خط الرياض- بيروت: مقفل.. حتى تغيير الديكور
محمود بري | كاتب وباحث لبناني
بات واضحاً أن استقالة الوزير جورج قرداحي لم تّثمر سوى… إرضاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من دون أن تحقق أي إنجاز أو حتى حلحلة على مستوى التوتر السعودي حيال لبنان. المعنى أن الاستقالة لم تُنجز ما كان البعض يتوقعه من جرّائها، وبالتالي فقد خسرت الجمهورية المزيد من ماء وجهها من دون جدوى… ومن دون مبالاة، كالعادة.
الأنسب أخذ الحقائق المستجدة التي باتت واضحة، بعين الاعتبار، كلّما كانت الأزمة اللبنانية الراهنة على طاولة البحث. فالرياض اليوم، وهذه إحدى الحقائق، لم تعد في وارد السير بأنصاف الحلول مع لبنان كما كان دأبها في السابق. هذا ما ينبغي ألا يهمله الناشطون على خطوط تدبّر الحل الذي يعدون به على مستوى إصلاح ذات البين مع الرياض وبقية الخليج. فالأداء السياسي الذي بات يعتمده وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان عموماً بعد إحكامه قبضته، وما يتصل منه بشأن علاقة المملكة مع لبنان تحديداً، ليس وليد حادثة بعينها بقدر ما هو سياسة شاملة جرى وضع أقانيمها الجديدة بعد مراجعة طويلة وعميقة امتدت على مدار أشهر طويلة، وتجلت خلا أشهر التطبيع الخليجي مع العدو الإسرائيلي. وفي ما يخص الشأن اللبناني منها، فهذه السياسة هي التي أفضت مما أفضت، إلى “إبعاد” الرئيس سعد الحريري عن الواجهة، تمهيداً لـ”كفّ” يده عن التصرّف باسم الطائفة… اللهم إلا. وهذا بحث آخر له سياقه المستقل.
إنما قبل المضي بعيداً في متابعة السياق، يُستحسن التوقف عند الأسباب التي دفعت بالرياض إلى عزل رجُلها في لبنان، وهو مواطنها أساساً وإبن مواطنها الذي كان المفضّل عندها على امتداد مرحلة طويلة.
فما الذي “ارتكبه” الحريري الإبن بحق المملكة، أو قصّر فيه، أو امتنع عن تأديته (تنفيذه)، حتى أفقد السعودي ثقته به ورهانه عليه، ودفعه إلى إزاحته؟ ما الذي كان ينبغي على سعد الحريري الإقدام عليه، ولم يُقدم (…)، ما “اضطر” بن سلمان، بدايةً، إلى معاقبته، سواء بما قيل عن اختطافه له والاستعانة بإعلامية لبنانية لإخفاء آثار العملية وتصويرها على محمل مختلف وإيجابي… أو في ما بعد بإقفال مصالحه الاقتصادية في المملكة ومحاصرته مالياً، وصولاً إلى الوضع الحالي الراهن لرئيس “المستقبل” العازف حتى اللحظة عن فتح سيرة الإنتخابات النيابية وحتى عن العودة إلى لبنان، تاركاً لبعض الشخصيات المستقبلية (التي لا تمثّل شيئاً من دون الحريري) أن تمارس عملية رسم خطوات (مُتخيّلَة) لسعد على طريق النشاط السياسي والإنتخابي في البلد، ببينما هو بعيد في الخارج … وربما في وارد آخر (!).
من الطبيعي الافتراض أن السياسة السعودية المستجدة حيال لبنان، والتي أفضت حتى الآن إلى إقصاء من استمتع طويلاً بلقب “الزعيم السنيّ الأول” في البلد، هي ذاتها التي منعت تقديم أي دعم أو أيّ سعي لإخراج الجمهورية العمومية (ليس تشبيهاً بالمرأة العمومية)، من عنق الزجاجة. فهكذا مهمه تتطلّب ما هو أكثر بكثير من تدخل الرئيس الفرنسي ماكرون ومناصرته الحماسية لوطن الأرز.
علينا أن نعلم أولا ما الذي أوصل الرياض إلى “اليأس” من الرئيس الحريري، والإتكاء بالتالي على سمير جعجع… وإلا فسوف نكون كمن يعمل على نقل الماء بالغربال.
مع كل هذه التعقيدات التي لا يصعب فهمها في النهاية، والأحاديث المتزايدة عن حلول جماعية لمختلف المشاكل الكبيرة التي تستعر في المنطقة، والضربة الكبيرة التي يّقال أنها باتت وشيكة هنا… والتي ربما جاء “تأجيل” مفاوضاته فيينا انتظاراً لإنجازها.
مع كل هذا، من يمكنه الاستماع إلى أي حديث عن انتخابات مقبلة خلال أشهر…!