المنطقة على صفيح ساخن
جعفر خضور | كاتب سوري
بادئ ذي بدء، لطالما تُفرد التحليلات السياسيّة في سطورها عن العلاقات السوريّة – الإيرانيّة الكثير، ويختلف توصيف نوعية العلاقات حسب توجّهات كل مُحلل أو رؤيته البعيدة فيها. ألا أنَّ العلاقات بين الدولتين منذ ما بعد ثورة إيران الإسلامية، التي مثّلت النقطة الفاصلة، كانت قد تنامت ووضعت النقاط على الحروف وفق رؤى مشتركة شكّل عنوانها الأهمّ التعاون والصداقة والتحالف في وجه المخططات الصهيو – أميركية في المنطقة منذ ما بعد الثورة في إيران، وما بعد حرب تشرين في سورية.
حيث رأت “إسرائيل” وقتذاك أنَّه لا بُدَّ من تعويض خسارتها بعد سقوط الشاه المدوّي الشريك الأمثل لها ولأميركا، الخسارة التي تجسّدت بعدم جعل إيران شرطي الخليج وأداة لمصادرة النفط عبر الشاه لصالح بريطانيا والقوى العُظمى، في حين أن أبرز أسباب دعم ثورة إيران من سورية هو كره تحالف الشاه مع “إسرائيل” وتبعيّته لأميركا.
ولا يحتاج المحلل وكاتب الرأي إلى الغوص كثيراً في التاريخ لفهم العلاقة بين الطرفين، إذّ يكفي مراجعة الموقف الإيرانيّ خلال الحرب على سوريّة على المستوى النظري، وتقديم كافة أشكال الدّعم العسكري، والسياسيّ، والميدانيّ عبر إرسال كبار المستشارين والقادة من الحرس الثوري الإيراني إليها، وتشكيل غرفة عمليات حلفاء سورية والمركز الاستشاري فيها، والدعم المالي المادي لأفراد القوات المسلّحة، والذي تكرّسَ على المستويين العمليّ والإجرائيّ.
انطلاقاً من العَرض السابق، بدى لافتاً التحرّك السياسيّ الحارّ تجاه إيران في الأيام القليلة الماضية، في الوقت الذي تخوض فيه مفاوضاتها، ما يشي بجملة من الحلول يكون موضوعها التوافق والتفاهم بين القوى المؤثّرة، عبر الوسطاء، وبنتيجة أولى مرجوّة وهي الاقتصاد.
زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لإيران، والذي حملَ معه فيها رسالة خطّية من الرئيس بشار الأسد تتضمن دعوة الرئيس الإيراني رئيسي لزيارة دمشق، والتقى فيها بكبار المسؤولين الإيرانيين، الذين اجمعوا على دور سورية المهمّ في محور المقاومة، وتأكيد الدعم اللامتناهِ لها خلال الحرب وما بعدها، وضرورة تنمية التعاون الثنائي الشامل، والتأييد السوري لمحادثات فيينا.
تأتي هذه الزيارة في سياقٍ مُهم ترجمته العديد من التحرّكات السابقة تجاه دمشق، وحتى اختلاف في التعاطي “التكتيتي” لا “الاستراتيجي” المتقلّب من الإدارة الأميركية التي سلّمت بفشل حربها على سورية، وإن كان الوضع الاقتصادي ما زال يُلقي بتبعاته السيئة على الشّعب السوري.
إضافةً إلى الوقت الّذي تمتلك فيه إيران العديد من أوراق القوّة، سواء في “مفاوضاتها بـ فيينا” التي عكست الإرباك الأميركي الواضح والذي يحاول “الإسرائيلي” استغلاله لصالحهِ. أو من خلال جبي فوائد في الوقت الّذي يُحتمل فيه فشل هذه المفاوضات بالرغم من موجات التفاؤل التي اعترتها، رغم وضوح المطلب الإيرانيّ وهو رفع الحظر والعقوبات ما يعني الإفراج عن ٢٠٠ مليار دولار، فوائد تتمثل في مد التواصل الاقتصادي مع الخليج ولا سيما الإمارات بعد التأكيدات من الطرفين بعد الزيارة الإماراتيّة لإيران على ضرورة التعاون، أي التعويض في مجال العلاقات بما يخصّ الاقتصاد فيما لو لم يكتب النجاح للمحادثات، وهي ورقة “الجوكر” لسببين:
الأول: تأكيد فشل العقوبات الأميركية على إيران عبر هذه العلاقات الاقتصادية، وإن كان لهذه العقوبات دورٌ سلبيٌ واضحٌ في عرقلة الصادرات النفطية لحدٍ ما، وهو ما أكّده الرئيس الإيراني مؤخراً بقوله أن الحكومة لا تربط الاقتصاد والخبز والأوضاع المعيشية للشعب بطاولة المفاوضات النووية.
والثاني المرتبط بالأول: استثمار عوائد العلاقات بدعم اتفاقية الشراكة الصينيّة – الإيرانيّة مطلع العام المُقبل والتي تشمل 450 مليار دولار للاستثمار في إيران مقابل النفط، لمدّة ربع قرن، والأمر الآخر في العلاقات مع سورية عبر تأسيس مصرف مشترك بين البلدين، ورفد الصناعة فيها، وهو ما بدى واضحاً خلال المعرض المقام على أرض دمشق في الأونة الأخيرة.
تماشياً مع ما تم ذكره، وبالعودة للساحة السورية لا شكّ أنَّ الزيارة تأتي في إطار اقتراب موعد الجولة المُقبلة من اجتماع الدول الضامنة روسيا، إيران، تركيا. على أرض العاصمة الكازاخية نور سلطان، والتي أُرجّح لحدٍ كبير، زيارة الرئيس الإيراني لسورية قبل موعدها المُقرر بين يومي الـ 21 و الـ 22 من كانون الأوّل الجاري، ومن المفترض أن تكون جولة حاسمة رغم تنصّل التركيّ من التزاماته فيها، في ظل توترات يعيشها “أردوغان” وأهمها الاقتصادية المتعلّقة بالليرة، وتصاعد ضرب القوات الأميركية أماكن تواجدها، ورغبة “قسـد” في الحوار مع دمشق وإن لم تكن جامحة بعد اجتماعها مع الروسيّ، وربما رؤية إماراتية قدّمت لأردوغان بعد الزيارة وتقديم المال له، بلملمة جراحهِ وقصر نفوذه مع الجيران ومنهم سورية.
خلاصة القول.. أنَّ المنطقة على صفيحٍ ساخن تُسدل بتحركاتها الوثّابة الستار على ظلامية الحرب، وأبرز نتائج هذه التحركات، هو القلق “الإسرائيلي” الواضح في تحليلاتهِ ووسائل إعلامه بعد التقارب الإماراتي – السوري، والإماراتي – الإيراني، وخصوصاً أنّه كان قد بنى معها علاقات في سبيل إنجاح “ناتو عربي” و “تحالف” ضد إيران في المنطقة، والمراوغة الأميركيّة التي تنمّ عن بحثها على تكتيكات أخرى في الشرق الأوسط بعد سقوط أحد أقوى مشاريعها الشرق الأوسط الجديد، “الفوضى الخلّاقة” لإغراق سورية، والتفرغ من بعدها لإيران تتلوها الصين، مراوغة تعبّر عن الألم الأميركي الذي تبيّن واضحاً في فرض وزارة الخزانة لعقوبات جديدة على مؤسسات سورية وإيرانية، تطورات مهمّة تشي بتحسّن تدريجيّ يجب أن يرافقه تغيّرات سياسيّة موائِمة تضبط العمل وتوجهه.