقيدة العسكرية ان هناك 5 انواع من العمليات الهجومية (الجبلية(كافغانستان واليمن وغيرها) الى الزراعية،والغابات والمدن هي الاصعب لكل الجيوش لان المدن هي مقبرة الجيوش. وهو لا يريد حرب استنزاف من جهة بالاضافة الى عدم وقوع ضحايا في صفوف المدنيين والا هو قام بتحرير واحتلال تشرنوبل والتي لا تبعد سوي 30 كيلومتر عن كييف.
لذلك ولرمزية العاصمة كييف كانت الخطة تقضي بسياسة الارض المحروقة تمهيدا لاستسلام المدينة قبل دخولها ويعتقد في نهاية المطاف اذا قصف مراكز المياة والكهرباء ستصبح كييف مدينه اشباح بعد كل ما جرى وزحف المدنيين الى خارجها فستسقط دون اي مقاومة.
لذلك كان وما زال مطلب زيلينسكي بمنطقة حظر جوي وهذا ما لم يقدم عليه لا الناتو ولا الامريكي لانه يعني ذلك جرهم الى المعركة مع الروسي بالمباشر وهذا ما يخشونه فبقي الجو تفوقا روسي تام بالاضافه الى الكماشة الروسيه على كييف وكان لا بد من فتح ممر بري لوصل الدومباس (بالكرييم )عبر خيرسون ومن ثم ماريوبول لذلك اليوم (حلف البحر) الأطلسي لم يعد بإمكانه، ولم يعد قادرا على هزيمة “حلف البرّ” الاوراسي، وأنّ البوابة الاوراسية على البحر الأسود باتت محصّنة، كما هو حال البوابة الأوراسية على البحر المتوسط في سورية.. وانتظروا سقوط اوديسا وهذا سيعني ان بسقوط ماريوبول قد اغلق بحر آزوف لصالحه وسقوط اوديسا سوف يغلق البحر الاسود.آنذاك لا امريكا ولا الناتو ولا التركي سيكونون قادرين على التأثير على الروس وخططهم العسكرية القادمة. اذ سيكون شرق نهر دنيبر وبعض غربه تحت السيطرة الا اذا استمر بوتين بتكملة مخططاته الا وهي استعادة كل بقايا الاتحاد السوفياتي وتحديدا الذين انخرطوا بحلف الناتو كملدوفيا والبريبلطق وغيرهم. ومن يعتقد انه سيتوقف قبل انجاز المهمة يكون خاطئ جدا ولا يعرف بوتين وتاريخه.
بالعودة الى الشق الاقتصادي كانت العقوبات التي نزلت على روسيا والتي فاقت ال6000 الاف عقوبه امريكية واوروبية والغير مدروسة، والتي عادت بالويلات على اوروبا وامريكا. واما نظام السويفت والذي ظن الامريكي انه سيخنق الروسي باخراجه منها قام الروسي بتفعيل اولا نظام (المير) المصرفي الذي ينظم العلاقه بين المصارف الروسيه والخارج بالاضافه الى تفعيل نظامCPFS الذي كان بين روسيا والصين. ثم الطائرات التي احتجزت في روسيا عددها 800 طائرة منها فوق ال700 لاوروبا ،وبعد الحظر على الملاحة الروسية اصبحت هذه الطائرات بحكم الخردة وملك لروسيا وايضا يستطيع الروسي مطالبة الجانب الاوروبي بارضية عليهم، ولم يكتفي بوتين بذلك بل ذهب الى تأميم الشركات الاجنبيه التي لا تريد التعامل مع روسيا ومقراتها في روسيا،وكانت الضربة القاسية الا وهي الطلب من المستفيدين من النفط والغاز والفحم الحجري وغيره من الدول الغير صديقة الدفع بالروبل وقام بربط الروبل بالذهب (كل 5 الاف روبل تساوي جرام من الذهب)، حيث الواردات المادية اليومية هي حوالي 660 مليون دولار، وبعد وقف الغاز لبلغاريا وبولندا لتوقفهم عن الدفع سارعت عشرات الدول الى القبول بذلك مما يعني شراء الرويل من البنك المركزي الروسي اي يوميا حوالي 7 مليار روبل،او الدفع بالذهب والذي يعادل 11طن يومياً ، هذا سيجعل من روسيا تمتلك اكبر احتياطي من العملات الاجنبيه في العالم وسيصبح الروبل منافس للدولار واليورو
وكانت الضربة الذي قسمت ضهر البعير هي العرض الصيني لروسيا بان الصين على استعداد اخذ كل حصة اوروبا من الغاز الروسي وايضا الكلام الروسي عن فتح اسواق اسيا، اي ان ما ستكون عليه نتيجة الرد الاوروبي هناك اسواق بديله للروسي.
فكلما فتقت من قبل الامريكي والاوروبي كلما رقعها بوتين بشكل موجع عليهم، فالثلاثين دولة من حلف الناتو والامريكي لم يستطيعوا تركيع روسيا. ولن اخوض في الدعم العسكري من قبل الناتو والامريكي والذي لم يوقف الالة الروسيه العسكرية، ومن يعتقد ان بوتين سيتوقف عند كييف او اوكرانيا هو مخطئ فالرجل اتخذ قرار باسترجاع كل بقايا الاتحاد السوفياتي(ملدوفا والبريبالطق) لكي يكون الاتحاد الروسي الاقوى والمنافس للامريكي عالمياً بالاضافه الى الترقب الصيني لنتائج الحرب ليستعيد السيطرة على تايوان وهناك من يغرد خارج السرب الا وهو كوريا الشمالية، وانقلاب الهند والخليج كان مدويا وتحديدا السعودية التي انفتحت على روسيا والصين وعدم زيادة الانتاج في (الاوبك بلاس )،مما اضطر بايدن الى الافراج عن برميل نفط يومياً من الاحتياطي الاستراتيجي لامريكا ولمدة 6 اشهر ليحاول ان يستثمرها في الانتخابات القادمة!!! وحتى الدولة العميقه ممتعظه مما حصل وتعبر ان قرارات بايدين وفريقه ادت الى انهيارات للاقتصاد الامريكي. بالطبع هناك تداعيات على الاقتصاد العالمي في كل المجالات لان تصدير القمح والذرة والزيت وغيرها من مواد صلبه كالحديد وغيره والتكنولوجيا والوقود النووي كل ذلك سيضفي بظلاله على العالم وعلى امريكا واوروبا اكثر واكثر ، اذ زادت اسعار النفط والغاز وصل الى 1350$ لالف متر مكعب ما سبب بكار ثة في كل اوروبا وفي بريطانيا تحديدا فاليوم لا يستطيع المواطن البريطاني ان يدفع ثمن الغاز للتدفئة وللطبخ بالاضافه الى الكهرباء ايضاً!
نجحت امريكا في باكستان ولكنها فشلت في عدة دول مهمه للحشد ضد الروس، فكل ذلك يذهب بنا
بان اليوم فقط يمكن القول أن ولادة عالم جديد قد بات حقيقةً لا يمكن إنكارها أو طمسها أو العودة بها إلى الوراء.