إسرائيل تضعف
تحسين الحلبي | باحث فلسطيني مختص بالشؤون الإسرائيلية
عند صياغة أول «عقيدة أمن إستراتيجية إسرائيلية» في أعقاب حرب عام 1948 حدد ديفيد بن غوريون، أول رئيس حكومة، الأساس الوحيد الذي يضمن وجود هذا الكيان ومستقبل استمراره وهو «التحالف الدائم مع القوة الكبرى العالمية التي تضمن بقاء الدولة وتدعمها من دون توقف» وكانت بريطانيا وفرنسا معاً في بداية الخمسينيات هما اللتان تشكلان هذا الأساس الإستراتيجي ثم هزمتهما مصر عبد الناصر مع إسرائيل في العدوان الثلاثي المشترك الذي شنوه عام 1956 على مصر ودفعوا ثمن الهزيمة بانسحابهم من الأراضي التي احتلوها في غزة وسيناء.
ومع بداية الستينيات أعد رئيس حكومة إسرائيل ليفي أشكول زيارة رسمية للولايات المتحدة في عهد رئاسة ليندون جونسون وكانت من 1 حتى 3 حزيران عام 1964، وهي أول زيارة رسمية لرئيس وزراء إسرائيلي إلى واشنطن وأول قمة رسمية مع رئيس أميركي، علماً أن بن غوريون لم يقم بزيارة رسمية منذ نشوء هذا الكيان، بل كان يقوم في الخمسينيات وحتى عام 1961 بزيارات لجمع التبرعات وتنظيم دعم اليهود الأميركيين، ولكن ليس بموجب دعوة رسمية لعقد قمة مع الرئيس الأميركي.
وشكلت زيارة أشكول في ذلك العام بداية تغيير الضامن الأساسي لوجود إسرائيل من بريطانيا إلى الولايات المتحدة، التي أصبحت الوصي والضامن الأميركي والداعم بالأسلحة الأميركية هذه المرة. ونتيجة لهذا التحول كانت حرب حزيران 1967 هي أول حرب أميركية تستخدم فيها واشنطن إسرائيل ضد مصر وسورية والأردن، وبعد مرور 57 سنة على زيارة أشكول والتحول الذي دشنته، يرى الكاتب السياسي الإسرائيلي آري شابيط في تحليل نشره في صحيفة «ماكور ريشون» العبرية في 23 من الشهر الجاري تحت عنوان: «حان الوقت لكي يفهم الإسرائيليون أن أميركا أصبحت أبعد لهم من السابق»، يرى أن التطورات في العالم والمنطقة، وبداية ضعف النفوذ الأميركي، بدأت تضع العلاقات الأميركية الإسرائيلية أمام مستقبل سلبي غير مسبوق، ويضيف في مقاله إن «الإسرائيليين تعاملوا مع العلاقات مع واشنطن خلال جيلين وكأنها علاقة بدهية دائمة، لكنها في وقتنا هذا ونحن بحاجة لها لمواجهة خطر وجودي حقيقي يهددنا، لم تعد كالسابق».
ويكشف شابيط أنه سأل قبل سنوات معدودة أحد المسؤولين الإسرائيليين المختصين بالشؤون الإستراتيجية: «ما هو أكبر خطر إستراتيجي يمكن أن يهدد إسرائيل في القرن الحادي والعشرين»؟ فقال له بعد تفكير: «إن ما يحرمني من النوم هو الخطر الإستراتيجي الذي لم نشهده بعد، وهو الخوف من أن نستيقظ في صباح يوم ما ونكتشف أن صلاحية حلف أشكول – جونسون الذي تمتن حتى عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قد انتهت صلاحيته، فإذا خسرنا أميركا، سيصبح وضعنا سيئاً وشديد المرارة، والتطورات الجارية في أميركا غير مشجعة، فخلال عقد من السنوات ومن بعده عقد آخر وسنة تلو أخرى، بدأ الوضع يتسبب بتآكل في أسس الشراكة التاريخية بيننا وبين الولايات المتحدة والتي قام عليها الأمن القومي الإسرائيلي».
ويؤكد شابيط ما ذهب إليه ذلك المسؤول الإسرائيلي بتحليله لمضاعفات هزيمة واشنطن في العراق وأمام إيران وسورية وانسحابها الأخير من أفغانستان، وعدم تعويلها على نفط المنطقة بعد اكتشافاتها لنفطها الأميركي وتصديره، وعدم نجاحها في أحسن الظروف بالسيطرة الكاملة على الشرق الأوسط، ويعترف في تحليله بأن «الدلائل على هذا التدهور الأميركي يراها الإسرائيليون في هذه الأيام حين يجدون أن الرئيس الأميركي جو بايدن يرفض الحديث مع رئيس الحكومة الإسرائيلي نفتالي بينيت منذ ثلاثة أسابيع، علماً أن المكالمة الهاتفية التي جرت بين بينيت ووزير الخارجية الأميركي توني بلينكين، كان قد أبدى فيها بلينكين توبيخاً لبينيت» ويعقب شابيط: «لم تشهد هذه العلاقات تدنياً على هذا النحو منذ أيام وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر في عام 1991 حتى حين تعكرت علاقات الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، كان أوباما لا يمتنع عن الحديث مع نتنياهو» ويكشف أيضاً أن «واشنطن لا توافق عملياً على الموقف الإسرائيلي الرافض لأي اتفاق أميركي مع طهران في الموضوع النووي، وأن مصادر أميركية أعربت عن تحفظها العميق من عمليات الموساد ضد طهران في الموضوع النووي، وأن واشنطن امتنعت عن تزويد إسرائيل بطائرات تزود الوقود للطائرات في السماء، وأن هناك فجوة كبيرة غير مسبوقة بهذا الحجم في العلاقات، وهذا ما يجعل التهديد الإستراتيجي الذي تجاوزته إسرائيل في الماضي يطل الآن بشكل أكبر خطر في هذه الأوقات».
ويدعو شابيط إلى استيقاظ الإسرائيليين وعدم فتح طريق يجعل إسرائيل وحيدة في الشرق الأوسط.
في واقع الأمر ما يزال مستقبل استمرار وجود إسرائيل مرهوناً ببقاء أميركا كدولة كبرى، وأقوى من بقية الدول الكبرى، وهو ما لم يتحقق لها ولن يتحقق في السنوات المقبلة، وستكون النتيجة الطبيعية أن من صنع إسرائيل وساعدها على البقاء حتى الآن أي بريطانيا وفرنسا ثم أميركا، وهي القوى الكبرى الاستعمارية تاريخياً، بدأت قوتها في هذه الأوقات تتآكل وستتآكل معها بالتالي قوة إسرائيل أمام تصاعد قوة محور المقاومة ودور التحالف الروسي الصيني في رسم سياسة جديدة لهذا العالم.