كتب نبيه البرجي | سوريّون في المستودعات التركيّة
نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني
أولئك الذين راهنوا على من كادوا يقطعون لسان المغنية الشهيرة سيزين أقصو على أغنيتها «أن تعيش شيئاً رائعا» لأن ثمة اشارة ساخرة فيها الى آدم وحواء…مخيمات ادلب الآن بين أن تكون ثلاجات للموتى أو أن تكون مستودعات للخردة البشرية. هكذا تعلو أصوات بعض قادة الفصائل «ليست بنادقنا فقط التي صدئت. وجوهنا صدئت أيضاً».الشكوى من أن المسؤولين الأتراك «لا يكترثون باسئلتنا الى أين نحن ذاهبون. الحقبة التي كانت فيها العملة الخضراء تتناثر فوق رؤوسنا انتهت. المساعدات التي تأتينا بالكاد تكفي للقطط».لا سبيل أمامهم سوى الانتظار داخل الحلقة المفرغة. هذا ما ينسحب على المشهد العام في المنطقة . لمن الغلبة في الصراع الأميركي ـ الروسي؟ البيت الأبيض الأكثر تفاؤلاً ما دام يقاتل بجثث الآخرين. فخور بكون الديبلوماسية الأميركية (لا التكشيرة الأميركية) تمكنت من استقطاب الغالبية الساحقة من الدول للوقوف في وجه الدببة القطبية…حكومات عربية ترى في بايدن حالة زائلة. أكثر حماساً من اسرائيل في الرهان على عودة دونالد ترامب بعدما تكون حرب الشرق الأوروبي قد أنهكت القيصر مثلما أنهكت حرب القرم الكسندر الثاني، فكان أن باع آلاسكا الى الأميركي أندرو جونسون. اذ ذاك تفتح أبواب لبنان (وأبواب سوريا) أمام صفقة القرن التي تحدد المسار الاستراتيجي للشرق الأوسط على امتداد القرن .المسألة أكثر تعقيداً بكثير . فلاديمير بوتين يعني ما يقوله حين يلوّح بالخيار النووي. هنري كيسنجر لا يستبعد أن تتحول الكرة الأرضية، في أي لحظة، الى كرة النار. لذلك دعوته الى الرؤية البعيدة المدى للاحتمالات. حلبة الصراع هنا ليست في أفغانستان، أو في العراق، وانما على الحدود الروسية. بالأحرى عند أسوار الكرملين.الاعصار العسكري دفع بمفاوضات فيينا الى الظل. سنفونية يوهان شتراوس لم تعد تراقص ضفاف الدانوب الأزرق. القلق الصيني والايراني واضح مما قد تأتي به الحرب، لذلك كانت الخطوات الأخيرة حول «االاندماج الاستراتيجي» بين البلدين. القلق في تركيا التي على خطوط التماس. رجب طيب اردوغان في الرياض بدور النعامة لا بدور الثعبان.الترحيب السعودي كان لافتًاً. ما أثار ذهولنا قول محلل سياسي سعودي لقناة الجزيرة ألاّ مطامع اقليمية لتركيا كما هي الحال مع آيات الله. لسنا معنيين بتبرير سياسات ايران بالأثقال التاريخية والايديولوجية، وباللوثة الأمبراطورية، ولكن كيف لذلك المحلل (يبدو أن الصفة هنا مشتقة من الحلال والحرام) أن يغسل يدي الرئيس التركي الملطختين بالدم السوري، وبالدم العراقي، وحتى بالدم الليبي، وهو من كان يلوّح للأميركيين بقميص خاشقجي كي يزيح ولي العهد السعودي من مكانه؟المحلل تناسى كلياً لماذا نشر اردوغان دباباته في الجارة قطر، ولعله لا يعلم أن المنطقة بقيت أربعة قرون تحت النير العثماني في حين كان الأوروبيون، وكان للعرب دور محوري في خروجهم من الظلمات، ينتقلون، بالصناعة، والتكنولوجيا، والثقافة، من زمن الى زمن…اياه تغاضى كلياً عن «الاخوان المسلمين» كنيوانكشارية للنيوعثمانية، قبل أن تتهاوى مشاريعهم في دولتين مركزيتين هما مصر وسوريا، الى أن بدأ هاكان فيدان بالقاء قادة الجماعة من النافذة كما تلقى أكياس القمامة.طبعاً لايران مصالحها في المنطقة . ولطالما قيل أنها، وتحت العمامة، تستحضر في كل لحظة قوروش وداريوس وكسرى أنو شروان. ولكن هل يمكن أن يصل بنا العمى السياسي الى القفز فوق دعوة اردوغان الى تعديل مقررات مؤتمر لوزان (1923 ) لالحاق حلب والموصل بالسلطنة الجديدة، بعدما قدم الانتداب الفرنسي لواء الاسكندرون، على طبق من الفضة، الى كمال أتاتورك…تجاهل مطبق لكلام اردوغان عن السلالة العثمانية (والسلجوقية)، ومحاولة اقامة الكومنولث التركي كخطوة أولى لرسم حدود السلطنة عبر آسيا الوسطى، والى الداخل الصيني، وعبر القوقاز الى الداخل الروسي.الآن دور النعامة في البلاط السعودي. ولكن أليس من الأفضل لنا، كعرب، أن نرى بشار الأسد في الرياض، ومحمد بن سلمان في دمشق؟ آن الآوان لنأخذ بمنطق الأشياء، بقوة الأشياء…