ماكرون والتقسيم واسباب فشل أي حل سياسي
ناجي امهز | كاتب وباحث لبناني
منذ عام 2019 وانا اقول انه لا يمكن ان تشكل حكومة في لبنان، وهذه الجملة لا اقولها، لان الشعب رغم فقره وكثرة مشاكله، او الساسة وعلى علة غالبيتهم في لبنان لا يريدون حكومة، بل لان الدول الكبرى ومن يدور بفلكها لا يريدون حكومة في لبنان.
اولا: ان الدول الكبرى هي التي حافظت على منظومة الفساد في لبنان وقامت بحمايتها ورعايتها ودعمها ونفشها ومنحها اكثر من حجمها، وهذه الدول هي التي سهلت وسمحت للمنظومة الفاسدة بنهب الشعب اللبناني وافلاس الدولة، فما من قرش اخرجته منظومة الفساد من لبنان الى اي بنك خارج لبنان، ولا عقار تم تسجيله بهذه الدول بأسماء شخصيات لبنانية الا وكان بموافقة الدول الكبرى، فالدول الكبرى لا يمكن فيها نقل الاموال او تحويلها دون مراقبة صارمة للغاية، لذلك عندما يتم ايداع اي مبلغ في هذه البنوك الكبرى وهو لشخصية لبنانية او عربية يتم الاستحصال على موافقة مسبقة، او اقله تعريف بان هذا الشخص لا يبيض الاموال او يتم استخدامها بتمويل الارهاب، وتنطبق ذات الشروط على شراء العقارات.
ثانيا: ان سبب حماية هذه الدول لمنظومة الفساد هو تحويلها الى دمى، تستفيد منها بالموافقة على تنفيذ كافة الاملاءات تحت تهديد مصادرة أموالهم بالخارج وفضحهم بحال اعترضوا، ولكن بما ان ما تقوم به منظومة الفساد وحده لن يؤدي الى انهيار لبنان واذلال الشعب اللبناني، وجعله ينقلب على الحزب المستهدف الأول من كل ما يجري خدمة للعدو الإسرائيلي، كان هناك مشروع يقوم على قدم وساق وهو تجفيف مصادر الأموال التي تدخل البنوك اللبنانية، والتي كانت بغالبيتها من المغتربين، وأيضا من بعض الصادرات إضافة الى كميات كبيرة من الأموال التي كانت تتدفق على لبنان من سوريا والعراق وحتى من دول الخليج، من هنا وضعت العقوبات، وملاحقة المتمولين، وانخفضت التحويلات من الخارج الى لبنان، وضرب القطاع السياحي، ثم انفجار المرفأ الذي كان يشكل عصبا حيويا لإمداد لبنان بالعملة الصعبة، بالمقابل كان هذه الدول تقوم بالإيعاز الى منظومة الفساد بإخراج الأموال من لبنان الى البنوك الكبرى وتسمح لهم بشراء العقارات، تمهيدا للحظة مفصلية ينهار فيها كل شيء.
ثالثا: بما ان هذه الدول تعلم كمية الأموال الموجودة في البنوك اللبنانية، اكثر من القيادات اللبنانية نفسها ومن الشعب اللبناني، كانت تحسب بدقة كل دولار يخرج من لبنان، وعندما حان التوقيت المنتظر، انهار كل شيء، واصبحنا ما نحن عليه اليوم، وكل ما يجري وجرى هو فقط لقبول الشعب باي حل حتى على حساب السيادة والحدود وبيع أصول الدولة، والثروات التي يتمتع فيها لبنان.
اذا كل ما قامت به الدول هو لجعل لبنان ينهار، كي يتحول الى فريسة سهلة، تقوم بالانقضاض عليه والتهامه، وبما ان هذه الدول بالتعاون مع منظومة الفساد أوصلت لبنان الى هنا، فحتما هي لن تقوم باي عمل يساهم بحل مشاكل لبنان، لذلك جولة الرئيس الفرنسي ماكرون لن تكون من اجل مساعدة لبنان، بل من اجل تقديم نفسه انه قادر على تنفيذ الاجندات الدولية، مقابل حصوله على الغاز اللبناني، وأيضا أمريكا لن تقدم أي حل لمشكلة الشعب اللبناني الا اذا سار بالتطبيع ونزع سلاح الحزب، وسمح لإسرائيل بالتنقيب في بلوك رقم تسعة، وهذا هو سبب السماح للشركة الامريكية ” هالبيرتون، بالاتفاق مع الكيان الإسرائيلي على التنقيب في بلوك رقم تسعة مما يعني بان أمريكا متأكدة بانها ستحصل على بلوك رقم تسعة والا لم تكن لتسمح لشركة هالبيرتون بتوقيع مثل هذا العقد.
وبما ان جميع الدول مدركة ان لبنان انتهى، فهناك سباق بين هذه الدول من اجل السيطرة على لبنان، فروسيا تحاول التدخل جزئيا في الشمال من اجل قطع الطريق على الفرنسيين ومنعهم من الحصول على الغاز اللبناني كون روسيا الاتحادية تدرك، انه بحال تحررت أوروبا من الغاز الروسي فان روسيا الاتحادية تفقد 90% من حضورها السياسي بالعالم، وأيضا روسيا تشجع بمكان ما التدخل التركي في طرابلس لوجود صراع تركي فرنسي بدا في ليبيا على النفط الليبي، بالمقابل أمريكا تسعى للحصول على بلوك رقم تسعة لتقديمه الى الكيان الإسرائيلي كما قدمت له القدس عاصمة الكيان، فالنظام العالمي العميق مهتم بان تتحرر إسرائيل من المعونات الامريكية.
ولكن في لبنان قوة وحيدة تعرقل كل هذه المشاريع وهي سلاح الحزب، فهو قادر ان يعطل التنقيب في بلوك رقم تسعة وفي بلوك رقم أربعة، بحال خرجت الأمور عن السيطرة، لذلك يطرح الان بما يعرف بالدويلات اللبنانية، وهذه الدويلات، وغاية هذه الدول تقسيم لبنان من اجل تخفيض الأعباء، فالفرنسيين يسعون للتقسيم كي يجنبون انفسهم أي صراع او اشتباك مسلح يعرقل مخططهم او يضاعف خسارتهم، بمعنى انهم لن يتدخلوا بما يحصل مثلا بالدولة الشيعية، او ماذا تمتلك او من يسيطر فيها على القرار السياسي، كما ان التقسيم يوفر عليهم الكثير ويؤمن لهم بيئة حاضنة مستقرة، مثلا بحال قيام دولة جبل لبنان، فان جزء من عائدات بلوك رقم أربعة تكفي لسد حاجيات مليون شخص وعيشهم في بحبوحة، ومنحهم امتيازات التنقل بالعالم وتسهيل اقاماتهم وتجاراتهم مع أوروبا وامريكا، انما بالمقابل لا يمكن لعائدات بلوك رقم أربعة ان تقسم على خمسة مليون مواطن لبناني، والا ستكون هذه التجارة خاسرة.
المحصلة لا توجد دولة كبرى ومن يدور بفلكها مستعد ان يقدم أي جرعة دواء لشفاء لبنان لانه المطلوب الان موت لبنان لتقسيم تركته على هذه الدول، وإزالة الخطر عن العدو الإسرائيلي.