كتاب الموقع
ثورةٌ على الذّات.. قبل رفْع الشّعارات
الدكتورة نازك بدير | كاتبة واكاديمية لبنانية
هل كان يزيد أشد فجورًا وطغيانا من حكام هذا العصر ليخرج الإمام الحسين طالبًا الإصلاح؟ ثمة نسخة مطورة عن يزيد، ماركة حصرية مصنعة في لبنان، يمكن وسمها بـ{يزيد 2021}
غيلان ينهش بعضها البعض الآخر تحت مسميّات عديدة تارةً باسم الدين، وتارة أخرى باسم الأحزاب، وطورا باسم العقيدة، وطورا آخر باسم الدولة التي فُقد الأمل ببنائها، كانت وعدًا فاضّمحلّ.
مع بداية السّنة الهجريّة، وكما في شهر محرّم من كلّ عام، ترتفع الشّعارات التي تنادي بالإصلاح، والوقوف في وجه الظّالم، والدّفاع عن المظلومين. لكن، تبقى في الغالب مجرّد شعارات لا ترقى إلى مستوى الفعل، لا بل يستفحل الظّالم في غيّه وجوره، ويغرق المستضعف في ذلّه وهوانه.
معركة الإمام الحسين مع يزيد هي مواجهة مستمرّة بين الحقّ والباطل، بين الخير والشر، بين الإصلاح والفساد، بين الوعي والجهل، بين الاعتدال والتطرّف.
الثّورة الحسينيّة ليست شعارات ورايات، ولا تكون بارتداء ثياب الحداد، هي قبل ذلك كلّه القدرة على أن يقتل كلّ واحد يزيد القابع في داخله، وأن يطهّر نفسه من الشرّ المتأصّل فيه، فيحبّ لغيره ما يحب لنفسه، ويكره لغيره ما يكره لها.
أن تكون حسينيًّا حقيقيًّا لا يعني الجلوس في الصفّ الأول في مجالس العزاء، وأنت نفسك محتكر الدواء، تتاجر بأرواح الناس، يموت الأطفال على مرأى من ناظريك ولا يهتزّ لك جفن، وتبيع الوقود في السّوق السوداء.
ثوروا على أنفسكم أوّلًا، واشهروا السّيف في وجه الفاسد، كائنًا من كان، بعيدًا من العصبّيات الطائفيّة والمذهبيّة.
لا يتوهمنّ أحد أنّ مَن سرق أموال المودعين، ونهب المال العام، ومَن يتلاعب بسعر صرف الدولار، ومَن يذلّ اللبنانيّين في لقمة عيشهم لا يتوهمنّ- وإن أقام المجالس- أنّه في معسكر الحسين(ع) هذا هو يزيد العصر بعينه، بأمّه، وأبيه.
الإمام الحسين لا يحتاج إلى شعارات تُعلّق على أعمدة لا تصلها الكهرباء، إنّما رسالته إصلاحٌ حقيقيّ يبدأ من داخل الفرد في الترفّع عن المصلحة الشخصيّة، والنّضال في سبيل المصلحة العامّة، واقتلاع الفساد من جذوره، والعمل الدّؤوب على تصحيح الاعوجاج، وبناء جوهر الإنسان ليحيا بكرامة.