لبنان يدفع منذ عقود ثمن المشاريع الاميركية عليه وفي المنطقة
واشنطن انهكت عهد عون بـ «التجويع» وحزب الله يواجهها بباخرة النفط
كمال ذبيان | كاتب وباحث لبناني
لم يكن لبنان في تاريخه الا ساحة صراع لمشاريع خارجية لها ركائز داخلية سياسية وطائفية، وتدخل في هذه المشاريع الاميركية منها التي كانت تقابلها مشاريع اخرى مضادة او معادية لها ويمكن اسقاط المشاريع الاميركية منذ خمسينات القرن الماضي على لبنان حيث انزاحت فرنسا وبريطانيا عنه وتقدمت الولايات المتحدة بمشروع لرئيسها دوايت ازينهاور لمحاربة الشيوعية وقيام احلاف اقليمية «كحلف بغداد» الذي كانت ايران في زمن الشاه ركيزته، وانحاز رئيس الجمهورية كميل شمعون له واعاد لبنان حليفا للغرب مسقطا التسوية التي قامت عام 1943 بأن لبنان ذو وجه عربي ولا يتطلع الى التحالف مع الغرب وهذا ما ادى الى اختلال في التوازن وانقسم لبنان بين محور اميركي مثله الرئيس شمعون واخر عربي سار وراء الرئيس المصري جمال عبد الناصر كان من رموزه صائب سلام وكمال جنبلاط وادى الصراع بين المحورين الى اقتتال داخلي في صيف 1958 وعدم التجديد للرئيس شمعون لولاية ثانية في رئاسة الجمهورية واتت التسوية الاميركية – المصرية بقائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية.
فالتدخل الاميركي في لبنان من خلال مشاريعه كان يسبب الازمات السياسية ويزيد الانقسامات الداخلية وكان ابرزها ما قدمه وزير الخارجية الاميركية الاسبق هنري كيسنجري الذي سعى كما في كل الطروحات الاميركية الى تعزيز امن اسرائيل المضمون اميركيا ومن كل الادارات اذ يشير باحث سياسي في الشؤون الاميركية الى ان واشنطن لم تقدم مشروعا لصالح العالم العربي بل لتقسيمه وزجه في الصراعات الداخلية داخل كل دولة من دوله وقد كان لبنان في المشاريع الاميركية مختبرا لها ومنها توطين الفلسطينيين ومنع حق العودة لهم وتدجينهم واسقاط البندقية التي رفعوها مع شعار الكفاح المسلح فلم يتمكن المخطط الاميركي من تحقيق مشروع التوطين لكنه بالتعاون مع العدو الاسرائيلي استطاع ابعاد منظمة التحرير الفلسطينية عن الحدود الاسرائيلية لحفظ امن الكيان الصهيوني لكن المشروع الاميركي – بوجهه وتسقطه مع رموزه وسلطته التي وصلت الى الحكم بقوة دباباته واحتلاله فكان له عملاء سقط مع حكمهم اتفاق 17 ايار وتحررت اجزاء واسعة من الارض المحتلة وكان لاميركا نصيبها بتدمير سفارتها ومركز تجمع قوات «المارينز».
يستذكر الباحث الذي كشف عن ان اميركا لن تغفر لمن قتل جنودها وضباطها ودبلوماسيها، وهي توجه اصابع الاتهام الى «حزب الله» الذي تصنفه منظمة ارهابية، وهو يعتبرها «الشيطان الاكبر»، و»الشر المطلق»، لذلك فان الحرب مفتوحة بينهما، حيث تلجأ اميركا الى اسرائيل لتقوم بالمهمة، عبر اعتداءاتها قبل التحرير في العام 2000، او بعده في العام 2006.
وهذه المعركة المفتوحة بين محور المقاومة، واميركا، و»حزب الله» احد اذرعته، ظهرت مع مسلسل العقوبات الاميركية المفروضة على قيادات في الحزب، وقد برز عنوان للمعركة، وهو تأمين النفظ الى لبنان، فلجأ «حزب الله» الى ايران كدولة صديقة، وطلب منها تزويده بالمحروقات، لمواجهة الحصار الاميركي، المفروض على سوريا، كما على فنزويلا، وهو اسلوب اتبع مع العراق في اثناء حكم صدام حسين, بشعار «النفط مقابل الغذاء»، وكذلك استخدم مع ليبيا زمن القذافي، التي خضعت لحصار قاس، وهو ما تعاني منه روسيا، وقبل ذلك كوبا ودول اخرى، لم ترضخ للمشاريع والشروط الاميركية، ولبنان احدى هذه الدول، التي لم تنجح الخطط الاميركية فيه منذ خمسينات القرن الماضي، مرورا بفترة الحرب الاهلية، وما بعدها وكان فشله في «ثورة الارز»، التي كانت من احدى «الثورات الملونة» التي ابتدعها الرئيس الاميركي جورج بوش الابن، لتسويق مشروعه «للشرق الاوسط الجديد» بتعميم الديموقراطية بعد نشر ما سماها «الفوضى الخلاقة» بخلق نزاعات طائفية ومذهبية وعرقية في الدول التي يغزوها كما في افغانستان والعراق، وهو ينسحب منهما، لتأكيد فشل المشروع الذي دفنه لبنان في صيف 2006 بعد هزيمة اسرائيل في حربها عليه، ثم في استعادة التوازن الداخلي الى تكوين اكثرية نيابية، ووصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية الذي انهكوا عهده بتجويع اللبنانيين، لانه حليف المقاومة، التي قررت المواجهة بباخرة النفط.