الأمة السنيّة يا اسماعيل هنية؟!
نبيه البرجي | كاتب وباحث لبناني
لكي ندرك مدى المسافة (الضوئية) بيننا وبين القرن، بيننا وبين التاريخ، بيننا وبين العالم، هذا كلام لزعيم ثوري يقاتل لازالة الاحتلال، الاحتلال التوراتي، لبلاده. اسماعيل هنية قال في مقابلة أجراها معه علي الظفيري على قناة «الجزيرة»:»نحن جزء من … الأمة السنية»! الآتي من مدرسة ايديولوجية ترفع شعار «الأسلام هو الحل»،أحاطنا علماً بأن هناك أمة سنيّة، وأمة شيعية، وأمة درزية، وأمة مارونية، وأمة كاثوليكية، وأمة أرثوذكسية. استطراداً «أمة يهودية». غريب أن اليهود وحدهم لم يبعثروا الله بين الخنادق، أو بين المذاهب. ربما كانت هناك تباينات في تأويل بعض المسائل الميتافيزيقية، ولكن دون حدوث أي تصدع لاهوتي أو حتى طقوسي… على كل، سبق لعدنان خاشقجي الذي قتل، حسبما تردد، بأيد سنيّة، وكتب في جريدة «الحياة» أن الشرق سني، لا مكان للآخرين الا كجاليات طارئة، والا كأهل ذمة يفترض بهم أن يكون رعايا الدرجة العاشرة. «الحاخام» مئير كاهانا كان يرى في العرب كائنات ما دون البشرية. قد تكون سقطت سهواً من سروال يهوه…
الظفيري وقد حاور بعض المفكرين العالميين الذين يحفرون في الزمن، للوصول الى ما بعد الزمن، صدمنا بالسؤال عن حالات تشيّع قي غزة. ارتبك هنية وقال «ان المسألة قيد المعالجة باعتبار أن لكل من السنّة والشيعة، الههم الخاص، ونبيّهم الخاص، وقرآنهم الخاص».
هذا ما يحدث في سائر المجتمعات العربية والاسلامية. محمد أركون لم يحذر فقط من ارتداء عباءة الشيطان. حذر من الذوبان (الأخلاقي) في الشيطان.
لندع أدونيس يقول، ونشاطره القول، هذه أمة آيلة الى الانقراض، وحيث زال كل أثر للعقل في رؤية الله وفي رؤية العالم. الأميركي روبرت كاغان بلغ به الازدراء حد القول اننا ملأنا «ذلك الشرق المقدس حيناً بالدماء وحيناً بالوحول».يا لقداسة أميركا!! حين ينشغل الآخرون (وقد جزم فقهاؤنا الأفاضل بأنهم من أهل جهنم)، بالبحث عن لقاحات للكورونا، ولكل مشتقات كل تلك السلالة المجنونة، وحين ينكب علماء منهم على مطاردة الأمراض السرطانية، وحين يفتشون عن أي أثرللحياة على أي كوكب آخر، بعدما بدا أن الكرة الأرضية شاخت،أو هي في طور الاحتضار بسبب الاختلال الذي أحدثته البشرية في التوازن المناخي، ننهمك نحن في تأجيج الصراع بين السنّة والشيعة. وهذه باتت بضاعة العديد من رجال الدين الذين دمروا الجوهر الالهي، والجوهر الانساني بالتأويل الزبائني للنص.
نعود الى ما قاله المؤرخ اليهودي اسحق دوتشر، في كتابه «اليهودي واللايهودي»،حول ما دعاها»العبقرية اليهودية»،وقد عزاها الى كون اليهود عاشوا على تخوم الحضارات وفي داخلها.
هكذا وصف دافيد بن غوريون مفاعل ديمونا في النقب بـ»هيكلنا الآخر»،وهكذا رأى حاييم وايزمان في معهد التخنيون (المعهد الاسرائيلي للتكنولوجيا) الذي بوشر العمل فيه عام 1924،على أنه الدليل القاطع على «أننا ندرك المعنى الحقيقي للحياة».وايزمان الذي كان عالماً، وأختير أول رئيس للدولة بعد رفض ألبرت اينشتاين تولي المنصب، وصف العرب بالقبائل التي لا تعرف كيف تعيش ولا تعرف كيف تموت.
لكن هذه هي نظرية «الاخوان المسلمين»الذين ثمة من يجاريهم على الضفة الشيعية التي لا تخلو من أولئك الذين كرّسوا ثقافة التفرقة، وثقافة التكفير (تابعوا الشاشات الصفراء من لندن وغيرها)، ودون أي اعتبار للتسونامي الحضاري، وللتسونامي التكنولوجي، الذي قد ينقل الانسان الى ما بعد الانسان.
المشكلة أننا ندخل القرن، وكما قال محمد الماغوط، مثلما تدخل الذبابة الى غرفة الملك. على الأقل تنظر الذبابة بدهشة الى كل ما يحيط بها. من زمان فقدنا حتى المعنى الشاعري للدهشة…