وطن يبحِر مع سفينة
روني الفا | كاتب وباحث لبناني
سفينة نفطٍ إيرانيةٍ أبحَرَت. أعلنَت دورة حياة جديدة. نوروز بَحري يعلن تناسل الموج وتمرّد الزَبَد. هرمز بِلا أصفاد. مندِب يعود إلى أعماقِه السمك الملوّنُ وإلى بابِهِ رجاء المرور الآمن حتى يتنفّس العالم. سُوَيسٌ لا يخشى قراصنة ولا قُطّاعَ بِحار بعد اليوم. تاريخية اللحظة لا تقلّ عن خطوة تأميم قناة السويس. الفرق أن لا عدوان رباعي ممكن.
من ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة إلى ثلاثية المندب وهرمز والسويس. بعد إعلانِها منذ أيام قليلة صارت البحار والمضائق والأبواب البحرية ملكية مشتركة مباحة للإبحار الآمن. أمنٌ رسمه محور بانت ملامحه. لن يكونَ أقلَّ من الناتو هيبةً. بحرُ العرب مقابلَ الأطلسي. مَوجُهُ ثورةٌ وزبدهُ من رغوةِ “همُ الغالبون”.
بكاءون يملأونَ المذاييعَ السخيفة. لا عقوباتٍ ولا قصاصاً ولا حصار. جثةُ قانون قيصر وُجِدَت مضرَّجةً ومرميةً على طريقٍ فرعيةٍ بين لبنانَ المقاوم وسوريا اللبوة. قتَلَتهُ المقاومةُ بصرخةِ سماحة. السياسةُ بصوتِ سيادةٍ تصنعُ لبنانَ في هذه الازمنة.
سفينةٌ من الآن وصاعداً مقابلَ سفينة. قاعدةُ اشتباكٍ على عينَك يا باغي. ما تخبئه المقاومةُ قريباً لسلاحِ طيرانِ العدو يفوقُ تصوُّرَ الكيان. التفوقُ الجويُّ منذ سبعينَ سنةً سيقابله ردعٌ لسبعينَ سنةٍ قادمة. الحربُ على لبنان صارت وهماً وأضغاثَ أطماع. حملَ الشرقُ الأوسطُ الجديدُ حقائبَهُ وعادَ خائباً إلى إليوت أبرامز وغاريد كوشنير. فتّشوا عن ملجأ للفلاشا يا أوغاد.
استراتيجيةُ الحصارِ سقطت. حرَقَتها سفينةُ محروقاتٍ باتت أرضاً لبنانية. لم نتكلَّف لإسقاطها سوى خطابٍ وإبحار. أوروبا فهمت. أميركا ستفهمُ عاجلاً أو عاجلاً. مفاوضاتُ ڤيينا فيصل. عودةٌ للإتفاق وإلا. لغَةُ القوةِ الممهورَةِ بالحَقِّ ستحبّرُ التوقيع.
بعضُ فُتاتٍ لشركات البترول. تلك المملوكة من سكان برج إيڤل كافية لعودة ماكرون الى الحظيرة. ماسٌّ جِدّاً الإنجاز هذا لرئيس آتٍ من روتشيلد وذاهبٍ الى رئيسي. مهجوس بعودة القمصان الصّفر. يغازلُ على مضض العلَمَ الأصفَر.
وسط هذه الإرهاصات سيُلَفُّ الحيادُ بكل تلفيقاتِهِ وماكياجهِ بإزارِ نادلٍ ليخدمَ على طاولة محورِ المقاومة. أقصى طموحِهِ ترفيعُهُ الى رتبةِ مرماطون. لن يتذوَّقَ الطَّبَقَ الذي يعدُّه لا في الحملاتِ الإنتخابية ولا في تسعيرِ الخطاب الإنعزالي. سيتوجَّبُ على السفاراتِ تغييرُ قائمةِ الطعام.
سيمرُّ لبنانَ بأيامٍ صعبةٍ قبل اتضاحِ صورته الجديدة. ستُشنُّ عليه حربُ الرغيف والدواء بلا هَوادَة . محاولةُ إقتلاعِ الشعبِ من الثلاثيةِ الذهبية. حذارِ من حكومةِ ڤيشي بنسخةٍ لبنانية. ألفُ ديغول سيكونُ الى جانبِ المقاومة.
حكومَةٌ جديدة؟ ربّما إنما مع استحالةِ أن تشيلَ الزيرَ من البير. الأول سطل مثقل بالماء والثاني عميق القعر. يعني معالجات دون إصلاحاتٍ في الجوهر. الجوهرُ مستقبلُ الصراعِ الأكبر: أيُّ لبنان عند انفراطِ عقد العدوان واستنباط الحل. راهناً نحن لسنا في المحور فحسب بل عينُهُ ومرتكَزُهُ. الحياد راهناً هرطقة ودفعٌ بالإتجاه المعاكس لحركة عقارب الساعة.
قبل أن تُرزَق المنطقة بمولود الحل سيكون علينا كلبنانيين مواجهة أكثر من ” فجر جرود “. داعش وأخواتها ستستيقظ من جديد. هذه المرة في مناطقنا المأهولة. ليس كخلايا نائمة بل كخَلايا لم تَنَم أصلاً. لا بد من حرب جديدة شبيهة بتلك التي خاضتها المقاومة في السنوات الماضية. جيشاً وشعباً ومقاومة سيكون علينا خوض هذه المعركة المفصلية في تاريخنا قبل انبلاج الفجر.
في هذه المعركة ستضع إسرائيل كل ثقلها لدعم التكفير والإرهاب. لن تخوض حربها بالمباشر. المحور بات منيعاً وجاهزاً للردع النوعي. التسوية إن أينَعَت ستغيّر وجه لبنان. من ملهى وملعب وساحة سيكون قلعة وسدّاً وعربياً لأول مرّة في تاريخه. عروبة نساها العرب ودعسها التطبيع. سنة على أكثر تعديل ونعود إلى رفع علم لبنان عالياً والله أعلم.