من مسلسل ران تان تان (لهُواة النوع)
محمود بري | كاتب وباحث لبناني
ليسوا من الطراز نفسه، لكنهم من ذات المنشأ. جاءوا إلينا من أسن الشوارع وقد حرّروها من الآخر (الإنبريالي سابقاً والصهيو-أمريكي حديثاً)… ودخلوا بنا من الشعارات الدارجة وقد خصّبوها بكل ما ملكت أفواههم من الكذب والمُراآة والدجل النوعي الدقيق.
مجاميع من ذوي الوجوه الوسخة والصيت الزقاقي، وفي أعناق الكثيرين منهم جرائم من كل لون ووزن، وفوقها تمائم ملفوفة برقع من الجلد الصناعي الرخيص الأسود في الغالب، تقيهم العين كما يعتقدون، لكنها بالتأكيد تُبعدهم بمقادير أكبرعن الله والخير والمحبة.
ليسوا رجالاً…على الرغم من أن أشكالهم طبق الأصل عن الرجال. اصواتهم جهورية في الغالب حين يشتمون ويُجدّفون ، كأنما يبتغون التأكد من أن صداها يبلغ سماء الرحمن ويطرق بابها.
يعرفونهم غالباً بغير أسمائهم التي ولدت معهم، والمُلفت أنهم يختارون لبعضهم هذه الأسماء العجيبة… يستلّونها من ثقافات دونية مُزرية: هذا “حنطوس”، وذاك “الأزعر”، وهناك “البيتش” وهنالك “شنخر” و”الغفلان” وأيضاً “الكلبان” و”الحرامي”. ألقاب تصبح بطاقات تعريف شفوية (بل صُراخية) مخصصة لكل واحد منهم بحيث تطغى على ما أسماهم به أهلهم حين فرحوا بولادة صبي وضيّفوا الشاي أو البقلاوة (نوع من الحلوى التي كانت منتشرة بين الناس قبل تحرير الأرض والإنسان في زمن الثورات الملعونة والزعامات الألعن).
هؤلاء الأوباش الآتون من جزيرة فورسيكا المتوسطية وهي أحد المنابت الأصلية للمافيا الأوطالية (وكلاهما فورسيكا والأوطالية تنتميان إلى العالم الموازي)، نزلوا في بلد سائب على كتف نهر الموت في ماوماو الشرق البهيم، فحكموه بكعوب أقدامهم ومرّغوا أهله بوحول نتاناتهم، وفرضوا سلطانهم على الإنسان والحيوان والنبات والعقار. اختلسوا وسرقوا ونهبوا وقتلوا وخطفوا وسحلوا من دون أن يندموا ولا يتوبوا، وحرصوا بأوامر يومية متواصلة من زعاماتهم، على التحدث عن خدمة الشعب والتضحية في سبيل الأمة وبذل الروح للذود عن حياض الوطن…إلى أشباه هذه من العبارات التي جوّفوها ونثروها على أهل العصر وسكان المكان بعد أن حشوها فضلات وزبالة وبقايا أفاعٍ نافقة سُمّها ناقع.
وإننا إذ نحمد المحمود الأعظم إذ جعلهم بعيدين عن بلادنا وعنّا في مجاهل القارة التاسعة التي لن يكتشفها أحد، فإننا لا نني نبصبص عليهم من بعيد، نستطلع أحدث فنون الإرتكاب عندهم وأبشع سُبل الإجرام، نتلذذ بالتفرّج عليهم كما كان الجدود الرومان يستمتعون بالتفرّج على الأسود المُجوّعة وهي تفتك بالمحكومين البائسين الذين حملتهم القُرعة ومزاج القيصر إلى باحات ملاعب القتل المسيّجة بالتصفيق الحماسي للضواري… والتي تعلوها مدارج للنظارة محفوظة في أمان.
ومن فرادات هؤلاء الحاكمين- الزعران، أنهم يتقاسمون الأحياء التي ينبت فيها حشيش المواطنين، حيث أن المقيمين هنا على سبيل المثال، من زاوية شارع الكذا شمالاً، طول طول، حتى زاروب الكذا جنوباً، وما بين سلسلة بنايات فلان شرقاً حتى الشاطئ غرباً، كلهم تابعين لـ “البطّاش” في ما يتعلّق باشتراك الساتلايت، وتابعين لـ “المشطوف” في ما يتعلّق بمولد الكهرباء… فلا يحق لأي واحد من “الركاب” أن يشترك بساتلايت الحيّ الثاني ولا بغير المولد المركون في الحي، وإلا فسوف يُقطع شريط الاشتراك، وإن حصل اعتراض من المقطوع شريطه، يجري قطع لسانه وربما رقبته، ثم يُلقى في اليم مكتوفاً، فلا يبتلّ… وهكذا يكتشف الأحرار الأهلون الأحرار المتنعمون بالكرامة والمجد أنهم محاصَصون هم أنفسهم كأنهم أشياء، وهم أشياء، ويخضعون لمتحاصصين متسلّطين في المنطقة، من أفراد المافيا المهابة والتي يحميها رجال الدولة الجالسون على عروش حصصهم.
بهذه الفصيلة من المخلوقات التي يلقبونها تجاوزاً بالشعب العظيم (بالطّه)، يؤكد خُطباء المناسبات، أنهم سوف يحررون الغازات التي في الماء والهواء، فينزعون الأوكسيجين ويُخصصونه للتنفس، ويعزلون الهيدروجين لأغراض لا يُعلنونها، ويحتفظون بالآزوت لسبب مُبهم يُشاع أنه لصناعة المزيوت… والله أعلم.
ولا يمكنك كلبناني التدخل في أعمالهم ولا توجيه النقد أو الشتيمة أو النصيحة لهم، لأنهم بعيدون جداً عنا وعن بلادنا السعيدة، ولا تواصل بيننا ولا اتصال. وهذا البُعد من فضل الله الذي جعلهم هناك، واعتنى برحمته ولُطفه بنا، فجعلنا في هناك آخر بعيد. وبين الهناكَين تتراقص الفراشات في ربيعها الدائم، تتنقل من زهرة إلى زهرة، في سلام ووئام.
أما عن ران تان تان، فلا أعرف سبب دسّه في العنوان.