ما هي اليهودية؟
الدكتور فهد حجازي | كاتب وباحث لبناني
اليهودية هي في الاساس ديانة محلية فلسطينية، بديء التبشير بها العام ٤٥٨ قبل الميلاد من قبل عزرا الكاتب. ومن الواضح أن عزرا حظي بدعم اردشير الاول الاخميني، إلا أن صاحب الدعوة والذين آمنوا بها كانوا محليين (فلسطينيين).
وانتشرت الدعوة في المنطقة إن عن طريق التبشير او الهجرة الطوعية أو المكرهة. وعليه فاليهودية ليست شعباً من عرق واحد متواصل عبر التاريخ، وإنما ديانة تنتشر كما تنتشر باقي الديانات الوثنية، أو ما تلاها كالمسيحية التي انبثقت في فلسطين وآمن بها من اليهود وغير اليهود من سكان المنطقة، والمسيح ذاته كان يهودياً فلسطينياً حاول إصلاح الديانة، وقاومه في دعوته يهود، منهم من كان يوالي الاحتلال الروماني، وقتلوه، حيث كان التنافس بين المكونات الدينية لمصالح معينة.
ولا ننسى أن الثورات التي قام بها اليهود في فلسطين زمن الاحتلال الاغريقي والروماني، كثورة الحشمونيين التي هي ثورة محلية فلسطينية ضمت يهوداً فلسطينيين وغير يهود فلسطينيين (بتعابير اليوم)، او الثورة التي قام بها الفلسطينيون العام ٧٠ ميلادية ضد الرومان والتي كان اغلب عناصرها ينتمون إلى الديانة اليهودية والتي شارك فيها المؤرخ الفلسطيني اليهودي يوسيف فلافيو (يوسيفوس)، والذي كان الناجي الوحيد من مجزرة مسعدة، حسب ادعائه، وفر الى مصر وتفرغ الى كتابة التاريخ اليهودي بوهم الشعب اليهودي حسب روايات التوراة التي أضاف الكهنة عبر التاريخ كل حسب رغبته الى روايات عزرا. كذلك ثورة بار كوخبا العام ١٣٢ ميلادية ضد الرومان، وبار كوخبا هو فلسطيني يهودي.
ومع انتشار الدعوة، صارت الديانة عالمية، وصار اليهود عربا وغير عرب. ومع انتشارها في شبه الجزيرة العربية، لم تنتشر كشعب هاجر الى هناك، وانما كديانة انتشرت بين ابناء المنطقة، فنقول يهود نجران العرب، او يهود يثرب العرب او يهود خيبر العرب، او يهود اليمن العرب. ولا ننسى ان الشاعر العربي الفذ، السموأل كان يهودي الديانة! لذلك نقول يهودي عربي فلسطيني، ويهودي عربي مصري ويهودي عربي عراقي وسوري ويمني ومغربي وهلمجرا، تماماً كما نقول هذا مسيحي عربي فلسطيني او عراقي، او هذا مسلم عربي فلسطيني او جزيري او جزائري!
أما فيما يخص اليهود الغربيين فهم يهود روس او يهود رومانيين او يهود المانيين او يهود بولونيين وغيرهم من أبناء الديانة اليهودية التي آمنوا بها (في مملكة خزاريا على بخر قزوين، والتي قضى عليها الروس وتشتت يهودها في أنحاء أوروبا)، وليسوا مجموعات من شعب يهودي يمت بالعلاقة الى يهود فلسطين كما جرى إقناعهم، وعندما استقدموا الى فلسطين، جاؤوا كمرتزقة في مشروع استعماري غربي، بذريعة دينية (ارض الميعاد)، تماماً كما استقدم الفلاشا الاثيوبيين، وكما استقدم يهود اليمن العرب، ويهود العراق العرب وغيرهم، خدمة للمشروع الاستعماري.
بناءً على ما تقدم، لا يمكن النظر إلى معتنقي هذه الديانة الغربيين او غير العرب الذين استقدموا الى فلسطين الا النظرة كمرتزقة في مشروع عدواني استعماري. اما اليهود العرب الذين استقدموا الى فلسطين او اليهود العرب الفلسطينيين الذين انتظموا في خدمة هذا المشروع الاستعماري بوهم الأساطير الدينية، فلا يمكن النظر اليهم الا كالنظرة الى المتعاملين الجزائريين مع الغزو الفرنسي للجزائر، او المتعاملين العراقيين مع الغزو الأميركي للعراق وسورية او المتعاملين مع الاحتلال الصهيوني في لبنان (جماعة لحد)!
في النهاية، نكرر أن اليهودية انبثقت في فلسطين كديانة فلسطينية بعناصر فلسطينية، فلا داعي للتفتيش عن ارض غير فلسطين للصق أساطير التوراه بها، ولا داعي لمضيعة الوقت في التفتيش عن أرض ميعاد غير فلسطين، فالدعوة تستهدف فلسطين بالذات كقلب للمنطقة العربية تستهدف فسخها عبر فاصل جغرافي عسكري الطابع كثكنة استعمارية تمنع وحدتها واستقرارها وتقدمها! اما النضال ضد الكيان الصهيوني فليس نضالاً دينياً موجهاً ضد ديانة، وليس موجهاً حصراً ضد شعب مستحدث من عناصر جرى جمعها بذريعة دينية لأداء وظيفة في مشروع استعماري إستيطاني إحلالي، وإنما النضال يكون لتحرير فلسطين من ضمن حركة التحرر العربية من الهيمنة الاستعمارية وأدواتها بغض النظر عن انتماآتهم الدينية او العرقية!