كتب ايهاب زكي | الشمال السوري.. وحركة إفلاسٍ أمريكي
ايهاب زكي | كاتب وباحث فلسطيني
في ذكرى بدء الحرب الإرهابية على سورية باسم ما سمي “ثورة”، حدث احتفاءٌ غير مسبوق مما تُعرف بـ”قسد” بتلك الذكرى، وبمجرد رؤية رايات الإرهابيين جنباً إلى جنب مع أعلام ما تُعرف بـ”قسد” الانفصالية وذلك بحضور مندوب أمريكي، تدرك مباشرة أنّ تلك العادة لدى هؤلاء المنفصلين عن الواقع لن تتغير، وهي عادة تَعمُّد العمّى السياسي، وبالتالي الاحتراف المزمن للفشل.
إنّ الولايات المتحدة، التي تلهث للّحاق بالاستراتيجية الروسية في أوكرانيا، تحاول الافتئات على نتيجة الحرب الدائرة في أوكرانيا، وتتصرف على اعتبار القطع بالهزيمة الروسية، وليس فقط على اعتبار الانشغال الروسي، وبالتالي ذهبت باتجاه الجغرافية السورية، لتجعل منها أول مظاهر الهزيمة الروسية.
ولكن اللّافت في الأمر هو انصياع تلك الأدوات دون حتى اليسير من التدبّر، فلا يوجد عاقلٌ على سطح هذا الكوكب، يستطيع الركون إلى قدرة الولايات المتحدة على الحماية، فضلاً عن رغبتها بذلك، حتى الكيان المؤقت وهو الكيان الذي ترعاه واشنطن بأشفار العين، لم يعُد كثير الثقة بتلك المظلة، فكيف يستبيح أولئك الانفصاليون عقولهم أولاً، ومصير جماهيرهم ثانياً، بالتعويل والانصياع للرغبات الأمريكية؟
ولكن هؤلاء يبدو أنّهم استمرؤوا الفشل، فلا يستطيعون فهم السياسة إلّا باعتبارها صنوان الفشل، ويبدو أنّهم يحاولون كسب الوقت ولو على حساب مصائر أتباعهم، فالقضية بالنسبة لهم مصالح شخصية، ولو على حساب كل شيء، الوطن والدم والمصير.
ولكن الولايات المتحدة تدرك الهزيمة الأوكرانية، ولكنها تحاول تأجيلها قدر الإمكان، كما بالضبط أدركت هزيمتها ومشروعها في سورية، لكنها تفعل كل شيء لتأجيل إعلان ذلك الفشل، ومن ضمنه هذه الحركة الاستعراضية بحضور المندوب الأمريكي.
والحقيقة التي تدركها واشنطن أكثر من غيرها، أنّ العبث بالجغرافية السورية لم يعد متاحاً، ولكن يبدو أنّها لا زالت ترى في الانفصاليين ورقة قابلةً للمساومة، باعتبارهم قد يشكلون ضغطاً على موسكو من جانب، وعلى الدولة السورية من جانبٍ آخر، وكذلك يعتبرونهم مرتزقة لمناكفة أردوغان، والضغط عليه لناحية علاقاته بموسكو.
واليقين أنّ الانفصاليين يدركون ذلك، ولكنهم يتقبلونه عن سبق إصرار، وهذا الإصرار هو بالذات ما سيجعل منهم أبخس السِلع، أو لا يدركون وهذا ما يجعلهم كمن يُساقون إلى الموت وهم ينظرون.
إذا كانت الولايات المتحدة تلعب الشطرنج، فإنّ حركتها في الشمال السوري هي حركة جنديٍ هامشية على الرقعة، وهي قطع بلا قيمة، لا على السياسة ولا على القرار السوري، ولا على الاستراتيجية الروسية للمعركة في أوكرانيا، وما هي إلّا إفلاس أمريكي، سيزداد تجلياً كلما اقتربت معركة أوكرانيا من نهايتها.