آراء خليجية في لبنان
نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني
لماذا يريد البعض في الخليج أن يغرق لبنان أكثر فأكثر، أن يزول أكثر فأكثر ؟!
خلاصة حوارات مع اعلاميين وديبلوماسيين خليجيين. الأصوات مختلفة،الآراء مختلفة . الكلام الأخير لمن بيدهم العصا الغليظة. هؤلاء يعتبرون أن لبنان انتهى كحالة عربية استثنائية ليغدو أداة ايرانية تعمل ضد العرب في لبنان، وفي سوريا، وفي العراق،وفي اليمن.
في نظرهم أن الدور الجيوسياسي لايران سيزداد ضراوة لدى تسلم ابراهيم رئيسي سلطاته الدستورية ،وبعدما بات جليّاً أن القوى المؤثرة هناك بعيدة عن أي تفاهم مع الولايات المتحدة حول العودة الى اتفاق فيينا.
هذا يعني أن المنطقة مقبلة على أيام هائلة ، دون النظر الى الوراء حين أوحى الثنائي روحاني ـ ظريف (الذي قد ينتهي وراء القضبان) بشيء من التفاؤل الذي يشي بسلسلة من التسويات التي تبدأ من جبال مران في اليمن لتنتهي على ضفاف المتوسط.
من اسئلتنا: ماذا كان حل بالخليج لو أن سوريا وقعت في القبضة التركية، أو في قبضة «تنظيم الدولة الاسلامية» (داعش)، ناهيك عن الفوضى الأبوكاليبتية؟
أي لبنان، في هذه الحال، مع قناعتنا بأن سوريا لا يمكن أن تكون ايرانية، ولا لبنان يمكن أن يكون ايرانياً، بالنظر للافتراق الدراماتيكي في المسار التاريخي، وفي المسار الثقافي . بطبيعة الحال في المسار الايديولوجي.
السؤال الآخر: أين كان العرب حين كانت «الدبابات الاسرائيلية» تختال في شوارع بيروت؟ العرب اياهم الذين ضغطوا لتسليم لبنان الى ياسر عرفات (وما أدراك ما ياسر عرفات!). وأين كان العرب حين بقي الاحتلال يجثم على صدورنا، وعلى قبورنا ، لنحو عقدين من الزمن. أقصى ما فعلوه تلك المبادرة الكاريكاتورية في قمة بيروت عام 2002 والتي ألقاها الأميركيون في صندوق القمامة فور أن أضيف اليها بند حق العودة للفلسطينيين.
حتى بالنسبة الى مصر والسودان، اين هم العرب حين يواجه البلدان مأزقاً وجودياً بسبب المشاريع الأثيوبية على نهر النيل؟
الغريب أن يكون مأخذ زميل خليجي مقرب جداً من البلاط أننا، بتبعيتنا «العمياء» لايران، أوقفنا السياق الديناميكي ل «صفقة القرن» التي كان لها أن تغيّر وجه الشرق الأوسط بانهاء صراع لم يثبت يوماً جدواه، وتضعه أمام سلام الألف عام، كما لو أن مهندسي الصفقة لم يكونوا يتوخون، ولأغراض معروفة، احداث تغيير بنيوي في الخارطة الديموغرافية، وفي الصيغة الدستورية،للبنان بتوطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين.
بدا مستحيلاً اقناع الزميل ما يعنيه التشكيل الاسبارطي، أو التشكيل التلمودي،للعقل العسكري، وللعقل السياسي، في «اسرائيل» التي لا يمكن أن تنظر الينا أكثر من كوننا الديدان البشرية.
ممنوع أي مساعدة للبنان، حتى ولو كانت أكياس الطحين، أو كانت حبوب الأسبيرين. لبنان يختنق، وسوريا تختنق، والكلام الأخير «دعوا أيات الله ينقذوكم من الموت» . الموت اختناقاً… حين نسأل «ما هي اقتراحاتكم للتخلص من النفوذ الايراني»؟ تأتينا الاجابة الفذة «انكم تتظاهرون، وتثورون، من أجل المازوت، ومن أجل الأدوية،ومن أجل رفع ثمن ربطة الخبز، ولا تتظاهرون ضد حزب الله وهو المسؤول عن كل أزماتكم»؟
ليست فقط دعوة رائعة الى الحرب الأهلية ، بل والى أن نفتح أبوابنا أمام صفقة القرن، ليغدو لبنان أثراً بعد عين. وكما لو أن مقاتلي الحزب كائنات فضائية حطت فجأة على سطوح منازلنا، وليسوا نتاج صرخة التراب، وصرخة الثكالى،وحتى صرخة التاريخ ؟
هؤلاء الذين لم يكتشفوا أمام مشهد الأبراج في غزة، وهي تتهاوى فوق أهلها، مدى بربرية السياسات الاسرائيلية،بايديولوجيا الكراهية ،حيث لا مكان للأغيار (الغواييم) الا على شكل راقصات المعبد.
بطبيعة الحال، أصوات أخرى ترى أن الفراغ العربي وراء كل الويلات التي تلمّ بالعرب. تالياً كلما ابتعد العرب كلما ازداد النفوذ الايراني، والنفوذ التركي،وحتى النفوذ الأثيوبي.
آذان صماء…!!