كتب عبدالله قمح | رواية إنقلاب فؤاد مخزومي على الحزب
عبدالله قمح | كاتب سياسي
إذاً، إختار النائب فؤاد مخزومي الإنقلاب على “حزب الله” في توقيتٍ مدروس، هنا، لا أحد يُناقش نائب بيروت في خياراته السياسية، “هو حرّ”، يتموضّع في المكان الذي يريحه، شأنه! لا مشكلة، إنما المشكلة تكمن أحياناً في طبيعة التكوين الفيزيائي للشخص وما تعكسه في السياسية.
يقول سياسي بيروتي محنّك في معرض تعليقه على مشهد المخزومي الحديث: “فؤاد لاعبٌ جيّد ويحاول الإستفادة من أي علاقة قدر المستطاع. لقد استفادَ سياسياً من الحزب وقبلهم السوريين على أعلى درجة ممكنة وحين فرغ إنقلب!”. يكاد المخزومي هنا يُشبه سمير جعجع بردّات فعله!
حين لاحت رياح الإنقلاب السعودي على سعد الحريري، قرأ نائب بيروت أن الزمن سيُطبق على وريث رفيق الحريري، وما هي إلا فترة وتصبح الأمور في يده، إذاً هو زمنه. قال في سرّه: “أنا الأحقّ بخلافة رفيق”. العبارة نفسها التي مثّلت نزعةً لديه واشتغل على تحقيقها منذ ما قبل أن توافي المنيّة الرجل. وفي ظل التقلّبات في الأزمة الحالية، إختار المخزومي إجراء إعادة تموضعٍ سياسي، تنقل حزبه “الهجين” من بلاط السلطة إلى ساحات الثوار، وهكذا كان.
لا بدّ للمخزومي أن يحتاج إلى عدّة، لذلك شرع في إطلاق يد جماعةٍ من الناس عبر مواقع التواصل الإجتماعي، أخذت تنظّر لـ”تغييرية الفؤاد” ومدى قربه من الثورة ونظافة كفّه وأنه يكره جداً تقديم أكواب “الشاي بالياسمين”! بريء من السلطة وإلى ما يشبه ذلك من شعارات، وقد تسلّحت لاحقاً بجيش جرّار من الحسابات المزيفة لتثبيت الحضور و “احتلال” بيروت إلكترونياً وتلميع الصورة، وفي مكانٍ آخر، كانت فرق محسوبة عليه “تندسّ” بين صفوف الثوار لإعطاء صفةٍ جديدة لـ”الزعيم و الحزب” لكن هل سأل أحد أين كان المخزومي ومن كان يُجالس في تلك الأثناء؟
قبل مدة، طلب نائب بيروت موعداً للقاء نائب أمين عام “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، فكان له ما أراد. درجت العادة أن تحصل لقاءات بينهما. أعاد بعدها الكرّة. ظنّ مخزومي أن الحزب في وارد تحديد موعدٍ له كمثل الأيام الخوالي، لكن الجواب أتى على عكس ما يشتهي. لم يكن صعباً على المخزومي أن يدرك أن أبواب الضاحية قد أُوصدت في وجهه لعدة أسباب هو يعلمها ومنها “الكلام الكبير” الذي كان يُطلقه وينعت مسؤوليها به. وعلى مبدأ “قبل أن يتغدوا بي هاتِ أتعشّى بهم”، بدأ المخزومي سلسلةً من ردات الفعل السياسية تجاه الضاحية كان قد استبقها وباشرَ بترتيبها سلفاً، وقد أفاده اشتداد الحماوة السياسية بين حارة حريك ودول الخليج ليصعّد ويُبازر، فلماذا لا يُسجّل له عند الأمير أنه أطلق سهماً؟ وعلى مبدأ “البزنس” ومستفيداً من حالة أفول الحريرية، أخذ يستثمر في خطابٍ عالي السقف تجاه الحزب، وصولاً لإطلاقه تهماً أن الحزب قد هدّده في منزله عبر مجموعة من “آل المقداد”، فلماذا وصلت الأمور إلى طريق اللاعودة بين الجانبين؟
عملياً، بدأت قصة علاقة فؤاد مخزومي بالحزب عام 2005 مع الخروج السوري من لبنان. قبل ذلك، كان رئيس حزب “الحوار” ضيفاً دائماً على القيادة السورية “وقت عزّها”، وكان عرّابه الوزير السابق ميشال سماحة الذي فتح له خطاً عند اللواء محمد ناصيف (أبو وائل) الذي كان حينذاك يُدير المخابرات العامة السورية. خلال تلك الفترة كان المخزومي كما الآن، يطمح لتولّي أدوار سياسية فبحث عنها في دمشق، تبدأ بالنيابة فتثبّته في بيروت رقماً حتى يغدو مشروع مرشحٍ لرئاسة الحكومة بعد حين، ولقد حكمته هذه اللعنة وما زالت.
مع مغادرة السوريين الأراضي اللبنانية بعيد إغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، تحوّل مخزومي في العلاقة باتجاه الحزب، باستشارةٍ وقف خلفها “العرّاب” ميشال سماحة، الذي كان يؤمّن “لقاءات عمل” في منزله كانت تجمع المخزومي بمسؤولين من “حزب الله”، ولاحقاً تطورت الأمور وأخذت اللقاءات الماراثونية تتمدّد لتشمل منزله فجعل من الحاج أمين شري وزميله محمود قماطي ضيوفاً دائمين. بقيت العلاقة على هذا المنوال، وكانت مرحلة 2006 مفصلية، حيث انضوى مخزومي في تقديم الدعم إلى المهجّرين من الجنوب إبّان العدوان، وفتح “مكرماته” على الحزب، الذي اعتبرها “ديناً” كعادته، فتبادر إلى ذهنه أن الحزب لا بد أن يُسدّد في نهاية المطاف.
إستمر الأمر على هذا المنوال حتى بلوغ الإنتخابات النيابية عام 2018. يقول مصدرٌ مسؤول عايش تلك المرحلة: “كان الحزب قد رتّب تفاهماً مبدئياً مع فؤاد مخزومي لخوض غمار الإنتخابات في دائرة بيروت الثانية سوياً إلى جانب الحلفاء الآخرين أمثال “التيار الوطني الحر” وحركة “أمل” وجمعية “المشاريع” و الحزب “القومي” وغيرهم، لكن دراسة وضعية الحواصل الإنتخابية، أظهرت مقدرة اللائحة على الفوز بـ5 حواصل فقط، وقد كمنت المشكلة في المقعد السنّي الثاني (مقعد المخزومي) الذي قد يصبح غير مضمونٍ وفي دائرة الخطر، فاختار الفريقان الإنصراف إلى تأليف لائحة ثانية”. الخيار كان بالنسبة إلى مخزومي إذاً تشكيل لائحة، وهذا ما حصل، وقد فتح له الحزب الضاحية، فدشّن مكاتب فيها ومارس نشاطاً إنتخابياً بحرية، وقد دام ذلك إلى يوم الإقتراع حيث رفده الحزب بنحو 3000 صوت شيعي لزوم تأمين حاصلٍ للائحة.
تعزّزت العلاقة مذذاك، وقد دخلت عليها علاقة “مميّزة” جمعت المخزومي برئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل، الذي وضعه على قائمته الخاصة للمرشحين المؤهلين لخلافة الرئيس سعد الحريري، وقد طرحه وزيراً في حكومة الحريري ما بعد الإنتخابات، لكن بدا أن الأمر صعب التحقّق نتيجة خيار الحريري تسمية جميع الوزراء السنّة، فوعد بمناسبةٍ أخرى وهو ما قاده إلى حجز مواعيد دائمة لدى رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” الحاج محمد رعد والشيخ نعيم قاسم.
بعد استقالة الحريري من رئاسة الحكومة عقب انتفاضة 17 تشرين 2019، تقدّم باسيل بطرح مجموعة خيارات إلى رئاسة الحكومة “من ورقته” التي تضمّ إلى جانب المخزومي أسماءً كـ”جواد عدرا”. عاد المخزومي إلى الحزب، فكان موقف الأخير أن خياره هو سعد الحريري وبالتالي ينتظر من يسمّيه سعد في حال رفض التكليف على اعتبار أنه صاحب الأكثرية السنّية وانسجاماً مع الموقف الشيعي الداخلي. في هذه الاثناء كانت فكرة تسمية حسان دياب قد بدأت بالتبلور فعاد مخزومي مبلّغاً الضاحية أنه جاهز لـ”تشكيل حكومتكم” أي حكومة “حزب الله”، حكومة اللون الواحد، فاستقال الحزب من الدعوة في ضوء الترتيبات المستجدة، وهو ما استقبله المخزومي بإنزعاج شديد أخذ يتحول في ضوئه لشخص ناقم إلى حين حصول انفجار الرابع من آب 2020 حيث أخذت التبدّلات تظهر عليه فمضى يُهاجم مسؤولي الحزب في مجالسه ومنهم الشيخ نعيم قاسم ويتهمهم بالخيانة!
الآن، يمكن القول أن المخزومي هو المُبادر إلى القطيعة. أصلاً، “حزب الله” كان قد “قطع له كرتاً” حين كانت ترد إليه مفردات أحاديثه، ويكاد يكون رئيس “الحوار” قد علم بذلك سلفاً. وتبعاً للتجربة، فجلّ ما يقوم به المخزومي حالياً عبر رفع سقف الخطاب بوجه الحزب، مردّه إلى محاولته إرضاء الأميركي والسعودي اللذين يعلمان بتاريخ نائب بيروت الباحث عن استثمارات أينما حلّ لتحصيل مكاسب سياسية، والحزب أخذ علماً بأنه ليس في وارد الردّ على المزاعم و الأقاويل والإتهامات، ليس لأنه “مش قاريه فقط” وإنما لأن دافعه هو الإنتقام، و “الهوبرة” في مقام الإنتقام لا يُعتدّ بها!
ليبانون ديبايت