بيدرو كاستيلو المدرس القادم من وسط الفلاحين والسكان الاصليين الهنود الحمر يؤدي اليمين الدستوري رئيسا للبيرو وتفاؤل محق لدى اليسار اللاتيني .
عدنان نقول | اعلامي ومحلل سياسي
1 – جمهورية البيرو في سطور :
تقع جمهورية البيرو في قلب امريكا الجنوبية . يحدها من الشمال الاكوادور وكولومبيا ومن الشرق البرازيل ومن الجنوب الشرقي بوليفيا والجنوب تشيلي ومن الغرب تطل على المحيط الهادئ وعاصمتها ” ليما ” كانت البيرو موطنا لحضارات نوتي تشيكو وهي اقدم الحضارات بالعالم وبعدها حضارة الانكا, النسيج الاجتماعي متعدد الاعراق الذي يضم الهنود الامريكيين والاوربيين والافارقة والاسيويين وهي بذلك تضم اكبر تجمع حضاري لحضارات الكابينسيك التي تعود بجذورها الى 10 الاف عام قبل وصول كيرستوفر كولومبوس الى الى شواطئ البحر الكاربي عام 1492 تضم البيرو 25 اقليم تشتهر بالغابات الاستوائية الخضراء وجبال الانديز يعتمد اقتصادها على الزراعة والتعدين وهي ثاني دولة باحتياطي النحاس وتمتلك احتياطي جيد من الذهب والفضة والنفط والغاز والثروة السمكية .
2 – من هو الرئيس الجديد بيدرو كاستيلو .
اقتحم بيدرو كاستيلو بقبعته البيضاء المصنوعة من القش وقلمه الرصاص وحصانه ذو اللون الابرش عالم السياسة من خلال دعواته المتكررة لاضراب المعلمين لزيادة الرواتب والاجور كونه مدرسا في مدرسة ابتدائية في منطقة الانديز “كاخاماركا “عام 2017 قاد اضرابا استمر 3 اشهر, بدأ حياته السياسية عام 2005 عندما اصبح عضوا في لجنة كاجاماركا لحزب “بيرو تستطيع” بزعامة رئيس البيرو السابق اليخاندرو توليدو المتهم بالفساد والملاحق قضائيا ثم انتسب لاحقا لحزب ” الشعب ” ثم عضوا في حركة “البيرو حرة “بقيادة فلاديمير سيرون ثم بعدها اصبح نائبا للحركة ودافع عن رئيس الحزب المتهم بالفساد بقوله ان الفساد هو ارهاب تنظمه الدولة ولقد فاز في الانتخابات الرئاسية 19 تموز في الدورة الثانية عن حزب “بيرو حرة “ويكون اول رئيس للبيرو من السكان الاصليين الهنود الحمر عمره 51 عاما .
3 – اداء اليمين الدستوري رئيسا للبلاد .
ادى الرئيس الجديد بيدرو كاستيلو امام الكونغرس اليمين الدستوري بحضور زعماء دول امريكا اللاتينية -المكسيك – الارجنتين – بوليفيا – كولومبيا -تشيلي – الاكوادر – الملك الاسباني فيلب الثاني ورؤوساء البعثات الدبلوماسية الاجنبية المعتمدين في العاصمة ليما ليصبح خامس رئيس لبيرو خلال 3 سنوات في الذكرى المئوية الثانية لاستقلال البلاد، متعهداً بإنهاء الفساد ووضع دستور جديد. وجاء تنصيب كاستيو بعد أسابيع على الانتخابات، وتقع على عاتقه مهمات صعبة على رأسها احتواء فيروس كورونا، وإعادة تنشيط الاقتصاد المتعثّر، ووضع حد لسنوات من الاضطرابات السياسية. وتعهّد كاستيو، حديث العهد بالسياسة، بوضع حدّ لربع قرن من سلطة الحكومة النيوليبرالية. وأُعلن فوز كاستيلو في 19 تموز ، بعد مرور أكثر من 6 أسابيع على الدورة الثانية التي تنافس فيها مع مرشحة اليمين الشعبوي كيكو فوجيموري، التي شكّكت في نتائج الانتخابات متحدثة عن “عمليات تزوير” نظرت فيها “هيئة التحكيم الوطنية للانتخابات”، واحتفلت بيرو الأربعاء بالذكرى المئوية الثانية للاستقلال في 28 تموز 1821. وكاستيلو هو أول رئيس للبيرو لا تربطه أي صلات بالنخب السياسية أو الاقتصادية في البلاد منذ عقود. وتعهّد بإجراء إصلاحات لضمان “عدم وجود المزيد من الفقراء في بلد غني”، مخففاً من نبرة دعواته إلى عمليات التأميم التي جعلها أساس حملته الانتخابية. ولا يحظى حزب “بيرو الحرة” الذي يتزعمه كاستيلو بأكثرية في الكونغرس المقسّم، حيث يشغل 37 مقعداً من إجمالي 130، فيما يشغل حزب “القوة الشعبية” بزعامة فوجيموري 24 مقعداً.
4 – خطة كاستيو لنهوض بيرو :
وتضرّرت البلاد بشدة جراء تفشّي وباء كوفيد-19. ومع وفاة نحو 200 ألف من 32 مليون نسمة يشكلون إجمالي عدد السكان، وهو معدل الوفيات الأعلى المبلغ عنه في العالم. وتسبّبت تدابير الإغلاق العام المشددة عام 2020 بفقدان ملايين الوظائف وأغرقت البلاد في الركود. وانخفض الناتج الإجمالي المحلي أكثر من 11%. وعيّن كاستيلو، الخبير الاقتصادي السابق في البنك الدولي بيدرو فرانك، كبير مستشاريه الاقتصاديين. ويُنظر إليه على أنه قادر على التأثير على الرئيس لجعله أكثر اعتدالاً علماً بأن الأخير اقترح تأميم الثروات المعدنية والنفط والغاز. وقال فرانك في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية: “لن نصادر، ولن نؤمم ولن نفرض أي ضوابط عامة على الأسعار”، مضيفاً: “لن نفرض قيوداً على عمليات الصرف تحول دون بيع أو شراء الدولارات أو إخراجها من البلاد”. وأعلن الرئيس المنتخب الشهر الماضي أمام حشد من مناصريه في ليما: “لسنا شيوعيين ولم يأتِ أحد لزعزعة استقرار هذه البلاد”
5 – حكومة جديدة مفاجئة لتوقعات المراقبين .
بعد يوم واحد من اداء اليمين الدستوري عين الرئيس بيدرو كاستيلو اول حكومة وزارية برئاسة جويدو بيليدو وكان تعينه مفأجاة لتوقعات المراقبين كونه من حزب الرئيس الذي وعد بتشكيل حكومة اعتدال وسطية تمثل الغالبية الشعبية, وتكذب تهم الانتماء للماركسية اللينية حيث يرتبط رئيس الوزراء الجديد بعلاقات جيدة مع رئيس حزب “بيرو حرة” بزعامة فلاديمير سيرون الدي يعرف عن نفسه بانه ماركسي لينيني , وبعد دقائق من اعلان اسم رئيس الوزراء بدأت قوى اليمين السياسية والاعلامية بتوجيه انتقادات حادة للرئيس الجديد كونها سابقة في تاريخ البيرو , ولتشويه سمعة اليسار البيروفي, ومن ناحية اخرى جاء هذا التعيين كشكل من اشكال التحدي لليمين النيوليبرالي الذي حكم البيرو لعقود , وان حكومة كاستيلو لن تقبل ضغوط اليمين المتطرف , ولكن بعض المحليين المطلعين على الوضع البيروفي يقول ان هذه الخطوة يمكن ان تعقد من مهمة الرئيس الجديد في تمرير قراراته الاقتصادية عبر الكونغرس , وانبتعاد قوى يسار الوسط عنه مما يخلق الحاجة الى انتخابات برلمانية مبكرة يأمل من خلالها الرئيس الجديد تغيير خارطة التمثيل الشعبي داخل الكونغرس لصالح حزبه بيرو حرة
6 – بارقة أمل جديدة لليسار اللاتيني .
في ال 10 سنوات الماضية تراجعت شعبية اليسار اللاتيني في عموم بلدان امريكا الجنوبية لاسباب نقدر انها تتعلق بالفساد والاثراء غير المشروع لقادة كبار مثلوا هذا اليسار اذ برز تناقض كبير بين الخطاب السياسي والاعلامي اليساري. واشتراكية القرن الواحد والعشرين التي نادى بها الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز وسلوكيات وممارسات هذا اليسار على صعيد الواقع والممارسة العملية , بالرغم من الانجازات الكبيرة التي حققها هذا اليسار على الصعيد الاقتصادي وتطور البنية التحية , يأتي اليوم فوز اليساري بيدرو كاستيلو في البيرو بشكل مشابه لفوز الرئيس البوليفي السابق ايفو موراليس في بوليفيا مابين2006 – 2015 الذي صنع المعجزة الاقتصادية في بلاده من خلال تأميم الثروة الغازية واجراء اصلاحات عميقة في بنية الاقتصاد لصالح الطبقات الفقيرة والمهمشة بواسطة وزير اقتصاده السابق لويس ارسي الذي يقود البلاد الان, الرئيس كاستيلو قد يكرر نفس الاسلوب في البيرو , مما ينعكس بشكل مباشرعلى التوزيع العادل للثروة الوطنية في جميع القطاعات الاقتصادية وخاصة التعدين والطاقة والزراعة – ويضع البيرو على طريق النمو والتقدم الاقتصادي من جديد . وعلى الصعيد السياسي والايديولوجي وصول كاستيلو الى رئاسة البيرو يمنح قوى اليسار جرعة امل جديدة لليسار البرازيلي بزعامة لويس اغناسيو لولا دا سيلبا في العودة من جديد لرئاسة البرازيل العام القادم – يمنح كوبا زخما عقائديا ضد الحصار الامريكي ومحاولة زعزعة استقرار الجزيرة بثورة ملونة تخطط لها ادارة الرئيس الامريكي جو بايدن – يمنح جرعة ثقة بالنفس للرئيس الفنزويلي نيقولاس مادورو في الصمود والثبات – يمنح الرئيس دانييل اورتيغا في نيكاراغوا صديقا جديدا حيث يتعرض لاقصى انواع الضغوط والتهديد بالحرب الاهلية – يمنح الرئيس الارجنتيني البيرتو فرناديز قوة دفع جديدة على صعيد اعادة بناء المنظمة الامريكية اللاتينية ومجموعة الكاريبي “سيلاك .لعقد قمتها العام القادم بعد انقطاع طويل , أمل ان يكون فوز بيدرو كاستيلو في البيرو فرصة جديدة لليسار اللاتيني لاعادة تنظيم صفوفه من جديد ومراجعة اخطاءه والاستفادة منها في مواجهة قوى الاستعمار والنهب الامبريالي المنظم لشعوب امريكا اللاتينية لقرون عديدة من التبعية والتهميش والاذلال .