كتب عمر معربوني | تقدير موقف | اليوم 47: احاطة لنتائج العملية الروسية ـ الأبعاد الاقتصادية (3)
عمر معربوني | كاتب وباحث في الشؤون العسكرية
ممّا لا شك فيه انّ الحصار المفروض على روسيا وحجم العقوبات غير المسبوق على كل المستويات سيكون له تداعيات على الدولة الروسية واقتصادها وهو ناتج طبيعي لأي دولة تخوض الحرب فكيف اذا كان الأمر متزامناً مع عقوبات وحصار لم تشهد له العصور الحديثة مثيل.
في المقابل لا يختلف إثنان على انّ العقوبات المفروضة على روسيا بدأت تظهر نتائجها العكسية على كل المنظومة الاقتصادية العالمية، وخصوصاً في القارّة العجوز أوروبا، الاّ انّ حجم التداعيات السلبية سيكون اكبر على الدول النامية ومن بينها الدول العربية في المشرق والمغرب بشكل خاص، إضافة الى تأثيرات سلبية في الحدود الدنيا على دول الخليج العربي نظراً لوجود احتياطات مالية ضخمة تمكّنها من امتصاص الأزمات وتجاوزها لكن بأكلاف كبيرة كما سيكون حال الأوروبيين.
وانطلاقاً من الوقائع يمكن توقع نتائج التداعيات على كل من روسيا والغرب كطرفين مباشرين في المواجهة والدول الأخرى كأطراف غير مباشرة.
على المستوى الروسي
1ـ التداعيات السلبية والحلول : يمكن ايجاز خسائر روسيا بسبب العقوبات على الشكل التالي:
ـ خسائر مرتبطة بتجميد أصول روسيا في الغرب وانخفاض في حجم الصادرات تعمل الدولة الروسية على تفادي تداعياتها عبر التصدير الى دول بديلة في حال تصاعدت وتيرة العقوبات ووصلت الى القطاع المركزي للإقتصاد الروسي وهو قطاع الغاز الذي تحتل روسيا المرتبة الأولى فيه وقطاع النفط والذي تحتل فيه المرتبة الثانية، علماً ان روسيا تمتلك 10 خطوط لتصدير الغاز والنفط باتجاهات مختلفة وخصوصاً الصين.
ـ خسائر مؤقتة في المدى المنظور والمتوسط في حجم الواردات الروسية من الغرب حتى تتمكن روسيا من إيجاد البدائل وهو ما تم الإنتباه له منذ عام 2014 جرت محاولات عديدة لإيجاد قواعد البنية التحتية المؤهلة لتصنيع البدائل علماً ان الأزمة في هذا الجانب قد تستغرق فترة قصيرة وبالتالي هي ازمة على المدى المنظور سيتم تجاوزها.
ـ خسائر قطاع النقل الجوي والبحري و قطاع السياحة حيث سيترتب على ذلك خسارة روسيا لمبالغ كبيرة بسبب اغلاق المجالين الجوي والبحري لأوروبا وأميركا امام حركة الطائرات والسفن الروسية وكذلك توقع انخفاض عدد السائحين الأوروبيين والغربيين الى روسيا بسبب العقوبات وسياسة العزل، وكذلك بسبب مغادرة العديد من الشركات العالمية الكبرى.
وفي هذا الجانب يمكن التأكيد على ان موسكو بدأت بإجراءات مضادة للحد من تأثير العقوبات وفي هذا الصدد كان لقرار الرئيس بوتين الدفع بالروبل الروسي ثمناً للغاز والنفط تأثير إيجابي وكان بمثابة رد مزلزل على العقوبات.
إضافة الى ذلك أكد رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، أن الشركات الغربية تتخذ قرارات بسبب “الضغط السياسي”، كذلك أشار إلى أن روسيا تعدّ مشروع قرار للحدّ من خروج قطاع الأعمال الأجنبي من روسيا، وقال: “في ظل العقوبات الغربية الحالية، يضطر قطاع الأعمال الأجنبي إلى عدم الاسترشاد بالعوامل الاقتصادية، بل واتخاذ قرارات تحت الضغط السياسي، لذلك تمّ إعداد مشروع مرسوم رئاسي لفرض قيود مؤقتة على خروج قطاع الأعمال الأجنبي من الأصول الروسية، وسيتم منعه من بيع الأصول الروسية، وأن الحكومة تعدّ مجموعة من التدابير رداً على العقوبات الغربية”.
انطلاقاً مما ورد بشكل موجز ومختصر لا شك ان روسيا ستعاني بنتيجة استمرار العرب والعقوبات وسيترتب على ذلك خسائر ترتبط ارتباطاً كبيراً في المدة التي ستستغرقها العملية العسكرية.
وفي التوقعات ان خسائر روسيا بسبب تكلفة العملية العسكرية مضافاً لها الخسائر الناتجة عن العقوبات في القطاعات المختلفة اذا ما استمرت المعارك لستة أشهر ستبلغ حدود الـ 600 مليار دولار وهي ارقام صادرة عن جهات غربية لا نعرف مدى مصداقيتها وتأثيرها خصوصاً انه لم يصدر عن الجهات الرسمية الروسية بعد اية ارقام يمكن الإعتماد عليها ومقارنتها بالأرقام الغربية.
التأثيرات السلبية الاقتصادية على الغرب
2ـ بداية حذّر اقتصاديون غربيون من ان العملية العسكرية الروسية ستؤدي حكماً الى ارتفاع حاد في نسبة التضخم وارتفاع كبير في أسعار السلع يمكن ايجازها على النحو التالي:
ـ كبير مسؤولي الاستثمار العالمي في بنك “كريدي سويس” مايكل ستروبيك يقول إن موجات الصدمة المنبثقة عن “الغزو الروسي” كانت بمثابة “فجر نظام عالمي جديد” للاقتصاد الدولي، حيث يمكن اعتبار ارتفاع التضخم وتقلبات الأسواق المالية أمرا مفروغاً منه.
ـ كما نقلت صحيفة “الغارديان” عن ستروبيك قوله: “لا يمثل “الغزو الروسي” لأوكرانيا سوى تحول بعيد عن النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة والغرب إلى حد كبير والذي ساد منذ سقوط جدار برلين.
ـ ارتفاع أسعار الغاز بنسبة 70% في حين ان سعر برميل النفط وصل الى 105 $ وهو اعلى سعر منذ عام 2014.
ـ نظراً لإعتماد أوروبا على الغاز الروسي بنسبة تتراوح بين 40 الى 100 % بحسب الدول فإن ذلك في حال توقف ضخ النفط الروسي سينعكس مباشرة على كل ما يرتبط بالإنتاج وسيؤدي الى ركود هائل وتضخم غير مسبوق.
ـ ارتفاع كبير في أسعار القمح والحبوب والزيوت خاصة ان روسيا وأوكرانيا يؤمنان اكثر من 25 % من حاجة العالم، بينما تصدر أوكرانيا 95% من انتاج الحبوب والزيوت لديها عبر البحر الأسود والمقرر بحسب المعلومات استكمال روسيا السيطرة على المياه الإقليمية لأوكرانيا على شواطىء البحر الأسود، علماً بأن روسيا تسيطر على على نصف شواطىء أوكرانيا على البحر الأسود إضافة الى مفاتيح الموانىء النهرية في زابوروجيا وخيرسون ونيكولاييف بينما يبقى ميناء اوديسا الذي يمكن محاصرته في حال لم تُستكمل العمليات باتجاهه، علماً انه يمكن ان يفقد جدواه في حال تمددت القوات الروسية لحوالي 70 كلم فقط شمال منطقة خيرسون بحيث يتم السيطرة على عقد المواصلات المرتبطة بالأراضي الزراعية الإستراتيجية الأوكرانية الواقعة شرق نهر الدينبر.
انطلاقاً من هذا الإيجاز أعلاه ولأن روسيا تمثل المنتج الأول للغاز، والمنتج الثاني للنفط ولأنها باتت تسيطر على بوابات الزراعة الأوكرانية التي تُسمّى بسلة غذاء أوروبا إضافة الى قدرات روسيا الزراعية ومفاتيح الموانىء سواء بالسيطرة المباشرة او بالحصار والعزل، فان قدرة روسيا على التحكم بمفاصل هامة في الاقتصاد العالمي قائمة، ويمكن القول ان العقوبات والإجراءات المضادة الروسية هي بمثابة عض أصابع لا بل معركة كسر عظم سينتج عنها بلا ادنى شك تحولات جيواستراتيجية ستؤسس لعالم جديد بغض النظر عن حجم الخسائر التي ستنتج عن هذه المواجهة.
خاص موقع العهد الإخباري