كتب د . روبير بشعلاني | ” نخب المدن الثورية ” اقلية تسعى للإستبداد
الدكتور روبير بشعلاني | باحث لبناني مقيم في فرنسا
بمعزل عن الجانب الفولكلوري تحولت قضية “الجديد” من حيث المحتوى الى موضوع انقسام حاد بين نخب المدن على انواعها وبين قواعد القوى الاهلية او بعضها على وجه التحديد.
نخب المدن التفت غريزياً حول “الجديد” ليس فقط دفاعاً عن الجديد بقدر دفاعها عن شعاراتها وقيمها وثوراتها. وحصل الفرز الكامل بين الطرفين حتى في صفوف اولئك الذين حاولوا لبعض الوقت ان يتميزوا قليلا.
على اي حال فقد اتضح من خلال هذا الفرز ان نخب المدن وكامل تلفزيوناتها لا تزن شيئا امام “التماسيح” وجمهورها.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ههنا هو من اين تستمد هذه النخب إذن هذه القوة لكي تتحدث بهذه النبرة العالية ؟
اهي شجاعة الغبي ام قوة الجالية الاجنبية المستندة الى دولتها الخارجية التي تنفخ في الثورات من اجل السلاح كما قيل امس.
السردية المطلبية والثورية لا تكتسب مصداقيتها الا اذا امتلكت الجمهور ، واصحابها لا يمكنها ان تعنتر الا اذا كانت “السلطة” عارية ولَم تعد تمتلك اي حاضنة شعبية كبيرة. غير ان الوقائع على الارض تثبت العكس ،فعدا لسانهم الطويل تشكو النخب من قصر يدها من الناحية الشعبية مقابل قرابات قوية الجماهيرية.
وعدا عن ان هذه الوضعية لا تمنح للنخب اي مشروعية ( مجرد اقلية تسعى للاستبداد) ، فإن ذلك يدفع للشك بوجود موضوع ثوري من اساسه. فالثورة ليست ثمرة افكار تنضج في رأس النخبة فلا ثورة بلا جماهير ثورية.
الامر الذي يقودنا الى ان الصراع هو بمكان اخر وهذا المكان عينه الامريكي بدقة واعلنه عدة مرات.
وعليه فإن صراعاً هذه طبيعته يجعل من الذي يصوب على احد اطرافه شريكاً للطرف الآخر بالضرورة، وعى ذلك أم جهله، طمس ذلك بعناوين جذابة للنخب أم اعلنها جهاراً.
الصراع صار واضحاً والخنادق واضحة وبمواجهة الهيمنة لا يوجد الا الموقف الوطني. المثقف يكون وطنياً او اداة بيد الهيمنة.
اما طمس الصراع الاساسي بمواضيع لا نفاذ لها ولا جمهور، فهو لعبة الهيمنة التي اضحت اكثر من واضحة.
بالاخير انتهى الجميع بالتمترس حول اولوياته التي تعكس انتماءاته الاجتماعية.
اما تحدي المجتمع واستفزازه من قبل طاقم الجديد فليس عفوياً ولا بريئاً بل هو استجابة لخطة تستهدف شد عصب نخب المدن بعد فشلها المتكرر وخيباتها وهجرة قسم كبير منها.