كتب سامر كامل فاضل | سليماني القائد الاستثنائي في ذكرى استشهاده الثانية
سامر كامل فاضل | كاتب وصحفي سوري
عندما نريدُ التحدّثَ عن الشهيد القائد قاسم سليماني، فلا نرى أبلغ من لغة الصّمت حتى لا نشعرَ بالتقصيرِ في التعبيرِ عن هذا الرجل الاستثنائي، فجميع الأقلام تبحث عن مفرداتٍ في كل اللغات لتقفَ عند وصفٍ يليقُ بهذا القائد الفذّ، لتجدَ أنّ شخصيتهُ تجاوزت كلّ المفردات.
إنّه الشّهيد قاسم سليماني الذي وُلدَ ليكون مشروع شهيدٍ، ومؤسسَ مدرسةٍ نضاليةٍ بل نهجاً تقتدي به كلّ شعوب المقاومة وحركات التّحرير في العالم، نهجاً رسّخ فينا لغة التّضحية والشّهادة في سبيل الأرض والعرض، ونزع من عقول شعوبنا فكرة قوة الجيش الصهيوني الذي لا يُقهر.
أصبح قاسم سليماني رجلاً استثنائياً حين دخل وجدان حركات المقاومة بفكره من قائدٍ إيرانيٍ يتولّى تنسيق العلاقة بين قوى المقاومة والجمهورية الإسلامية في إيران، ليحمل فيما بعد صفة المستشار والخبير في قيادة المعارك الميدانية على جبهات المقاومة التي خَبِرَ ظروفها وتمكّن من معرفة مقدّرات كل جبهةٍ على حدى وخصوصيتها، بدءً من جبهة القتال ضد العدو الصهيوني في فلسطين المحتلّة إلى جنوب لبنان واليمن وصولاً إلى مواجهة المشروع التكفيري الإرهابي في سوريا والعراق، منطلقاً من جدليّة قتالِ هذه الجبهات في مجموعة معارك منفصلة، لكّن الحربَ واحدةٌ والعدو واحد متمثّلاً بقوة الشّر الأميركية وذراعها الصهيونية وما يتبعهم من أدواتٍ عربيةٍ في المنطقة.
لم يتغيّر اتجاه البوصلة يوماً لدى الشهيد قاسم سليماني والتي كانت وجهتها دائماً فلسطين المحتلّة وتحرير القدس الشريف، ومن هنا جاءت تسمية فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي الذي كان يقوده، لما لديه من قناعةٍ راسخةٍ بأنّ كل ما يجري في المنطقة من أحداثٍ وحروبٍ، يعود بأصوله وجذوره إلى وجود هذا الكيان الغاصب المحتل لأرض فلسطين الطاهرة، فأصبح قائداً تاريخياً للشعوب والحركات النضاليّة وقدوةً لهم، وجمعَ بين النظريّة والممارسة مترجماً بأعلى حالات التضحية مفهوم الثّورةِ التي أصبح رمزاً لها بالبعد العابر للقوميات والوطنيات، ليتّخذَ من قضية المواجهة مع مشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة عنواناً له، فكان رجلاً تجسّدت فيه خصال الأولياء والشهداء والقديسين.
لقد شكّل استشهاد القائد قاسم سليماني قبل عامين زلرالاً إقليميّاً ودوليّاً لم تتأخّر إيران في الرد عليه عسكريّاً ومعنويّاً، امّا عسكريّاً فكان في قصفِ قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق بالصواريخ من إيران، لنشهدَ صمتاً أمامَ هذا الرّد لم نعهدهُ سابقاً في تاريخ الجيش الأمريكي، وأمّا الرّد المعنوي على اغتيال الشهيد فهو ما رأيناهُ من خروجٍ مذلٍ للأمريكيين من المنطقة بدءً من أفغانستان إلى العراق و قريباً سوريا، ليعرف الأميركيون لاحقاً أنّ الشّهيد سليماني كان موجوداً في كل الساحات في أفغانستان وفلسطين واليمن والعراق وسوريا، مؤسساً مع القيادات العاملة فيها لهذا الخروج المذلّ لهم.
وقد أقدمت إيران بعد اغتيال الشهيد سليماني على جملة من الخطوات والإجراءات المعقّدة في الميادين المتعدّدة والمتباعدة جغرافيّاً، لتضعَ الأمريكيين في المنطقة بين خيارين أحلامها مرّ، فإما الحربُ التي لا قدرةَ لهم على خوضها، أو الانسحاب الذي رأيناه في أفغانستان و العراق وقريباً في سوريا، ليُصبحَ الشهيد سليماني شوكةً في حلقهم حتى بعد استشهاده.
إنه الرجل الاستثنائي الذي لا يتكرر
الرجل الذي بكاه الإمام الخامنئي دام ظلّه بألمٍ وحرقةٍ تدلّ على عظمةِ هذا الرجل الذي امتلك شخصيّةً متعدّدة الجوانب و واسعة الأفق وكاريزما خاصّة أدهشت العالم.
رحِمَ الله الشهيد قاسم سليماني، وعزاؤنا الأكبر بوجود عشرات بل مئات القياديّين الذين يحملونَ فكرهُ ويمتدّون على مساحاتِ الأوطان في محور المقاومة المنتصر لا محالة.