الأهداف الأمريكيةوالدور الروسي،وأين تحصل المقايضات؟
اسماعيل النجار | كاتب وباحث لبناني
إنَّ إرتفاع منسوب حرارة الِاشتباك السياسي الأمريكي_ الصيني_والروسي، حَول القضايا الإستراتيجية التي تخص المِحوَرَين، تجاوزَت منطق الحوار إلى الترجمة على الأرض، وبدأَت تأخذُ شكلاً عسكرياً متباعِداً بالوكالةِ، وبالمباشرة أحياناً في أماكن عِدَّة من العالم،إذتأخذُ طابع العراضات العسكرية.
لكنّ صفيح الأرض ترتفع حرارته بشكلٍ تدريجي وملحوظ في العالم أجمَع، ولا أحد يستطيع التَكَهُّن بما سيحصل، لو أُفلِتَت الأمور من عِقالها في مكانٍ ما؛
وخصوصاً في أوكرانيا أو بحر الصين الجنوبي، جَرَّاء الحركشَة الأمريكية واللعب بالنار، في الخاصرة الشرقية للدب الروسي وفي بحر الصين على تخوم تايوان.
إنَ إستنفارموسكو،وإعلان حالةالتأهب القصوَىَ في أسلحتها الإستراتيجية النووية غير التقليدية، والإعلان عنها،
وحشد ما يقارب المِئَة ألف جندي على حدود أوكرانيا، إنما يَدُل على جدِّيَة القيصر بإشعال نار الحرب وإحتلال أوكرانيا، في حال صَمَّمَ الناتو على الِاقتراب من حدودهِ، محذراً الناتو من تجاهل تحذيراته.
الصين هيَ الدولة الوحيدة التي لَم تَتَّبِع أُسلوب المقايضات مع الولايات المتحدة الأمريكية،وهيَ تخوضُ حرباً اقتصادية شَرِسَة مع واشنطن، لاتهاوُن ولا مهادنَة فيها، وتُتَرجَمُ على الأرض من خلال محاولات واشنطن المستَمِيتَة لقطع الطريق أمام بكين، حتى لا تنجح في إنجاز خطوط سِكَك الحديد لطريق الحرير، الذي يربط بلادها بأكثر من مئَة دولة في العالم بشكلٍ آمِن جداً،بهدف الِاستغناء عن حركةالملاحة البحرية المُهَدَّدَة أمريكياً، والتي تبلغ تَكلفَة الشحن عبرها،أضعاف سعرالنقل على سِكَك الحديدالحريرية.
أمامع روسيا،فالأمر مختلف تماماً،حيث يشعُر بوتين أنه لا بُد من المقايضة مع واشنطن، من أجل الِاستمرار بحَد أدنىَ من العلاقة الجيدَة بين البلدين، وتخفيض منسوب التوتر على كل الجبهات.
في أوكرانيا روسيا لن تقدم تنازلات ولَن تسمح للناتو بتجاوز الخطوط الحُمر، حتَّى لَو وصَل الأمر إلى إشعال فتيل الحرب واحتلال أوكرانيا بالكامل.
إنما في ليبيا وفي سوريا، فإنّ الأمر مختلف كثيراً،إذ أنَ هناك لا يوجد أي مانع لدىَ موسكو، للأخذ والعطاء مع واشنطن، بشرط ضمان مصلحتها الإستراتيجية؟
فواشنطن هيَ التي ساهمَت مساهمَة فعّالة في دخول تركيا إلى سوريا، بعد دخولها هيَ رسمياً للمشاركة،كما زعمت في الحرب على الإرهاب، وهيَ التي تُنَسِق مع القوات الأمريكية في شرق الفرات عبر الخط الساخن، مما يَدُل على الِاعتراف الروسي بتواجد القوات الأمريكية على الأرض السورية، رغم التصريحات التي تصدُر عن روسيا، وتطالبها بالجلاء عن الأرض السورية،
وهيَ التي لَم تمنع إسرائيل من قصف أهداف عسكرية ولوجستية لحلفائها ضمن الأراضي السورية!وهيَ الدولَة العُظمَىَ المؤثرَة التي تمتلك النفط والغاز، ولا يستطيع أحدٌ أن يمنعها من مساعدة حليفتها سوريا، ولَم تُحَرِك ساكناً في هذا الأمر، ولَم تقُم بتقديم هذه المساعدة للشعب السوري المُحاصر، والذي يعاني من فقدان مادَّتَي الغاز والبنزين والمازوت،حتى
قامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بكسر الحصار،وبِمَد يَد العون لسوريا، وجلب النفط والغاز، رغم أنف قانون قيصر وأصحابه.
وبينما تخوض الحكومة السورية حرباً ضروساً ضد الإرهاب، وعينها فقط على ما تَبَقَّىَ من أرض مُحتَلَّة تسعى لتحريرها،تواجهُ على المقلب الآخر، احتلالاً أمريكياً وتركياً لأرضها،تسعى لإنهائه بمساعدة حلفائها بكل الإمكانيات المُتآحَة، سلماً أو حرباً.
دِمَشق تُدرِك جيداً أن أمريكا ستحاول جَر موسكو للمقايضة على انسحابها من سوريا، لذلك كانت قرارت دمشق حاسمة،أبلغتها لجميع الأفرقاء،مؤكِّدةً أنها جادَّة بإتخاذ كافة الإجراءآت العملياتية لتحرير أراضيها، وأنها لن تسمح بالمساومة أو المقايضة عليها، وأن سيادتها ليست للبيع أو الإيجار، وأنها مصممة على السير في معركة التحرير والقضاء على الإرهاب، حتى لو بلغت التَكلُفَة عشرة أضعاف ما دفعته خلال سنوات الحرب العشرة الماضية.