كتب حيّان نيّوف | قراءة في فهم الصراع العالمي – سورية وأوكرانيا – وفقا لنظريات الكسندر دوغين و زبغينو بريجنسكي
حيّان نيّوف | كاتب وباحث سوري
عندما سئل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن موقع روسيا في العالم ، وهل هي دولة شرقية أو غربية كان جوابه ” أن العالم هو شرق روسيا و غرب روسيا” ..
أراد بوتين القول إن روسيا الاتحادية العظمى هي مركز العالم وقلبه ، وأن الشرق والغرب من حولها ويجتمعان فيها من غير أن يؤدي ذلك لالغاء الخصوصية الروسية ، بل على العكس فإن هذه الخصوصية الروسية إذا ما أضيفت إلى الجغرافيا السياسية الروسية فإنها تؤهل لروسيا لقيادة العالم عبر تحالف أورواسيوي ..
ليست الاوراسية وليدة اليوم فمنذ وصول بوتين للحكم أطلق مصطلح الاوراسية متأثرا بأحد أهم المنظرين الروس “الكسندر دوغين” الذي قيل فيه أنه “دماغ بوتين” وأنه أبو الاوراسية الجديدة ..
يرى “دوغين” أن المفهوم الاوراسي يمكن أن يشكل إطارا واسعا يمتد من أوروبا الى المحيط الهادى مرورا لاسيا الوسطى ووصولا إلى الجنوب باتجاه الصين ودول جنوب شرق آسيا ، والى الشرق الأوسط ، ويبحث دوغين في الإطار الجامع الاقتصادي والامني والإنساني وصولا إلى البحث عن إطار وطني مشترك لمواجهة الليبرالية الغربية ..
نشأ الاتحاد الاوراسي بدايةً من ثلاث دول ( روسيا و بيلاروسيا و كازخستان ) ثم انضمت إليه لاحقا دولتان هما ( أرمينيا و قرغيزستا ) ، وكان من أهم مقرراته إلغاء الرسوم الجمركية بين أعضائه ..
في السنوات الأخيرة حرص بوتين على طرح مفهوم الشراكة الأوراسية الكبرى من خلال الربط مع الجوار الأوراسي ، بداية ما بين اوراسيا ومبادرة الحزام والطريق الصينية ، وثم ما بين أوراسيا والهند عبر اتفاقية تجارة حرة ، وما بين الإتحاد الأوراسي ومنظمة شنغهاي التي انضمت لها إيران مؤخرا والتي يرى فيها كل من بوتين و دوغين ، دولة حليفة لروسيا ..
لا يخفي دوغين إعجابه بنظام الحكم الإسلامي الشيعي في إيران ، ويبدي ضرورة لتغيير التحالف القائم مابين بين الدول الإسلامية السنية في الشرق الأوسط وبين الأطلسيين الليبراليين ويتحدث عن حتمية انتصار روسيا في الشرق الأوسط لضمان استقرار الفضاء الأوراسي ..
في كتابه “رقعة الشطرنج الكبرى” يرى المفكر الأميركي وأحد أهم منظري السياسات الغربية “زبغينو بريجنسكي” أن تفجير اوراسيا والبلقان والتدخل بها لاحقا ، هو شرط لضمان استمرار التفرد والهيمنة الغربية لقيادة العالم ، وفي المقابل يرى دوغين أن الأوراسية لا معنى لها إن لم تضمن لنفسها امتدادا في كل من أوكرانيا و سورية منطلقا من أن هزيمة المحور الشرقي وتفكك الاتحاد السوفيتي في القرن الماضي كان انتصارا لحلف البحر الأطلسي على حلف البر السوفييتي ، وهو بذلك يولي الجغرافيا أهميتها في السياسة والصراع ، بل إنه يرى أن لا قيامة للأوراسية بلا جغرافيا البحار ، وبالتالي بلا اوكرانيا التي تضمن للأوراسية بوابة كبيرة على البحر الأسود ، وبلا سورية التي تضمن لها بوابة ثانية رئيسية على البحر المتوسط ..
في نظر دوغين فإن كلا الدولتين هما خطي الدفاع الأول والثاني عن الأوراسية التي لا يمكن قيامها بدونهما حتى لا يتكرر انتصار حلف البحر على حلف البر ، فالإنتصار في أوكرانيا بالنسبة للأوراسية هو عامل الضرورة الذي لايقبل خيارا اخر ، والانتصار في سورية هو البديهة الجيوسياسية التي لا تحتمل غباء استراتيجيا ..
ولذلك يقول دوغين حول أوكرانيا “لست ضد أوكرانيا السيادية، إذا كانت ستكون حليفنا أو شريكنا، أو على الأقل، أن تبقى في الفضاء المحايد ..لكن ما لا ينبغي السماح به هو الاحتلال الأطلسي لأوكرانيا…إن أعدائنا يفهمون تماماً أن روسيا لا يمكن أن تصبح عظيمة مرة أخرى إلا مع أوكرانيا..لا توجد طريقة أخرى.. الربيع الروسي يستحيل بدون محور أوراسي في أوكرانيا، بغض النظر عن الشكل، سلمي كان أم لا” ..
وحول سورية يقول دوغين “سورية هي الهدف الأبعد، ولكنه ليس أقل أهمية من أوكرانيا ، سورية هي خطنا الخارجي للدفاع” ….ولذلك رأينا أن الاتحاد الأوراسي تقدم بخطوة اقتصادية مهمة نحو سورية من خلال اعفاىها من 25% من الرسوم الجمركية التي تفرض على الصادرات إلى دول الاتحاد الاوراسي ..
بلا شك فإن كل من الرئيس بوتين ، ودماغه “دوغين” قد قرأوا رقعة الشطرنج الكبرى لبريجنسكي ، واتخذوا قرارات ووضعوا خططا لمواجهتها لضمان تحقيق الحلم الاوراسي ، هذا بدا واضحا في التدخل العسكري والدبلوماسي الروسي والحاسم في كل من جورجيا و القرم وكازاخستان ، وفي الشيشان وقره باغ وسورية ، وفي الملف النووي الإيراني ، وفي إقليم الدونباس شرق أوكرانيا وفي غيرها ..
إن الصراع ما بين الأطلسيين والأوراسيين كما يفضل دوغين وصفه وتعريفه ، يتنقل من ساحة إلى أخرى ومن ميدان الى اخر ، فالأطلسيون في كل مرة يخلقون أو يحاولون اختلاق بؤر للتوتر في قلب وعلى أطراف اوراسيا ، ليبادر الأوراسيون إلى مواجهتهم وافشالهم ، وفي ذات الوقت يجري العمل على التشبيك الأوراسي وفقا للظروف الخاصة بكل بلد مؤهل لدخوله ..
ومع وصول الصراع في كل من سورية وأوكرانيا إلى مراحل الحسم النهائي سواء بالدبلوماسية أو بالميدان ، لم يعد أمام الأطلسيين من ميادين قابلة للتفجير سوى الميدان التركي الذي يشهد غليانا داخليا يوشك على الإنفجار خاصة أن الجغرافيا التركية هي العامل الأهم في الربط ما بين جغرافيا البحر الأسود وجغرافيا البحر المتوسط ، وأن المحور الأوراسي يسعى جاهدا لاحتواء تركيا وأبعادها عن المحور الأطلسي .