فشل الرهان على السياسة الأميركية أسقط خيارات العملاء… حتى سلطة الكيان
فاطمة شكر | كاتبة واعلامية لبنانية
حرب جديدةٌ تدور رحاها في المنطقة ولبنان جزءٌ لا يتجزأ من هذا العالم العربي المنهك الهرم بسبب حكامه الذين لطالما راهنوا على الغرب.
أما اليوم فلم تعد الحرب حرباً عسكرية، صارت حرب أنابيب غاز وتنقيب عن النفط على السواحل اللبنانية وسواحل فلسطين المحتلة وترسيم للحدود بين لبنان والعدو الإسرائيلي، كل هذا وغيره من العوامل طرحت إشكالياتٍ جديدة، أبرزها ولادة شكلٍ جديدٍ للدول العربية وتقسيمٌ لها بما يتناسب مع الإدارة الأميركية التي ما زالت تسعى منذ سنين طويلة الى تفكيك المنطقة ورسم حدود جديدة مختلفة عمّا هي عليه، ولعل مجيء بايدن أطاح كل الرهانات التي كان الرئيس السابق ترامب قد وضعها، والدليل على ذلك فشل تنفيذ إستراتيجية مخطط «صفقة القرن» التي أثبتت فشلها باستثناء بعض الدول العربية التي كانت أصلاً على تماس مع الكيان الصهيوني وصولاً الى انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان والتي تعتبرُ هزيمة العصر والانكفاء الكبير على المستوى السياسي في المنطقة.
كل هذا يُشيرُ الى إعادة هيكلة مغايرة للمنطقة، واصطفافاتِ من نوعٍ آخر وتحالفات ترسم الخرائط والتسويات مع دخول مصر وانضمامها الى كلٍ من السعودية وتركيا وايران وأميركا كقوةٍ تحرك السياسة وتنسجُ العلاقات على أسس تناسبُ مصالح الدول الكبرى هذه، مما أدى الى فشل الرهانات على السياسة الأميركية واسقاط كل الخيارات حتى سلطة الكيان والتي اظهرت تباينات ما بين ادارة بايدن وحكومة بنيت.
لبنانياً، لا يزال واقعُ الحال على ما هو عليه، لا بل مزيدٌ من الانهيار والضعف والمرض الذي فتك بكل مؤسسات الدولة دون أن ينهض أحدٌ لمساعدة لبنان وشعبه باستثناء إيران والعراق للخروج من الأزمة العميقة اللبنانية ، من ناحيةٍ أخرى لا يزال التجار الجشعون يمارسون الاحتكار بالتعاون مع بعض القوى السياسية، إضافة الى غياب العامل والحس الوطني وتغليبه على الأنانيات الفردية والحزبية، وهذا ما ظهر بشكلٍ واضحٍ من خلال الصعوبات المعيشية التي يمرُ بها اللبنانيون، وخيرُ دليلٍ على ذلك طوابير الذل التي تمتد لساعاتٍ طويلة من أجل الحصول على مادة البنزين بسبب الشح في تخزين المحروقات وإصرار الحاكم على عدم التوقيع الا على باخرتين من أصل ستٍ كان يوقعُ عليها سابقاً، في حين يسعى البعض من خلال أدواته التي زرعها الى تخزين كمياتٍ كبيرة من المحروقات والدواء لإرضاء القوى السياسية والقوى الكبرى الخارجية من جهة والى إذلال وإخضاع الناس من جهةٍ أخرى. بهذا يكون قد وصلنا الى سلطةٍ مفككة لا انتظام ولا رقابة فيها، بل طمعٌ وفوضى مدبرٌ ومخطط ومدفوعٌ لها من قبل سفاراتٍ باتت معروفة.
مصدرٌ مقربٌ من الرئيس حسان دياب أكد أن لا إرادة حقيقية عند كل القوى السياسية الحاكمة من أجل إخراج لبنان من أزمته الحالية، ونقل المصدر عن دياب أنه يعمل على وضع خطط إنقاذية، لكن لا إمكانية لذلك، بسبب سياسة مصرف لبنان التي تهدد دائماً برفع الدعم مما يدفعُ المواطن الى المزيد من القلق، ناهيك بعدم التوقيع على البطاقة التمويلية التي من المفترض أن تكون بديلاً ضئيلاً عند رفع الدعم، ويقول المصدر إن من المرجح أن تصرف البطاقة التمويلية بالليرة اللبنانية وليس بالدولار لتوافر العملة الوطنية وقدرة الدولة على سدادها.
مصدرٌ سياسيٌ أكدّ أنه في حال لو لم تشكل الحكومة مع وجود بوادر إيجابية، فإن حكومة تصريف الأعمال التي يترأسها حسان دياب ستعوّم نفسها من أجل أن تستمر وأن تعيد جزءاً من هيبة الدولة ومن هيبة هذا المنصب السني، خصوصاً أنه هو السلطة التنفيذية، وبالتالي فإن القرارات من الطبيعي أن تتخذُ في أروقة السراي الحكومي وليس في مكانٍ آخر.
وحتى موعد تشكيل الحكومة وخروج الدخان الأبيض من قصر بعبدا ما علينا سوى أن ننتظر الداخل المشرذم من أجل وضع خططٍ حقيقية واضحة تكون كجدولٍ منتظم قائم على قوانين وشروط غايتها الأساس المحاسبة لكل الفاسدين ومعالجة الأزمات في لبنان بالطريقة الصحيحة عبر تحويله من بلدٍ خدماتي الى منتجٍ وزراعي وتحويل شعبه من شعبٍ مستهلك الى شعبٍ منتجٍ يمتلك الإرادة من أجل بقاء وطنه واستمراريته.