التأثير الأميركي على بن سلمان: حقيقةٌ أم وهم؟
سامي كليب- كلما بنى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لَبِنةً في الداخل، جاءه سهمٌ من الخارج، فصار يُسابق الوقت لجعل قلعته الداخلية اقتصاديا واجتماعيا وشبابيا تحت راية “رؤية السعودية 2030″، عصّية على السهام التي يأتي جلّها من الحليف الأكبر لبلاده، أي الولايات المتحدة الأميركية، بينما تتوسّع الآفاق السعودية باتجاه الصين وروسيا ودول أخرى.
لنلاحظ مثلا هذين الرأيين المتناقضين في صحيفتين غربيتين، ففيما يكتب دافيد اغناطيوس في ” واشنطن بوست” ( وهو أيضا كاتب غير مباشر في الشرق الأوسط) أن ملاحقة بن سلمان لرجل الاستخبارات السعودي السابق سعد الجابري بتهمة سرقة مليارات الدولارات عبر الفساد، تصطدم بالمحاكم الأميركية التي تريد كشف أسرار العلاقة بين الاستخبارات السعودية والأميركية لاستكمال التحقيقات والسماح للجابري بالدفاع عن نفسه خصوصا أنه اتهم الأمير محمد مؤخرا باستهدافه لاغتياله، فان صحيفة “لاتريبون” الفرنسية تقول في تحقيق نشرته قبل أيام :” إن الزوّار الدائمين للملكة يلحظون جميعاً المتغيّرات الداخلية الكُبرى التي جرت في السنوات الخمس الماضية وذلك بفضل التحولات الاقتصادي والاجتماعية التي أطلقها الرجل القوي في الرياض محمد بن سلمان الراغب في أحداث تغيير كبير في الاقتصاد والمجتمعي السعوديين”.
لنلاحظ أيضا تناقضين آخرين، ففيما أعلن ثلاثة أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي أن مجموعة من أعضاء المجلس تُعارض أول صفقة أسلحة كبيرة للسعودية في عهد الرئيس جون بايدن، بسبب حرب اليمن ولأنها كما قال السناتور راند بول ” تُسرّع سباقَ التسلّح في الشرق الأوسط وتعرّض أمن التكنولوجيا العسكري للخطر” ، فإن الأمير محمد الذي يتولى أيضا مناصب وزير الدفاع ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، أطلق في يوم الجدل الأميركي حول الصفقة المذكورة، “الاستراتيجية الوطنية للاستثمار” التي تحقق عددا مهما من أهداف ” رؤية 2030″ في مجالات كثيرة ذكرها الأمير وهي :” رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى 65%، وتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر لتصل إسهاماته إلى 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة نسبة الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وخفض معدل البطالة إلى 7%، وتقدُّم المملكة إلى أحد المراكز العشرة الأوائل في مؤشر التنافسية العالمي بحلول عام 2030″.
لا شك أن الهجمات الكلامية والدبلوماسية المُتكرّرة التي شنّتها إدارة جو بايدن ضد ولي العهد السعودي (بشأن قضية جمال خاشقجي ثم حرب اليمن فصفقة الأسلحة وسعد الجابري)، تتخلّلها تسريبات لمحللّين تقول إن المشكلة الأميركية ليست مع السعودية الحليف التاريخي الأبرز لواشنطن بين الدول العربية، ولكن مع الأمير محمد، لكن ذلك لم يجعل، على الأقل حتى اليوم، ولي العهد والرجل القوي في المملكة يتراجع أو يلين. فهو رفض في آخر مقابلة متلفزة له أي تدخلات خارجية، وقال صراحة لو ان بلاده أعطت عقود النفط التاريخية لبريطانيا لما كان حال أميركا اليوم كما هو عليه، وتحدث عن ظهور قوى عالمية أخرى منافسة لأميركا.
أبرز الإصلاحات
الواضح أن الأمير يكثف إصلاحاته الداخلية لتصليب موقعه خصوصا أن مسألة وصوله الى العرش مطروحة بقوة منذ توليه ولايته وأيضا منذ تراجع صحة الملك. وقد حقّق بالفعل إنجازات لافتة رغم كارثة كورونا على الاقتصادات العالمية.
يمكن إيجاز أبرز هذه الإنجازات بالتالي:
ارتفاع الإيرادات غير النفطية، وزيادة عدد المصانع بنسبة 38% ليصبح عددها 9,984 مصنعاً مقارنة بـ 7,206 مصنع قبل إطلاق الرؤية تحت شعار ” صُنع في السعودية”.
تدفق الاستثمارات الأجنبية حيث وصلت إلى 17.625 مليار ريال مقابل 5.321 قبل الرؤية أي بنسبة ارتفاع 331%.
ارتفاع قيمة ملكيات الأجانب في السوق بنسبة 195.9% لتصل إلى 208.3 مليار ريال بنهاية عام 2020. وذلك بعد انضمام السوق المالية السعودية “تداول” إلى مؤشري الأسواق ” وبينها ستاندرد اند بورز وداو جونز” ما يسهّل الاستثمارات الاجنبية
تقدّم السعودية الى المرتبة 12 في مؤشر توفر رأس المال الجريء في تقرير التنافسية العالمية 2020 والى المركز الثالث عالمياً في مؤشر حماية أقلية المستثمرين، وتعزيز مشاريع توطين الوظائف (السعودة) مما ضمن توظيف أكثر من 422 ألف مواطن ومواطنة
زيادة ملحوظة لمشاركة المرأة السعودية في القوى العاملة لتصل إلى 33.2% عام 2020 مقابل 19.4% قبل 3 أعوام، وتطوير القوانين التي تحمي وتعزز حقوقها على المستويات الشخصية والمهنية
ارتفاع عدد الجامعات والكليات إلى 63 جامعة مع بحوث علمية منشورة وصلت الى 33,588 مقابل 15,056 بحثاً في الأعوام السابقة أي بزيادة 223%.
ارتفاع نسبة تملّك المساكن لتصل إلى 60% مقابل 47% قبل خمسة أعوام، حيث صار الحصول على الدعم السكني فورياً بعد أن كان يستغرق ما يقارب 15 عاما في السابق.
جعل قطاع السياحة في المملكة الأسرع نمواً في العالم بنسبة فاقت 14 بالمئة، وتطمح الخطط الحالية والتي من بينها مشروع “نيوم” الى رفع عدد السياح سنويا الى أكثر من 100 مليون سائح.
إطلاق أكثر من 2000 فعالية رياضية وثقافية وتطوعية جذبت أكثر من 46 مليون زائر مع مضاعفة عدد الشركات العاملة في قطاع الترفيه لتبلغ أكثر من 1,000 شركة، مما خلق أكثر من 101 ألف وظيفة حتى نهاية عام 2020
احتلال المركز الأول عالمياً في سرعة الإنترنت بما في ذلك الجيل الخامس، والمركز السادس ضمن مجموعة العشرين في المؤشر العالمي للأمن السيبراني
تعزيز منشآت ومصانع الطاقة المتجددة مع الحفاظ على البيئة وحمايتها. وتوطين الصناعات العسكرية، بنسبة ارتفعت الى 8% مع نهاية العام 2020 مقابل 2% في عام 2016 . وتم إطلاق برنامج تراخيص مزاولة أنشطة الصناعات العسكرية، وذلك للمرة الأولى في تاريخ المملكة
تصدرت المملكة الإنتاج العالمي لتحلية المياه المالحة بغية تعزيز القطاع الزراعي والحيواني ومشتقاتهما، رغم ان هذه التحلية تستنفذ نحو 6 بالمئة من أموال الطاقة.
خفض معدل وفيات حوادث الطرق سنوياً لتصل إلى 13.5 وفاة لكل 100 ألف نسمة بعد أن كانت 28.8.
رفع مستوى مكافحة الفساد حيث استردت الخزينة عبر تسويات مكافحة الفساد 247 مليار ريال في الأعوام الثلاثة الماضية
اصلاح وتعزيز المرافق القضائية والعدلية حيث ازدادت نسبة إنجاز محاكم التنفيذ إلى 82%، ونسبة إنجاز محاكم الأحوال الشخصية إلى 59%، وتفعيل التقاضي الإلكتروني مع أكثر من 10 ملايين جلسة قضائية تفاعلية ما بين عام 2015 و2020
المُلاحظ ان معظم هذه المشاريع الطموحة، تهدف الى تمهيد البلاد لاقتصاد بديل عن النفط أو مكمّل له، وتهدف كذلك الى القضاء نهائيا على البطالة التي كانت حتى الأمس القريب وفق البنك الدولي تصل الى 14 بالمئة ( وهذه بحاجة طبعا الى جهود كبيرة خصوصا ان ديون السعودية ما تزال كبيرة وفق وزارة المالية السعودية نفسها كما هي حال معظم دول العالم بعد جائحة كورونا حيث بلغت الديون المباشرة القائمة على الحكومة في نهاية مارس 2021 (901.3) مليار ريال سعودي ( 240.4مليار دولار أمريكي) منها (513.7) مليار ريال سعودي (137 مليار دولار أمريكي) ديون محلية و (387.6) مليار ريال سعودي (103.4 مليار دولار أمريكي) ديون خارجية) وتهدف هذه المشاريع ايضا الى جذب الشباب عبر التوظيف والانفتاح الثقافي والفني والشركات الصغيرة والتكنولوجيا والرياضة وغيره، وتهدف أيضا الى جذب النساء من خلال تعزيز حضورهن في الوظائف وتعزيز حقوقهن.
كل هذه الإجراءات التي يرعاها الأمير شخصيا ويتابعها يوميا، حقّقت حتى الآن شعبية ممتازة له في الداخل، ناهيك عن التحولات الكبرى التي أحدثها في مجالات التربية ومكافحة التطرف والغلوّ في الدين وغيرها. لكن كل ذلك لم يعدّل بعد من نظرة الإدارة الأميركية الديمقراطية له، كما أن انتهاء حرب اليمن دون تحقيق الأهداف الكُبرى التي وضعتها السعودية أي سحق ” التمرد الحوثي” و ” تقليم أظافر إيران” وبسط نفوذ الشرعية (أي المؤيدين للرياض)، قد يطرح، لو حصل فعلا، أكثر من علامة استفهام حول ما يُطبخ أميركيا. فهل تريد واشنطن الإطاحة بولي العهد أو ” تحسين السلوك” كما يقال دائما حين لا يعجب حاكمٌ الإدارة الأميركية؟ ثم هل تستطيع الإطاحة به لو شاءت ذلك بعد كل الإنجازات التي حققها وكسب عبرها الشباب السعودي الذي يشكّل العصب الحقيقي للبلاد والمجتمع؟
الواضح ان الهامش ضيّق أمام إدارة بايدن خصوصا إذا ما عاد الجمهوريون للسيطرة على الكونغرس الأميركي. فقد أفادت نتائج استطلاع جديد لجامعة كوينيباك أن 46 % من الناخبين المسجلين، يفضلون فوز الجمهوريين بأغلبية مجلسي النواب والشيوخ في عام 2022، مقارنة بـ 41 يريدون الديمقراطيين الذين يجاهدون للحفاظ على أغلبيتهم الضعيفة في المجلسين.
ثم ان واشنطن تُدرك أن علاقاتها الصعبة مع إيران حاليا، وتأثير لوبيات مصانع الأسلحة الأميركية، والبدائل الصينية والروسية في المنطقة، والتهافت الأوروبي الى أكبر اقتصاد عربي وأوسع سوق خليجية ( المشاريع الفرنسية كبيرة مثلا) ، وحاجة إسرائيل والسعودية للانفتاح على بعضيهما أكثر ( الأولى لمزيد من الحضور عند العرب والثانية لمشاريعها الاقتصادية والتكنولوجية المقبلة عند الحدود، خصوصا مشروع نيوم، ولأهمية اللوبيات في واشنطن)، كل ذلك لا يسمح لإدارة بايدن بمغامرة كبرى في السعودية، على الاقل حتى الآن، ذلك أن أي خطوة ناقصة قد توقعها في فخّ كبير، وهو ما يجعلها تلعب على عامل الوقت، وكذلك يفعل الأمير.
أما الفارق بين الرئيس الاميركي والامير السعودية، فهو أن شعبية بايدن الداخلية تتراجع على نحو لم تعرفه شعبية أي رئيس أميركي آخر وفق صحيفة تلغراف، بينما شعبية بن سلمان تزداد وكذلك مشاريعه، وصار من الصعب بالتالي، بل من المستحيل، على الأقل حتى الآن، الفصل بين ولي العهد والسعودية. لذلك فالجميع يراهن على كيفية انتهاء حرب اليمن، وهو ما يعني أن وطيس هذه الحرب سيستعر أكثر في قادم الأيام، فعلى نتائجها قد تُرسم خطط كثيرة.