نشرها نارام سرجون | لماذا صرت على يقين من انتصار بوتين؟ نهاية نهاية التاريخ
يبدو اننا نعيش من اجل ان نصل الى اليقين … لايقين الموت بل اي يقين في الحياة والوعي .. يقين اننا نحب او نكره او ننتصر او نعانق الحرية .. وفي اي قضية لاتستريح قلوينا ولا ارواحنا الا عندما نمسك باليقين النقي فيها .. فلا شيء سيهدئ الروح الا امساكها بنقي اليقين ..
هذا اليقين هو ماكنت ابحث عنه في الحرب السورية وقد أمسكت به في الاسابيع الاولى وأحسست به ورأيته وسمعته يطمئنني رغما أن ضجيج العرب وعواء المعارضة وفحيح الغرب كان بغطي على كل صوت ..
اليوم نفس الضحيح والعواء والفحيح .. ونفس الكلاب ونفس الثعابين .. واذا كان في المعركة نفس المتقاتلين فانها استمرار وتكرار لحرب طويلة .. ولكنني أسمع بين كل ذلك الضجيج والصخب والدخان وصول النصر الروسي في اوكرانيا .. لمعرفة اختمالات النصر لاتستمع الى صوت الدبابات ولاتحصي الجنود ولا الطائرات .. وابتعد عن استعراض القنابل النووية .. فما يحسم اي حرب هم الناس أنفسهم .. فهزيمة العرب منذ نكبة فلسطين الى النكسة الى حروب الخليج كانت ان العرب كانوا دوما منقسمين … بعضهم ثوري وبعضهم ثري .. بعضهم متدين وبعضهم علماني .. بعضهم يريد فلسطين وبعضهم يريد نصف فلسطين .. بعضهم يريد الغرب وبعضهم يريد الشرق .. بعضهم شيوعي وبعضهم ذيل للغرب.. بعضهم يريد الماضي وبعضهم يريد المستقبل .. ولم يكن الهدف محددا .. وكانت ذروة التشطي في الربيع العربي .. حيث كل حارة وكل حي كان له اتجاه وقرار وهدف ..
أما في الحرب الروسية ضد أوكرانيا فان هناك تيارا روسيا جماهيريا ساحقا تمكن بوتين من استنهاضه والحصول على ولائه .. وتمكن من ان يحصل على تفويض روسي جماهيري لم يحصل عليه اي رئيس روسي منذ زمن ستالين ولينين ..
وقد تحدثت في الايام الماضية الى عديد من الروس ممن أتواصل معهم في روسيا وخارج روسيا .. ووصلت الى قناعة ان بوتين لم يتحرك الا عندما كان على يقين ان الشعب الروسي في غالبيته يؤيده ويسير معه .. وبعد ذلك تاتي أهمية الطائرات والدبابات والاسلحة الفتاكة .. ومافعله ليس مشروعا مغامرا ولا نزوة قائد منتش بالانتصارات وصار يهوى الحروب كجامعي اللايكات على السوشيال ميديا .. بل تفويض شعبي مطلق وحساب بلا سقف ..
الروس موحدون جدا في هذه المسألة وهناك طابور خامس كما في اي حرب وطنية .. الغالبية الساحقة من الروس تريد لبوتين ان يسحق المتطرفين في اوكرانيا .. وعندما تحدثت مع معارضين لبوتين كان معظم المعارضين يرون انه على صواب هذه المرة على الأقل .. فيما كان هناك متطرف واحد في كراهيته لبوتين الذي كان يشبه المعارضة السورية … كان نسخة طبق الاصل من اي معارض عقله مغلق واسمنتي .. فهذا المعارض يكره بوتين الى حد الموت .. كراهيته لبوتين في عظامه لأنه يرى انه مسكون بالعقد النفسية التي حكمته في طفولته .. وانه مريض نفسيا وان الغرب يفعل مايجب لوضع حد له .. ولكن هذا المعارض نفسه يعترف ان روسيا من غير بوتين كانت في حالة فوضى وفقر وعصابات وفساد .. ولكن بوتين اوقف كل ذلك واعاد تنظيم البلاد وأعاد للناس الامل والثقة بأنفسهم ووطنهم .. ولكن مشكلة بوتين في نظره انه ليس ديمقراطيا في رأي هذا المعارض الذي يسكن في الغرب ولايعترف بروسيته .. هذا المعارض الروسي يعيش في الغرب وهو يصدق الدعاية الغربية ويعتبر الاعلام الروسي دعاية بوتينية كاذبة .. وان على الغرب ان يقدم السلاح لاوكرانيا .. وعندما سألته ان كان سيأسف لقتل الجنود الروس قال انهم جنود بوتين (كما تصفهم الميديا الغربية وكما يصف الثورجيون العرب جيوش اوطانهم مثل جيش الأسد وجيش صدام وجيش القذافي) .. والمهم ان ننقذ المدنيين الاوكران من هذا الارهابي المتوحش .. وهنا سألته ان كان يشاركه الكثير من الروس هذه الرؤية فقال وقد بدا أكثر غضيا: لاأحد يحدثني الان .. الجميع قاطعني حتى المعارضون الروس في الغرب .. حتى معارضو بوتين العتاة .. قاطعوني .. لأننا نعرف ان اوكرانيا تجاوزت الحدود في اضطهادها الروس.. وصار المعارضون لبوتين يشتمونني على الفيسبوك كلما نطقت بكلمة أهاجم فيها بوتين .. لقد تحول بوتين الى اله في روسيا .. وكلما طالت الحرب زاد تقديس الناس له وولعهم به ..
من الواضح ان الروس عازمون على كسر عظم الاوكران المتعصبين النازيين .. وكسر عظم النظام العالمي القديم .. وكسر عظم اميريكا في اوروبا .. وان لاشيء على هذا الكوكب سيمنعهم من ذلك .. الشيء الوحيد الذي سيهزم بوتين هو الشعب الروسي اذا انقلب عليه .. وهذا مايحاول االميريكوين فعله عبر الضغط والدعاية السوداء .. ولكن هذا التغيير في الراي الشعبي الروسي مستحيل الى حد بعيد ويحتاج 15 سنة من المواصلة والمثابرة ليتحقق .. وعندها سيكون بوتين قد حقق مبتغاه وشق العالم حوله وأعاد تركيبه .. ومايدركه الاميريكيون ان هذا التأثير الاعلامي والاقتصادي الضاغط قد حاوله النازيون الالمان ابان الحرب العالمية الثانية عبر الحصار والافقار والتدمير وتدفيع الاثمان الباهظة في الحرب .. ولكن تبين أن عقلية الشعب الروسي في الحروب الدفاعية المصيرية عقلية لاشبيه لها .. انها عقلية كل شيء أو لاشيء .. اي النصر الناجز الكامل او الموت الكامل وليس انصاف الانتصارات .. ولاتتوقف الحرب الا بتحقيق كل اهدافها الروسية عندما تكون دفاعا عن مصير روسيا .. حتى انها تتحول الى عقلية انتحارية .. وهذا مايجعل الاميركييين يدركون انهم تأخروا لأن عملية تهشيم بوتين كان يجب ان تكون في فترات السلام والاشتباكات الباردة .. وليس في الاشتباكات الساخنة التي تجعل الروس ينظرون الى بوتين على انه هو روسيا .. وروسيا هي بوتين .. وبعد الحرب لكل حديث مقام ..
النصر الروسي سيغير العالم ويبدو ان نظرية نهاية التاريخ ماتت كما ماتت النظرية الماركسية التي ولدت يومها نظرية نهاية التاريخ .. ويبدو ان نهاية نهاية التاريخ ستكون في اوكرانيا .. فالحرب محكمة النظريات .. وفيها تموت او تعيش النظريات .. بل ان الحروب هي أنابيب اختبار النظريات .. ونهاية التاريخ بدأت نهايتها في ابوب اوكرانيا .. وستشيع الى مثواها الاخير قريبا .. وستوارى الثرى .. غير ماسوف عليها ..