كتب الدكتور حسن مرهج | حرية التعبير في سورية.. ضرورة لتجاوز الأزمة.
الدكتور حسن مرهج | كاتب وباحث سوري
بدايةً لابد من التأكيد، على أن الدستور السوري، قد صان حرية التعبير والاعتقاد، كما أن الرئيس السوري بشار الأسد، لطالما أكد في جُلّ خطاباته، على ضرورة احترام الدستور، ونوه دائما، إلى ضرورة أن يُشير السوريين، إلى مكامن الفساد، والإضاءة عليه، وتعزيز ذلك بالبراهين والأدلة، ولا ننسى بأن رأس الدولة السورية، طالب مراراً وتكراراً، بضرورة تعزيز ثقافة الحوار، والابتعاد عن الاقصاء والتخوين، وتوجيه تهم العمالة، إن لم تحظى تلك التهم على حجج مقنعة وبراهين دامغة، لِما لهذا الأمر من سلبيات تنعكس مباشرة على السوريين، وتحديداً في هذه المرحلة التي تمر بها سوريا.
هذه المقدمة تأخذنا إلى جُملة من الايضاحات، والتي تشكل في الجوهر والمضمون، عنواناً أساسياً للمشهد السوري، ودون ذلك المشهد، فإنه من الصعب تخطي تداعيات ما شهدته سوريا، لان الحوار وتقبل الرأي الآخر، يُعد ضرورياً لبناء سوريا من جديد، وهنا، لا بد من توضيح أن الحق في الرأي يختلف تماما عن الحق في التعبير، فالتوجه العقائدي والفكري والسياسي واعتناق النظريات والأفكار على اختلافها، يعد حقا في الرأي بصورة أقل، بينما يعد التدخل في صناعة هذا الآراء وإلزامها المجتمع والناس انتهاكاً صارخاً للحق في الرأي بصورة أدق وأعم، فالحق في الرأي هو حق الإنسان أن يتلقى آراء طبيعية نقية من التوجهات والصناعات المختلفة، ليبني على أساس حيادية الحق، حقه في تبني الآراء والإيمان بها، فتمام الحق في الرأي وسلامته من الشوائب، يوصل بصورة حقيقية إلى تمكن الفرد من حقه في التعبير عن رأيه، فيكون تمام الحق في التعبير صورة عن الحق في الرأي، والعكس صحيح، فلا حق في التعبير ما لم تتوفر شروط الحق في الرأي، لذلك يعد الحق في التعبير عن الآراء غير المتبناة، سيفاً ذا حدين، وحق التعبير عن آراء الغير ومناقشتها، واللبس الذي ينشأ من استغلال جزئية الحق هذا في قولبة الآراء والتدخل في صناعتها بصورة تمثل انتهاكاً صارخاً غير واضح، يمارس عن قصد وغير قصد من قبل مؤسسات وكيانات يفترض فيها حيادها الإيجابي، كمؤسسات الإعلام التي تتعلق بها وبحق الرأي والتعبير جملة من الحقوق أبرزها حرية الصحافة والعمل الإعلامي.
وبالتالي، فإن حق التعبير عن الرأي، والاعتقاد بأحقية قضية ما، إنما يأتي في الإطار المشروع، ولا يجوز في مثل هذه الحالات، أن يتم تخوين صاحب الرأي والقناعة، طالما أنه لم يتجاوز الحقائق إلى مغالطات تاريخية، توهن الشعور بالانتماء الوطني، وفي الحالة السورية، ثمة الكثير من الإشكاليات التي تنطوي على تلك الحقائق، فمثلاً، لا يجوز وتحت أي ظرف النيل من هيبة الجيش العربي السوري، وبذات القياس، فإنه لا يجوز النيل من هيبة رموز الدولة السورية وعلى رأس ذلك الرئيس السوري بشار الأسد، ومحدد ذلك، لا ينطلق من قدسية هؤلاء، ولكن لهؤلاء معادلات خاصة عند السوريين، وبذات الاطار، فإن توجيه النقد لمؤسستي الجيش والرئاسة، يجوز ولا ضير في ذلك، إن كان هذا النقد يأتي في الإطار العام الذي يساعد على تصحيح الأوضاع، وتقويم المسارات، أما النقد لمجرد النقد، فهذا يعد مسّاً برموز عامة السوريين.
في المقابل وكما ذكرنا، فإن التعبير عن الرأي، هو حق يكفله الدستور، وبالتالي، فإن الشخصيات العامة في سوريا، مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى، أن تُعطي قناعات صحيحة، لأن نسبة تأثر الشارع السوري بتلك الشخصيات كبيراً ومؤثراً، وهذا تماماً ما حدث مع الفنان السوري عباس النوري، والذي أدلى برأيه ضمن قناعات واقعية، ولم يتعرض لمقام الرئاسة ومؤسسة الجيش السوري، بأي مغالطات، بل على العكس، فإن النوري انتقد سياسات الدولة، ضمن إطار المنطقية والعقلانية، وهذا ما يطالب به الرئيس السوري بشار الأسد دائما، وبالتالي فإن الحملة التي شُنت ضده، نعتقد أنها جاءت ضمن اطارين، الاول استغلال تصريحاته ووضعها في سياق غير طبيعي، لضرب بنية المجتمع السوري، وتعزيز ثقافة الاقصاء، بين معارض وموالي، والأمر الآخر، ثمة كثيرون يحاولون الاصطياد في الماء العكر، وقلب الحقائق، بغية الظهور وتسلق موجة الدفاع عن الجيش والحزب والقائد، وهؤلاء ليسوا بحاجة إلى أن يدافع عنهم أحد، لأنهم رموز في وجدان السوريين، ولا يمكن المساس بهم.
ختاماً، أن حرية التعبير في سورية، مصانة دستورياً، وفي العمق، فإن سوريا اليوم أحوج ما تكون إلى ثقافة الحوار وتعزيز التشاركية، والابتعاد عن سياسة تكميم الافواه والاقصاء والتخوين، فهذا الأمر لن يساعد في علاج أزمات السوريين، بل على العكس، فإن تلك السياسات هي مطلب أمريكي، لزيادة الشرخ بين الشعب السوري وقيادته، وعليه، فإن سوريا اليوم، بحاجة إلى تعزيز ثقافة الحوار الوطني الشامل، للخروج من أزمتنا
الآراء الواردة في النص تعبر عن راي الكاتب